صدر قرار المجلس الدستوري رقم 14.943 في 15 يوليوز 2014، و المتعلق بالقانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، و الذي أمر بنشره في الجريدة الرسمية بعد حذف مقتضيات اعتبرها غير دستورية،يهمنا منها في هذا المقال،المقتضى المتعلق بتمثيلية النساء في المحكمة الدستورية.و هو مقتضى لم يرد في مشروع القانون المحال من طرف الحكومة على مجلس النواب،كما لم يرد في تعديلات الغرفة الأولى،غير أن تعديلات الغرفة الثانية المحالة على مجلس النواب،تضمنت مقتضى خاص بمراعاة ضمان تمثيلية النساء في الفئات الثلاث المشكلة للمحكمة الدستورية.حيث نصت المادة الأولى من مشروع القانون استنادا إلى الفصل 130 من الدستور، على أن أعضاء المحكمة الدستورية الاثني عشر يتوزعون على ثلاث فئات:ستة يعينهم الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى ،و ستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب و ينتخب النصف الثاني من مجلس المستشارين،و نصت نفس المادة في فقرتها الثانية بناء على تعديل مجلس المستشارين على انه "يراعى ضمان تمثيلية النساء في كل فئة من الفئات". أثناء القراءة الثانية للمشروع، و التي تمت بحضور وزير العدل و الحريات داخل لجنة العدل و التشريع و حقوق الإنسان بمجلس النواب،فتح نقاش ساخن حول هذا التعديل، افرز اتجاه يضم نوابا من الأغلبية و المعارضة يعارضون التعديل ليس استهدافا لمبدأ تمثيلية النساء، لكن تحذيرا من إمكانية رفض المقتضى من طرف المجلس الدستوري. على غرار قراره بخصوص النظام الداخلي المعدل لمجلس النواب و الرافض لمبدأ حصر مناصب بعينها لعضوية النساء في هياكل مجلس النواب ،لمخالفة ذلك حسب رأيه للدستور.غير أن النقاش افرز اتجاها آخر ضم نوابا و نائبات من الأغلبية و المعارضة، يساند التعديل و يدعمه و هو ما حذا بالحكومة بقبول التعديل كما قبلته في مجلس المستشارين. لنتأمل حيثيات قرار المجلس الدستوري القاضي بعدم دستورية المقتضى، و لنفتح حول الموضوع نقاشا هادئا: 1/ اقر المجلس الدستوري في قراره بكون المشرع مدعو إلى سن قواعد من شأنها تعزيز ولوج النساء إلى المهام العمومية انتخابية و غير انتخابية، بما فيها المحكمة الدستورية، إعمالا لأحكام الفصل 19 المتعلقة بمبدأ المناصفة.غير انه أشار بالمقابل إلى كون الدستور، تضمن أيضا مقتضيات تتعلق بحظر و مكافحة التمييز على أساس الجنس و ذلك في تصديره،الشيء الذي أكد عليه الفصل 19 القاضي بتمتيع الرجل و المرأة على قدم المساواة بكافة الحقوق،بذلك خلص المجلس إلى كون الدستور لا يسمح للمشرع بتخصيص نسبة مضمونة مسبقا لأحد الجنسين في الوظائف العمومية . 2/ أكد المجلس الدستوري على أن العضوية في المحكمة الدستورية، مرهونة بشكل واضح بمعايير و شروط جوهرية حصرها الدستور(الفصل 30) في امتلاك تكوين عال في مجال القانون و على كفاءة قضائية أو فقهية أوادارية، و الذين مارسوا مهمتهم لمدة تفوق 15 سنة و المشهود لهم بالتجرد و النزاهة. كما أشار القرار إلى أن المسطرة الدستورية واضحة حيث يعين ستة من طرف الملك، في حين ينتخب الستة الباقون من طرف مجلسي البرلمان بالتصويت بالاقتراع السري و بأغلبية ثلثي الأعضاء و بذلك اعتبر المجلس أن تخصيص نسبة مسبقة لأحد الجنسين في العضوية بالمحكمة الدستورية ينافي الشروط الجوهرية و المسطرية الواردة في الدستور. 3/ أشار المجلس في نفس السياق إلى أن إمكانية تمثيلية النساء في العضوية بالمحكمة الدستورية،لا يتأتى ضمانه إلا على مستوى الاقتراح و الترشيح ،دون أن يفضي إلى تخصيص نسبة لا للرجال و لا للنساء،لان التمييز بين الجنسين محظور دستوريا. إن قرار المجلس الدستوري السالف الذكر يفتحنا أمام عدة إشكالات تتطلب نقاشا بعيدا عن الاصطفافات النمطية:من مع النساء و من ضدهن؟ و من مع المناصفة و من ضدها؟ و من المحافظ المناهض لحقوق المرأة؟ و من الحداثي نصير المرأة؟ • يجب الإقرار بكون مقتضى المناصفة بوصفها تجسيدا كميا لحضور المرأة في الحياة العامة و المناصب الإدارية و الانتدابية يظل مقتضى غامضا لم يوضع في الدستور كتتويج لمسار نقاش دستوري و قانوني و إجرائي، كان سيعفينا من التخبيط الحالي ،مع افتراض الحسم الفكري و الثقافي و السياسي في ضرورة دعم إدماج المرأة في كل مناحي الحياة. • إن اتهام الحكومة بعدم السعي لتحقيق المناصفة في المناصب العليا رغم التقدم الحاصل في هذا الشأن،لا توازيه القدرة على اقتراح البدائل التشريعية القانونية التي ستحل الإشكال الدستوري المشار إليه، لكون الدستور أشار بوضوح إلى معايير التعيين في المناصب العليا و التي حصرها في مبادئ تكافؤ الفرص و الاستحقاق و الكفاءة و الشفافية ،و هو ما يوضح أن تخصيص مناصب بعينها للنساء( سعيا نحو المناصفة) أمر مرفوض قانونيا لكونه مناف للدستور و مكرس للتمييز بين الجنسين ،و بذلك نجد أنفسنا أمام اتجاهين يحتجان معا بالمرجعية الدستورية. • يبدو أن المجلس الدستوري حسم في عدم السماح باتخاذ تدابير تشريعية تفيد بحصر مناصب بعينها، و هو ما تأكد في مناسبتي النظام الداخلي لمجلس النواب و القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية علما أن قراره بخصوص اللائحة الوطنية قرار يشوبه الغموض • يبدو أن الحكومة أخذت العبرة من قرارات المجلس الدستوري في تأويلها لمضامين الفصل 146 بخصوص القانون التنظيمي المتعلق بالجهات و الجماعات الترابية الأخرى، و الذي نص على ضرورة تضمين القانون أحكاما لتحسين تمثيلية النساء داخل مجالس الجماعات الترابية، و بذلك ضمنت مسودتيها المتعلقتين بالقانونين التنظيميين الخاصين بالجهات و الجماعات ،مقتضيات تفيد بحضور النساء في الترشيح إن وجدن، و إن تقدمن فعليا للترشيح، و إلا فنفس المناصب تبقى مفتوحة أمام الرجال و هو ما لن يضمن بالضرورة حضور النساء في هياكل المجالس. • لابد من أن نحسم في كون المناصفة كإقرار لآليات تجعل مناصب بعينها خاصة بالنساء، لا يوجد في أي ممارسة في العالم،غير أن المجهود يجب أن ينصب على مكافحة كل أنواع التمييز التي تعيق المرأة عن التمتع بفرصتها كاملة لتصل إلى ما يمكن للرجل أن يصل إليه ليس لكونها امرأة، لكن لكونها مواطنة تتوفر على كامل المؤهلات و الشروط التي يتطلبها الموقع الذي تحتله دون أن يخصص لها لمجرد كونها امرأة ،ثم يقصى منه الرجل لكونه رجلا رغم توفره على المؤهلات المطلوبة .لا يمكن أن نحارب ممارسة بمثيلتها،ذلك أن الإقصاء و التمييز لا يواجه بالإقصاء و التمييز، بقدر ما يواجه بقيم المساواة و حظر التمييز المؤسس على الجنس. • يبقى مفهوم المناصفة في حاجة إلى نقاش قانوني و دستوري معمق و هادئ و حاسم