هذا العام يمر نصف قرن على إنشاء "التضامن النسوي"، أول مؤسسة في المغرب، تحتضن الأمهات العازبات وتتبنى إشكالية اجتماعية معقدة، خلقت ولا تزال كثيرا من العداء، وصل إلى حد تهديد حياة مؤسسة الجمعية عائشة الشنا.. ونشأت الجمعية في العام 1985 بمساعدة من الكنيسة الكاثوليكية ومن مؤسسة "أرض الرجال". مأوى لطفولة مشردة تأسست الجمعية بغرض حماية الطفولة من التشرد سيما الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسات الزواج، وذلك عبر تمكين الأمهات العازبات بمورد للعيش حتى يتمكن من احتضان أطفالهن. كانت لديها في البداية صبغة التعاونية. كانت النساء ينتجن أطعمة للبيع ويعشن من الدخل. وبعد ذلك تطورت الجمعية بعدما ظهرت حاجيات أخرى ومنها أساسا التكوين والتعليم. حتى فيما يخص الطبخ، "لان الطبخ المنزلي يختلف عنه في إطار بيع المنتوج"، كما تصرح حفيظة باز، مديرة الجمعية، وتضيف موضحة: "ومن مهام الجمعية، تكوين النساء ومصاحبتهن بالخصوص في حل مشاكلهن الإدارية مثل تسجيل المولود وحفظ حقه في الدراسة والعلاج. وخطوة بخطوة أصبحت هذه الحاجيات تلبى بالخصوص منذ العام 1999. في 1995 بدا التكوين المهني وكان للجمعية مؤطرة..وفي 1999 بدا التكوين في المطبخ والحلويات والخياطة، وفتح مركز الاستماع بإشراف من مساعدات اجتماعيات وبدا العمل يتأطر ويتنظم، ثم فتحت دور الحضانة. حيث يتم استقبال الأطفال أثناء عمل أمهاتهن بإشراف مربيات". لقيط من الناحية القانونية، وقبل 1993، كان يتم تسجيل المولود ولكن محل اسم الأب يكتب مصطلح "لقيط". ولم يكن باستطاعة الأم ان تواجه مستشفى أو مدرسة بعقد ازدياد (شهادة ميلاد) كهذا، وبالتالي يظل الطفل ضائعا. في 1993 جاءت مدونة الأحوال الشخصية بتغيير في هذا الوضع يتيح للطفل التسجيل باسم مستعار بدل "لقيط". ومع ذلك كان يصعب تسجيل الطفل بدون مساعدة من الجمعية وإلا فمن شروط التسجيل الحالة المدنية التي تؤكد حالة الزواج، فيظل الطفل غير مسجل. في 2004، حصل تعديل بالمدونة أيضا، حيث أصبح من حق الأب ان يعترف بأبوته للطفل دون إلزام بالزواج أو أي مسؤولية أخرى، وهو إقرار بالبنوة شريطة ان يكون هناك إثبات بأنه كانت هناك خطوبة معلنة أو مشروع زواج إلا انه يمكن تجاوزها عبر ثغرة قانونية أو عبر شهادة الشهود. القاضي يطلب حجة متمثلة في فيديو أو صور الحفل، وفي بعض الحالات تحدث حالات زواج بالفعل، "في المدة الأخيرة حدثت حالات زواج كثيرة مع الأب البيولوجي، بل في بعض الحالات والطفل في سن متقدمة". ممنوع عن القاصرات والمعتوهات لا تحتضن الجمعية الأمهات العازبات القاصرات، التي تقل أعمارهن عن 16 سنة. تحتضن الجمعية فقط أمهات ليقدمن لهن تكوينا مهنيا وعملا يضمن استقلاليتهن المادية، ولان الجمعية تحترم عدم تشغيل الأطفال فلا يمكن لها ذلك. إذا كان عمر الأم العازبة اقل من 16 سنة، تضطر الجمعية لإخبار الشرطة والمصالح المختصة، فيلقى بها في مركز مثل الإصلاحيات. "وهذا إشكال مطروح بقوة"، تقول الباز، "فإلى جانب كون الجمعية لا يحق لها ان تحتضن القاصرات دون سن 16، فإنها أيضا لا تحتضن أمهات عازبات بعاهة نفسية، معتوهات مثلا، أو مصابات بمرض عقلي:". شريحة مختلفة تلك التي تحتضنها الجمعية، لكنها في الغالب من العائلات البسيطة، "لان العائلات الثرية غالبا ما تلتجئ إلى عمليات الإجهاض المتداول بالرغم من انه ممنوع، أو يسافرن إلى الخارج ويعدن بعد الولادة". تلميذات وطالبات تثير السيدة حفيظة الباز ظاهرة جديدة، حيث ان "ما يلاحظ في السنوات الأخيرة، ان التلميذات والطالبات أيضا أصبحن من فئة الأمهات العازبات، في حين انه من قبل ولسنوات طويلة، ظلت فئة الأمهات العازبات على فتيات أميات وخادمات بيوت. وهذه الظاهرة تطرح معها تغييرا في تصرف الجمعية: "فليس هناك وعي جنسي حتى لدى المتعلمات، بل وحاملات الإجازات (الشهادات) أحيانا". التوعية الجنسية ليست بصفة مبرمجة مدققة، ولذلك فالجمعية تنادي ببرنامج وطني للتوعية الجنسية بالمدارس بطريقة مختلفة حيث لا يجب ان تقدم من طرف الأساتذة الذين يقدمون حصصا عادية لان هناك حاجز الحرج، ولكن من طرف أخصائي، على الطريقة الفرنسية، وبحسب الفئات العمرية. ومثل هذه التوعية ضرورية للآباء أيضا. إحصاء من 2003 إلى يونيو 2010، لم يتغير المعدل السنوي للأمهات العازبات، حيث تم تسجيل 5000 طفل من ام عازبة كل سنة، دون أن ننسى ان الجمعيات التي تحتضن الأمهات العازبات تعددت أيضا في المغرب ولم تعد قاصرة على جمعية التضامن النسوي. جمعيات الدارالبيضاء تقدم نفس الأرقام: 5000 هي المجموع الإجمالي أو الإحصاء التقريبي لان ليس هناك إحصاء دقيق. كان هناك إحصاء دقيق وحيد فقط من 1996 إلى يونيو 2002، في الدارالبيضاء فقط، قامت به المديرية السامية للتخطيط بتعاون من الجمعيات والمستشفيات ومصالح الأمن وسجلت 5040 حالة ام عازبة و735 جثة رضيع، "وبالتأكيد انه كانت هناك حالات لم تحص أبدا". عازبات أم عاهرات؟ في إحصاء الدارالبيضاء الرسمي تبين ان نسبة العاهرات اللواتي يصبحن أمهات عازبات لا تتجاوز 2%. "وهذا أمر مفهوم، لان التي تمارس الدعارة، تكون محتاطة وإذا تورطت تمارس الإجهاض"، تقول حفيظة الباز. ولكن ما يلاحظ ان الأم العازبة إذا لم تحتضن، قد تصبح عاهرة لتستطيع رعاية ابنها. الجمعية غير مؤهلة لإرشاد العاهرات. ومرت معهن بتجربتين، واحدة مع فتاة في عمر 16 سنة، رفضت مساعدة الجمعية لان الأجر الذي تأخذه من الدعارة اكبر بكبير مما وفرته لها الجمعية. لكن يتم إرشاد العاهرات في الأمور الإدارية مثل تسجيل المولود. تقدم الجمعية في الفترة الأخيرة قروضا صغيرة للأمهات العازبات بدون أية فائدة، في حين أنه من المعروف ان الفائدة عن القروض الصغيرة عالية جدا بالمغرب حيث تتجاوز 30%... تحتضن الجمعية 50 امرأة، ولا تستوعب أكثر كي لا تتراجع الجودة في المصاحبة. مساعدون اجتماعيون، مربيات أطفال، مؤطرات في التكوين الإداري، أطباء نفسانيون، طاقم يتكون من 56 شخصا، يشكل فريق جمعية "التضامن النسوي". * إذاعة هولندا العالمية