أطلق الرئيس الإيراني حسن روحاني في حملته الانتخابية قبل أكثر من سنة وعوداً كثيرة طمأن بها الأقليات القومية والدينية في إيران بتحقيق طموحاتهم وتلبية مطالبهم، وذلك في بيان تضمن عشر مواد. ونجح فعلاً في كسب تأييد هذه الفئات من الشعب الإيراني حيث حصد نسبة 75 % من أصوات هذه الأقليات في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها. لكن السؤال المطروح هو هل حقق رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني وعوده العشرة لهذه الفئات العريضة من الشعب الإيراني ؟ الأقليات الإيرانية وانتظار حصول التغيير مما جاء في بيان حسن روحاني للأقليات القومية والدينية، والذي تضمن عشر مواد وصدر بتاريخ 30 ماي 2013 : "أقر وأتعهد في حالة تنصيب حكومة التدبير والأمل أن أطبق المبادئ العشرة التي نص عليها الدستور الإيراني في فصل حقوق المواطنين على القوميات والطوائف الإيرانية حتى نعيش في إيران حرة ومزدهرة بمساهمة جميع الإيرانيين". ومن بين المواد الأخرى في البيان بند ينص على مشاركة الأقليات في الحكومة وتعيين محافظين منهم. لكن حين وصل السيد حسن روحاني إلى سدة الحكم لم يجد البند المتعلق بالمشاركة العامة في تسيير شؤون البلاد، بعيداً عن اعتبارات اللغة والدين، طريقه إلى التطبيق. ولم يعيّن ولا وزير واحد من القوميات وأتباع المذهب السني في تشكيلة حكومة الرئيس روحاني. وبخصوص البند المتعلق باختيار الكفاءات من القوميات لتسيير الشأن العام، لم يقع الاختيار حتى على محافظ واحد من الأقليات القومية. وبعد مرور سنة كاملة على هذه الحكومة مازالت النظرة الأمنية تحكم علاقة مسؤولي النظام الإيراني بالأقليات القومية والطائفية. تدريس لغات الأقليات القومية الإيرانية في المدارس العمومية أولوية الحكومة من البنود العشرة المهمة الواردة في بيان حسن روحاني، البند الرابع المتعلق بتدريس اللغات الأم للقوميات غير الفارسية. وقد تبيّن بالملموس وبعد مرور ربع عهدته الرئاسية أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يف بوعده ولم يلتفت إلى هذا البند، ومرت السنة الدراسية الأولى من عمر حكومته دون تدريس لغات القوميات المشكّلة للفسيفساء الإيرانية. وعلى إثر الانتقادات الواسعة التي وُجهت للحكومة، بسبب عدم إيفائها بوعودها، صرّح وزير التربية والتعليم الإيراني، علي أصغر فاني، مراراً، بأن الحكومة منكبة على تنفيذ الفصل الخامس عشر من الدستور الذي ينص على تدريس لغات القوميات الإيرانية في مدارس الدولة، وقد صرّح بكل وضوح بهذا الأمر حين قال : "إن تدريس لغات القوميات الإيرانية في المدارس هي من أولوياتي". غير أن هذه التصريحات قوبلت بانتقادات وردود فعل واسعة معارضة من طرف أعضاء "مجمع اللغة الفارسية". يأس الأقليات وفقدان الثقة في حكومة روحاني من ناحية أخرى ترتب على تعيين حسن روحاني مساعداً له في شؤون القوميات والأقليات الدينية والمذهبية لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بداية حكمه، انتظارات قوية من طرف هذه الشرائح الواسعة من الشعب الإيراني، وكان يُنتظر من مساعد رئيس الجمهورية علي يونسي القيام بأدوار مهمة ومؤثرة في اختيار محافظين ينتمون إلى المحافظات والمناطق ذات الأغلبية من الأقوام والطوائف، كمحافظات : أذربيجان الغربية، وأردبيل، وأذربيجان الشرقية، وكردستان، وكرمانشاه، وإيلام، وخوزستان، وسيستان وبلوشستان، ومحافظة كلستان. غير أن هذا الأمر لم يتحقق هو الآخر. وفي هذا الصدد يصرّح ناصر ديه جي، ناشط حقوقي إيراني من الأقلية التركمانية، أنه بعد مرور سنة كاملة من رئاسة روحاني لم يتغيّر أي شيء، ويقول : "لم تتحقق وعود روحاني، ونحن الذين دعمنا الدكتور حسن روحاني في حملته الانتخابية تُوجه إلينا اليوم الانتقادات بأنكم أيدتم الرئيس وشاركتم في حملته الانتخابية، أنا شخصياً لم يتسرب إلي اليأس بعد، لكن الناس يئسوا وفقدوا الثقة". ويضيف هذا الناشط المقيم في محافظة كلستان :"تلقينا تعيين مساعد لرئيس الجمهورية في شؤون الأقليات القومية والدينية في بداية الأمر بتفاؤل كبير، ورحب الرأي العام بذلك، لكن خلال السنة الماضية لم يقدم أي شيء ولم يف بالوعود التي أطلقها، وليس للأقليات مساهمة في تسيير الشأن المحلي والعام. ونحن اليوم نأمل خيراً في البرلمان القادم ونتمنى أن تتحسن الأوضاع". وخلص ناصر ديه جي في نهاية تحليله لسياسة الحكومة خلال السنة الأولى من عمرها بخصوص الأقليات الدينية والقومية إلى أن تمركز سياسة الرئيس حسن روحاني كان أكثر على القضايا الخارجية ولم ينجز عملا يُذكر على المستوى الداخلي. أما الدكتور جلالي زاده، النائب الأسبق في البرلمان الإيراني عن مدينة سنندج الكردية، فيقول في تحليله لسياسة الحكومة خلال سنتها الأولى بخصوص شؤون الأقليات القومية والدينية : "بعض التغييرات التي طرأت خلال سنة واحدة من عمر هذه الحكومة كانت مكررة وجزئية. كتعيين مدير سني عوض مدير كردي على سبيل المثال. وحتى تعيين علي يونسي مساعداً للرئيس في شؤون الأقليات والقوميات لم يكن له أدنى تأثير، ولم يقدم، إلى الآن أي شيء. إن الأقليات القومية والدينية لا تتوقع من هذه الحكومة تطبيق كل الوعود التي قطعتها على نفسها، لأنها لا تملك عملياً من تطبيق هذه الوعود سوى نسبة 40 %، ولكنها في المقابل لم تحقق من هذه الوعود إلا نسبة 3 أو 5 % في أحسن الأحوال". ويؤكد جلالي زاده كذلك أن الأقليات كانت تنتظر من روحاني تعيين وزيرين، على الأقل، منها في حكومته، كما كانت تنتظر منه تعيين محافظي ورؤساء جامعات ومندوبي وزارة التربية والتعليم في المناطق ذات الأغلبية السنية من هذه الطائفة. ويستمر هذا النائب البرلماني الأسبق في انتقاده : "إن عدم تطبيق وعود الرئيس هو سبب يأس الناس، ومن المحتمل أن يعزف الناس عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، لأنهم حين يرون أن صوتهم لا تأثير له سيصابون باليأس وخيبة الأمل. المفروض أن تسود الديمقراطية ويتمتع الناس بحقوقهم الوطنية والإنسانية وأن تعطى قيمة لحقوقهم كما تعطى لأصواتهم، وأن تُسند المهام والمسؤوليات لأهل السنة بقدر وزنهم وحجمهم في المجتمع". لماذا لم تتحقق وعود الرئيس الإيراني حسن روحاني وفي حوار أجراه مع إحدى المواقع الإخبارية ذهب حيدر بيات، الباحث الأذربيجاني في الشؤون الدينية والمقيم في مدينة قم، والمطلع على قضايا الأقليات القومية والدينية، إلى أن الرئيس حسن روحاني فشل في تقديم حصيلة مشرفة في الكثير من الميادين، وهذا لا يعني أنه فاقد للإرادة بل إنه عجز عن القيام بعمل في ظل الظروف الحاكمة. ويؤكد في هذا الصدد : "إنه بعد مرور سنة نفكر في قضية أخرى. فالحكومة محكومة بإرادة القادة السياسيين والمجتمع المدني، ولو أراد روحاني نفسه تحقيق هذه الوعود لم تكن الأحزاب والمجتمع المدني والقادة السياسيون ليسمحوا له بذلك لعدم استعدادهم لهذا الأمر ولعدم وجود إرادة مجتمعية لذلك، فبلدنا غير مستعد الآن لتحقيق هذه الوعود". وفي معرض تذكيره بوعود حسن روحاني من أجل إنقاذ بحيرة "أرومية" وتأسيس "مجمع اللغة التركية الآذرية" يقر بيات بأن حالة بحيرة "أرومية" ازدادت سوءاً خلال السنة المنقضية، وعلى صعيد تأسيس "مجمع اللغة التركية الآذرية" لم يُسجّل أي تقدم يُذكر. ورغم هذا الكلام يذكّر هذا الباحث الأذربيجاني : "إن الحكومة المركزية في طهران تعترف بمشروعية مطالب الأقليات وبأحقيتها، ولم تسكت عن هذا الحق كما فعلت الحكومات السابقة (حكومة رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد). نحن اليوم ندرك أن الحكومة المركزية والسيد رئيس الجمهورية يعترفون بحقنا هذا ويسلّمون بذلك، رغم أننا لم نر شيئاً تحقق على أرض الواقع، وعلى الحكومات المقبلة أيضاً أن تقبل بهذا الأمر وتقوم بما تستطيع وفي مستوى رغبتها وبحسب إرادة الشعب والمجتمع المدني والقادة السياسيين. أعتقد أن هذه خطوة في غاية الأهمية". يُذكر أن المستشار الخاص لرئيس الجمهورية في شؤون القوميات والأقليات الدينية في إيران، علي يونسي اعترف في وقت سابق بفشل الحكومة في إسناد وزارة أو منصب محافظ للأقليات القومية والمذهبية. وكان يونسي قد اعترف في حوار أجرته مع صحيفة "إيران" أن : "البعض يعتبر الأقليات دخلاء وليسوا منا، ويعتقدون أنه لا ينبغي إسناد المناصب العليا والحسّاسة في الدولة "للغرباء". من وجهة نظرنا ليس صحيحاً اعتبار جزء من الشعب الإيراني غير محرم ودخيل"...