اثبت قضية مصفى ولد سلمة مدى القبول الكبير الذي يحظى به المقترح المغربي للحكم الذاتي في جهة الصحراء الجنوبية للمغرب وليس الغربية كما يحاول البعض الترويج لها لحاجة في نفسه ، إن انتفاض بعض القبائل الصحراوية ضد طريقة إدارة هذا الملف سواء من طرف الكوركاس أو بعض المقترحات الجديدة للوافد الجديد كما يحلو للبعض تسميته يؤشر إلى أزمة كبيرة فعليا لدى الجهات المسؤولة عن هذا الملف ويبين عجزها عن استثمار الرأي العام الغالب لدى جميع القبائل دون استثناء و بشكل ايجابي من خلال إشراك أصحاب الشأن الفعلي في تقرير مفاصل حل الملف والتي لا شك يتوفرون على تسعين في المائة من الحل، إلا أن التوجه الرسمي لا يبتعد كثيرا عن الاستغلال الإعلامي لا أقل ولا أكثر مع إخراج فج بعيد عن المهنية وكل ما يظهر للخارج أن كل من ليس مع الطرح المغربي يشكل عدوا يجب النيل منه وتخوينه ومصيره السجون . ورغم حساسية الموضوع إلا انه لابد من الاستفادة مما حصل مع مصطفى ولد سلمة لإعادة صياغة طريقة التعاطي مع هذا الملف ، لقد أبان عن حجم التضامن الكبير للقبائل الصحراوية معه مما لا يدع مجالا للشك في أن هذه الأخيرة مقتنعة تمام الاقتناع بجدية طرح الحكم الذاتي ،و في غياب تركيز الإعلام العمومي على الموضوع بالشكل المطلوب خاصة الإعلام الذي يدفع له المغاربة أموالهم أو تقديم الموضوع بالشكل المعهود يفقده جاذبيته ، أما الإعلام الخاص فهو مقصر بدوره . فما المانع أن ترافق وفود إعلامية بل قوافل من كل الصحف والقنوات ولد سلمة في رحلته وتنقل للمواطن تفاصيل رحلة عذابه ؟ أين الصحف الوطنية من هذا؟ ليس الدفاع عن قضية الوحدة الترابية من خلال المكاتب المكيفة . لماذا لا تمول وزارة الاتصال فرقا صحفية محلية أو أجنبية وتمول إعداد تقارير متلفزة حية تفضح الجزائر أو تحرجها على الأقل ، أليس ذلك أحسن من تبذير الملايين في مهرجانات فارغة . لقد أبانت هذه المناسبة عن مدى العجز الكبير في الدفاع وتسويق الطرح المغربي رغم النجاح المسجل على المستوى الدبلوماسي الرسمي لكن المعركة لا يجب أن تتوقف عند هذا الحد بل يجب تحقيق الانتصارات على جميع المستويات وأهمها الجانب الإعلامي . كانت قضية أمينتو حيدر نموذجا للحملات الإعلامية التي استطاعت أن تحرج المغرب واضطر إلى التنازل تحت ضغط الإعلام رغم أنها كانت قضية مفبركة لكنها كانت متقنة الإخراج. تتاح للمغرب فرص ذهبية لكسب جولات كبيرة لكنها لا تسوق بالشكل الجيد ،حتى قناة العيون الجهوية رغم جهودها في المجال لكن طريقة تقديمها لا تغوي بالمشاهدة بل توحي بصورة من عقد الثمانينات . لقد رفعت الصحافة المغربية شعار (كلنا ولد سلمة ) لكن من خلال مكاتبها لا اقل و لا أكثرز لقد عاد ولد سلمى وهو يعلم مصيره هناك ، وكان يحتاج إلى مسيرة خضراء جديدة تسير وراءه ،مسيرة يجتمع فيها أصحاب الشأن من سكان الصحراء ومن كل أطياف الشعب المغربي من الأحزاب السياسية، ليس من خلال المزايدة السياسية ولكن من خلال إرسال وفود من مناضليها ، ومن الجمعيات الوطنية ،مسيرة يمكنها أن تغير وجه الصراع كما غيرت مسيرة 1975 تاريخ المنطقة . إن توافر عوامل مساعدة دوليا ومحليا وداخل المخيمات يجب أن لا يمر دون استثمار ،سيكون المغاربة اكبر الخاسرين إذا لم يستثمروا هذه اللحظة التاريخية، فالبوليساريو تعيش آخر أيامهما ولم يبقى منها غير الزعيم الأوحد ،والجزائر هي التي تشكل عصا سليمان التي تتكئ عليها، وبقليل من الجهد ستظهر لنا الحقيقة الفعلية للجبهة . لقد أن الأوان لفك حصار المحتجزين خاصة بعد أن قال الشعب الصحراوي كلمته بكل قبائله ، يجب أن ينتقل القول إلى الفعل بمسيرة خضراء سلمية جديدة يساهم فيها الكل من أجل فك الحصار على إخواننا لأن ذلك ما تقتضيه الأخوة.لقد اتضحت مدى المحن التي يعانيها سكان المخيمات ومدى المخاطر التي يواجهونها من اجل العودة إلى ذويهم والى وطنهم ، أو ليس من واجبنا أن نمنحهم كل الوسائل ونمول حملات ترحيلهم وتأمين حياتهم تفاديا لمغامراتهم وسط صحراء لا ترحم ونتركهم عرضة لتجار التهريب ليبتزوهم ويغتنوا من ورائهم. ومن جهة أخرى يجب أن نثبت لكل من ليس متفقا مع التوجه المغربي ويفضل الدفاع عن الانفصال انه سيجد مكانه في المغرب ومن حقه أن يعبر عن رأيه دون تجريم لموقفه، لقد آن الأوان آن يتم ضمان هذا الحق وعدم محاكمة الناس على مواقفهم فمن شاء فل يؤمن بالوحدة ومن شاء فل يكفر بها شريطة ألا ينتقل إلى محاولة فرض رأيه على الآخرين بالعنف والإكراه أو اللجوء إلى الاستقواء بالخارج. وإذا كان التوجه الانفصالي وسط جبهة البوليساريو نفسها في تراجع مستمر وأصبح هناك من هو مقتنع بالمقترح المغربي رغم سنوات من التغليط والحشد، فكيف به وسط الصحراويين داخل المغرب .إن أفضل رد تجاه ما يسمى انفصالي الداخل هو تركهم يعبرون بحرية عن مواقفهم وسيكتشفون وزنهم الحقيقي الذي في حقيقة الأمر لا يتعدى عدد أصابع اليد مما يضطرهم إلى استيراد بعض المرتزقة من الأسبان وغيرهم للدفاع عن رأيهم بعد أن عجزوا عن إيجاد من يدافع عنه وسط الصحراويين. ومع الأسف الشديد يكون تعامل السلطات غير موفقا في أحايين كثيرة ويتخذ أساليب قمعية تكون لها اثر سلبية كثيرة شكلت مع مرور الوقت مشجبا ضمن به الخصوم ورقة للترويج لمقترح الانفصال . في الوقت الذي كان المغرب دائما مكتفيا بالدفاع فقط من خلال محاولة نفي اتهامات الخصوم . يجب أن تشكل قضية ولد سلمة مفصلا تاريخيا في قضية الوحدة الترابية، فكما ندعو أن ُيحترم موقفه لدى البوليساريو يجب أن نثبت لسكان المخيمات انه يمكنهم أن يحتفظوا بمواقفهم الانفصالية على أرض المغرب، ونكشف لهم زيف ادعاءات عصابة البوليساريو ،التي تحتجزهم وتتاجر بهم .علينا أن نقرن الأقوال بالأفعال ونقطع مع العقلية المخزنية القديمة وننتقل بالفعل إلى العهد الجديد في جميع المجالات .فإذا كان مجرد التعبير عن الرأي في قضية المخدرات (نموذج الخياري )وقضية الإرهاب(بنكيران ) يقيم ويقعد الحكومة بدعوى تسفيه جهود الدولة فكيف ستقبل هذه السلطة بمن يحمل أفكارا انفصالية .ليس ضروريا أن تكون عودة أبناء المخيمات مشروطة بتبني الطرح المغربي بل يجب أن تشمل الجميع حتى من لا يزال يحلم بالجمهورية الصحراوية المزعومة . إن ما قام به ولد سلمة هو إعطاء إشارة انطلاق مسيرة العودة المأمولة لدى الكثيرين من سكان المخيمات ،لكنه لا يستطيع وحده مواجهة الجزائر ومخابراتها ،ويفك الحصار ولا يجب علينا أن ننتظر متفرجين نشجب وندد حتى تتم تصفيته ،بل يجب أن نقف وقفة رجل واحد في الإعلام المرئي والسمعي والبصري المحلي والدولي لنخبر العالم العربي والإسلامي عن شعب محاصر تحاصره دولة تدعي العروبة ونخبر الجميع عن حقيقة أن المحاصرين موجودون فوق التراب الجزائري يحاصرهم الجيش الجزائري ويسامون أسوء أساليب التنكيل من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية إن ما يعانيه سكان المخيمات أشبه بما يعانيه سكان غزة ،الفرق الوحيد هو أن العالم كله مع غزة، أما سكان المخيمات فهم وحدهم لا أحد من العرب يكترث بهم ،فمن أولى بالقوافل الإنسانية تندوف أم غزة ، من أولى بفك الحصار عنهم سكان غزة أم سكان مخيمات تندوف . آن الأوان أن نُسمي الأمور بمسمياتها فدبلوماسية المجاملة لم تعد مجدية مع الجزائر خاصة بعد الاقتناع التام لدى الجميع بتسميتها ب(عدو الوحدة الترابية) والعدو لا يمكن أن يكون صديقا في جهة وعدوا في جهة أخرى، انه النفاق بعينه وليس علينا المضي في هذا النفاق لأننا نريد أن نحفظ رابطة الدم المغاربية أو العربية ونُوهم الناس باتحاد مغاربي بعيد المنال أو بوحدة عربية لن تأتي.