جاء بيانُ الخارجية المصرية يوم الثلاثاء ليعلن وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بعد سبعة أسابيع من القصف المستمر لقطاع غزة، إعلان احتفلت به المقاومة الفلسطينية واعتبرته انتصارًا ضد الجيش الإسرائيلي الذي جعل من تدمير البنية العسكرية للمقاومة هدفًا لهذه العملية، إلّا أن هذا الانتصار، لم يجنِ نفس وجهات النظر، فتباينت الآراء بين مشيد ومشكّك. وينصّ الاتفاق حسب ما أكدته مصادر إعلامية متطابقة على وقف فصائل المقاومة الفلسطينية إطلاق صواريخها انطلاقًا من غزة على كل إسرائيل، ووقف هذه الأخيرة كل عملياتها العسكرية ضد القطاع، زيادة على فتحها المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما في ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع، وكذا موافقة مصر على فتح معبر رفح. وإضافة إلى ذلك، نصّ الاتفاق على تولي السلطة الفلسطينية تسلّم مسؤولية إدارة حدود غزة من حركة حماس، وتوليها قيادة تنسيق جهود الإعمار، وتضييق إسرائيل للمنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر، فضلاً عن توسيعها لنطاق الصيد البحري قبالة سواحل غزة إلى ستة أميال بدل ثلاثة، مع احتمال توسيعه تدريجيا إذا صمدت الهدنة. وقد اعتبرت حركة حماس أن هذا الإعلان هو انتصار لها بعدما باتت المقاومة هي من تتخذ قرار السلم والحرب، وأنها هي من تسمح اليوم للإسرائيليين بالعودة إلى بيوتهم وليس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما أشارت الحركة إلى أن المقاومة الفلسطينية نجحت فيما عجزت عنه الجيوش العربية، بعد أن استطاعت فرض حصار جوي على إسرائيل وكسر هيبة جيشها. محمد حمداوي، مسؤول العلاقات الخارجية لجماعة العدل والإحسان، كتب في مقال رأي خص به هسبريس تحت عنوان "انتصار غزة..أسباب ومقومات"، أن المقاومة انطلقت من حالة دفاع عن النفس وعن الوطن وعن هوية ومقدسات الأمة، في قضية عادلة ضد عدو محتل متغطرس لا يحترم أو يقدر عرفًا ولا عهدًا في حالة حرب أو سلم. وبالتالي أعطى هذا المنطلق للمقاومة ثقة أكبر في النفس وصبراً على تحمل الشدائد وعلى منازلة العدو. وزاد حمداوي في المقال ذاته أن قوة الجيش الإسرائيلي من حيث العدة والعدد والتحصينات الحديثة لم تجعله يجرؤ على المواجهة المباشرة مع أشاوس المقاومة، وهو ما أجبره على القتال من وراء جدر، وجعله يتجنب المواجهة البرية المباشرة مع رجال المقاومة، ممّا خلق له جوًا من الانهزام النفسي، وأعطى في المقابل زخمًا مستمرًا للمقاومة. ويرى الكاتب الصحافي الأردني هاشم الخالدي، في مقال له بصحيفة عمان الأردنية، أن "انتصار" حماس يعود إلى خلوّ قطاع غزة من الجواسيس إلى حد كبير، وقيام الحركة بإعدام من تقبض عليهم من الجواسيس في الميادين العامة كي يكونوا عبرة لغيرهم، وذلك بعد أن أدركت، يردف الصحافي، أنّ الجواسيس هم من كانوا يتسببون باغتيال قادتها وتحديد الأهداف الجوية للطائرات الإسرائيلية. غير أن التكلفة الباهضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي خلّفت استشهاد 2138 فلسطيني، وجُرح أزيد من 11 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين حسب وزارة الصحة الفلسطينية، زيادة على تدمير 17 ألف منزل ونزوح قرابة ربع مليون فلسطيني، مقابل مقتل 64 جندياً وأربعة مدنيين إسرائيليين، حسب مصادر إسرائيلية، جعلت الكثيرين يشكّكون في حقيقة هذا الانتصار "المكلّف". وقد كتب ضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي على حسابه بتويتر، أن حركة حماس تُوهم المواطن البسيط الذي تضرّر من العدوان بالنصر كي تطفئ غضبه، معتبرًا أن الفرح بالنصر لا يجب أن يكون إلّا عندما تتوافر قوة تدميرية ضد إسرائيل تفعل بها أكثر مما تفعل بنا من قتل ودمار، وبالتالي ففرحه الوحيد، هو للشهداء وكذلك للأبرياء الذين لم يقتلهم القصف الجوي الإسرائيلي. وزاد خلفان أنّ النصر الوحيد هو ذلك الذي قامت به حركة فتح عندما أقنعت القطريين بدفع خالد مشعل إلى التوقيع على الهدنة، ساخرًا من نصر المقاومة بقوله: "الآن فهمت أن النصر يعني تدمير كل شيء لك". وكتب زهير الشرادي، وهو شاب مغربي، على صفحته بالفيسبوك: "حينما أرى الشارع الغزاوي يرقص في جنون هيستيري فرحًا بنصر مؤزر أعلنته حماس، بينما إسرائيل تعلن الحداد احترامًا لمن قُتل من مواطنيها، أُدرك أن الحياة هي آخر ما تحترمه هذه الشوارع العربية". متسائلاً:" لماذا لم تعترف حماس بمسؤوليتها عن مقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة ثم اعترفت بذلك فيما بعد ؟ لماذا رفضت منذ شهر الورقة التي وافقت عليها اليوم مع أن ذلك كان كفيلًا بحقن نهر من الدماء ؟". وحاول الكاتب الصحفي في الجريدة الإسرائيلية "تايمز أوف إسرائيل"، دافيد هوروفيتس، أن يضع موقفاً وسطيا يقلّل إلى حد ما من إنجازات المقاومة الفلسطينية، فإسرائيل لم تبدِ التزاماً للوفاء بمطالب الحماس المركزية الخاصة برفع الحصار وإنشاء ميناء ومطار، وحركة حماس وضعت في النهاية حدًا للنزاع عندما تأكدت من قوة سلاح الجو الإسرائيلي على سحق المباني التي تحوي مراكز قيادتها. إلّا أن الكاتب الصحفي ذاته اعترف بقوة ضربات حماس العسكرية وقال إنها استطاعت تكرار استراتيجية حزب الله في لبنان، واستطاعت الاحتفاظ بالسيطرة الكبيرة في غزة، ممّا يوفر لها الوقت لإعادة التسليح وبناء آلية قتال أكثر فعالية، الأمر الذي يؤكد فشل الهدف الرئيسي للعملية التي أطلقت عليها إسرائيل "الجرف الصامد".