الجزء الرابع و أنا عائد الى المنزل بعد يوم طويل و شاق كالعادة و كلي أمل بأن أجد الحمام فارغاً ﻷستحم و انام في برد و سلام ، وجدت رسالة على شكل قلب صغير من طرف أنجيلا في صندوق البريد . قمت بوضع الرسالة التي كنت متلهفاً لمعرفة فحوها في حقيبتي الزرقاء التي كانت شاهدة على كل أسراري . انتباني فرح شديد عندما وجدت الحمام فارغ و خال من أي لائحة انتظار ، لكن فرحتي هذه لم تدم طويلاً عندما اكتشفت أنني و الى جانب الستة أصدقاء سوف نحرم من الاستحمام لمدة أسبوع كامل ﻷن صاحب المحل الذي كنا نقطن فيه نسى أو تناسى أن يسدد الفاتورة ، و ﻷنني كنت " سالت " رغم أنني كنت أول من يدفع فاتورة الكراء ، كان يتعذر علي التفوه بأي حرف فيما يخص هذه المعضلة التي لم تكن في الحسبان . كان يتوجب علي أن أخد منشفتي يومياً لأسرق بعض لحظات السعادة وأنا تحت رشاشات المياه في بيت صديق لي كان يبعد على مكان سكني بحوالي ثلاثين كيلومتر للاستمتاع بالحمام. كانت " أنجيلا " تشتغل كمسيرة ﻷحد أرقى متاجر الملابس في لندن . لم أكن اعرف عندما كنت تائها بين أحضان لندن في ليلة من لياليها الباردة كقلبي المتجمد أن سبب سؤالي المباغت لها عن متجر " تيسكو " سوف يقودنا الي هاته الرسالة في يوم من الأيام. كانت سيدة في قمة الأدب و الاحترام رغم أننا كنا ننحدر من ثقافتين مختلفتين تماما ، مرت الأيام حتى عثرت على رسالة منها في بريدي الخاص رغم انه كان عام ، فكنا نتفقد رسائل الآخرين من حين لآخر للاطمئنان على حياتهم الخاصة. نظراً للرتابة التي كنا نعيش في كنفها , كان البعض منا يجعل من أسرار الآخرين مواضيع للتسلية و النقاش ، فقد صدق من قال ان ، النميمة فاكهة المجالس . ذهبت الى " الحمام " لأنه كان المكان الآمن الوحيد الذي كنت احس به في أمان . قرأت الرسالة مرة و مرتين لكي استوعب محتواها فكانت كالآتي : عزيزي يوسف ؛ أصبحت انت الهواء التي اتنفسه و المخدر الذي يجعلني احس بالحياة. انجيلا هاج فؤادي و ماج عند الانتهاء من الرسالة ، ذهبت مباشرة لصديقي مراد الذي كان بمثابة الأخ و الأب و الصديق ﻷطلعه على الرسالة ﻷنني أحسست بأنها " كبيرة شويا " عليا . فوجدته منهمكا في اتصال مهم مع صديقته اللبنانية التي كانت حلم أغلبية العرب و المغاربة. فجمالها و رقتها كانتا تحرجانه دائماً امام أصدقائه المحرومين عاطفياً . اتجهت نحو الثلاجة ﻷتفقد حالها ، فلم اعثر سوى على قنينات ماء فارغة تتراقصان فيما بينها ، رغم انني كنت قد اشتريت في صباح ذلك اليوم بعض المشروبات ( أعاصير و ياغورت) فلم اعثر على شيء ، يبدو ان عفاريت السيد بنكيران كانت حاضرة في لندن قبل التحاقها بالدوري المغربي للمحترفين. بعدما انتهى " مراد " من مكالمته ، قمت بقراءة بالرسالة و كذا تزويده ببعض الحيثيات لكي أضعه في الصورة. طفح الفرح على وجهه عندما قرأت له الرسالة ، تنحنح و قال : ‘' الفرصة تأتي مرة واحدة في العمر ؛ فإن كنت تريد الظفر " بالجواز الأحمر " الذي هو حلم جل القادمين لهذا " الفردوس المفقود " و العيش في امان فعليك بأنجيلا لأنك سوف لن تجد سيدة مثلها ، فالحب مثل الياغورت الذي كنت تبحث عنه ؛ فكلما استمعت به ، زادت حلاوته بين شفتيك. و من جهة أخرى يجب عليك ان تعلم انه و بمجرد ان تشتري شيء و يشرف الثلاجة ؛ فإنه يصبح ملك الجميع ، راه شي كايكل ديال شي " . في تلك اللحظة لم ينبعث من شفتي الا الصمت ، فلم يغمض لي جفن حتى أرسلت لها رسالة اعتذار ، أتأسف فيها لها عن عدم قدرتي على الإبحار في بحر عشقها. فبيني و بين نفسي لم اكن أحس بشيء اتجاهها ، فالإحساس فقدته عندما وطأت قدماي أرضهم الباردة إحساسا. لكن في الواقع بعد معرفتها شخصيا ، اتضح لي جليا أن المرأة المغربية لا يمكن تعويضها بأي امرأة أخرى في العالم ، فالمرأة المغربية فخر لنساء الأمم العربية و العالمية . ففي لندن كان المغرب حاضر دائماً في وجداني و كنت ابحث عنه بشغف في كل أرجاء مدينة الضباب . فاشتياقي لتربة الوطن و رائحة أمي كان يحول بيني و بين اي علاقة غرامية في لندن . الوطن كحضن الأم لا نعرف قيمته الا عندما نخونه و نهجره الى حضن أخر. * طالب باحث في الدراسات الثقافية و الاعلامية “من مذكرات مهاجر مغربي في لندن” [email protected]