الجزء الثالث توجهت مباشرة بعد الانتهاء من المدرسة الى حي " السوهو " المعروف لدى سكان لندن . كان ذلك اليوم يصادف أول يوم لي في الشغل . بعدما تحقق صاحب المطعم "التركي " الأصل من هويتي ، رغم ان المطعم لا يمت الى ما تخيلته بشيء .سألني ما هو المكان الذي يمكنني ان اشتغل فيه بأريحية و احترافية ، فجاوبته : " انني يمكنني القيام بكل شيء يا سيدي" و من تم تبدأ مسيرة "تخراج العينين" و التظاهر بأنك عندما كنت في المغرب كنت تشتغل على عكس العديد من عشاق النوم و العسل ، رغم ان العكس و للأسف هو الصحيح . كانت أستاذة لي في نفس المدرسة التي كنت أتابع فيها دراستي هي اول زبونة تشرف المكان. فكانت بمثابة الزبونة التي يتمناها اي نادل مبتدأ بينه و بين نفسه ، رغم انك قد تجده بأنه يتقن التظاهر امام الآخرين و اخص بالذكر ، صاحب المحل ،بانه سيد العارفين بأصول فن النذالة . طلبت مني ان احضر لها " بيتزا " و قارورة كوكا كولا , عندما إنتهت امرتني بكل إحترام ان أخد ما تبقى من المال ( البقشيش ). أما الزبون الثاني فكان و لله الحمد هو من تسبب في طردي من ذلك المطعم ، طلب مني هو الاخر و بكل تواضع و ثقة في النفس إحضار نوع من المشروبات الكحولية ليبلل به جوفه . ذهبت حينها عند صاحب المحل و أخبرته بأنها سوف تكون المرة الأولى و الأخيرة التي سوف أتلقى فيها هذا النوع من الطلبيات ، لكنه اصر بان أقدم بنفسي المشروب لذلك السيد الضخم لكي اتحرر من تلك العقد التي كان يظن انها أصل المشكلة ، لكن الذي لم يكن يعرفه هو ان تلك العقد هي حلول في حد ذاتها . فكم من عقدة كانت هي الحل . عندما انتهيت من سكب ذلك المشروب الكحولي ، أحسست بغصة في قلبي ، نادني صاحب المحل برقة و إحترافية و قال لي : " هناك فرق كبير بين سكب الماء و سكب المشروبات الكحولية يا صديقي ، فيجب عليك ان تكون فنان في سكب الكؤوس ". بعدها بيومين صرف لي راتبي و تركتني اذهب الى حال سبيلي لأنني و ببساطة كنت لست ماهرا في سكب الكؤوس و امور عبيطة اخرى . بعدها بثلاثة ايام ،عثرت على عمل اخر "حلال" في محل " للسوشي " بمنطقة راقية تدعى " ليفربول ستريت ". كنت في البداية و لمدة ثلاثة أشهر ، اشتغل كغاسل للأواني ، لكن الذي كنت اجهله تماما في ذلك الوقت هو انك ان أردت ان تغسل الأواني في لندن ، يجب عليك ان تكون فنان. فكل شيء في لندن فهو فن , لهذا تراهم يحترمون كل الفنون . نظرا لغلاء الكراء و المعيشة في مدينة الضباب ، وضعت الى جانب أصدقائي كل المخططات المحتملة لكي نقتصد ، حيث انه وصل بنا الحال الى ان نقطن نحن السبعة مغاربة في شقة صغيرة الحجم تحت شعار "لكي نعيش ، يجب ان نقتسم كل شيء " ،فاقتسمنا الكراء , غرف النوم , الاكل , الاحلام , البكاء , الفرح , و حتى الحمام . حيت انا الحمام كان هو ذلك الملاذ الآمن الذي كنا نفر اليه عندما كنا نريد إفشاء سرا من أسرارنا البريئة , فاطلقنا عليه لقب '' مكان الأسرار ". لكن النتيجة كانت دوما سلبية حيت كانت المشاكل تفاجئنا من حيث لا نحتسب . نظرا لهذا الضغظ الرهيب . قررت في يوم من الأيام و بعد إصرار متواصل من احد أصدقائي الذهاب إلى مطعم عربي لكي أزاول مهنة "الغناء ". التقيت صاحب المحل اللبناني اللكنة ، الخليحي الجنسية ، في تمام الساعة الخامسة مساءاً ، اتفق معي على ان أعود بعد منتصف اليل لكي اقدم اغنية او اغنيتين من اجل معرفة موهبتي عن قرب. رجعت الى البيت ، اخدت حمامي المعتاد ، ثم ارتديت قميصا اسود اللون ، خفيف التوب ﻷنني كنت كلي املآ بالرجوع الى البيت على متن سيارة أجرة بعد الانتهاء من الحفل و جيبي ممتلئ با" الجنيه الاسترليني ". لكن و ما ان وصلت إلى باب المحل إلا و وجدت صاحبه يستقبلني ببشاشة و يقول بصوته المعسل بالشيشة : " لم نعد بحاجة إلا مطرب يا حبيبي " . رضخ الباب بقوة تم عاد ليستمتع بما تبقي من الوقت رفقة أصدقائه. رجعت الى وسط المدينة منتصب القامة ، مطأطأ الرأس , اشتريت قطعة من البيتزا ثم رجعت الى البيت على متن الحافلة و كأن شيء لم يقع لأننا نريد و الله يختار لنا ما هو الأنسب لنا و ما يريد. * طالب باحث في الدراسات الثقافية و الاعلامية “من مذكرات مهاجر مغربي في لندن” [email protected]