تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.        مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين يقود الرئيس حسن روحاني إيران؟
نشر في هسبريس يوم 25 - 12 - 2013

بعد مرور نصف العام على تنصيب حكومة حسن روحاني في إيران يبدو أن نقاط القوة والضعف في هذه الحكومة الجديدة بدأت تتضح بجلاء أمام أعين المحللين، وعليه، يمكن تقييم توجهات هذه الحكومة ورسم صورة شفافة عن الوضع في إيران.
وللقيام بهذا التقييم لابد من تقديم قراءة لأولويات حسن روحاني وللفرص والتهديدات التي تواجهه. ولوزن حلفاء حكومته وتبعات نجاح أو فشل ذلك على مستقبل إيران.
أولويات حسن روحاني
ليس من الواضح للمتتبع أن العديد من الإجراءات التي يُتوقع أن يقوم بها الرئيس حسن روحاني، يمكن إدراجها في خانة الأولويات الحقيقية أم العكس، فعلى سبيل المثال، فقد تعرض السيد روحاني في الأشهر الأخيرة لسيل من الانتقادات بسبب عدم إيفائه بوعوده بخصوص رفع الحصار وفك الإقامة الجبرية عن رموز الحركة الخضراء، وكذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين.
وهو الذي كان قد وعد في حملته الانتخابية برفع الإقامة الإجبارية عن قادة الإصلاحيين، خصوصاً منهم مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وعوض الجواب عن سؤال بخصوص رفع الحصار عن قادة المعارضة قال : «أنا آمل أن الانتخابات في حد ذاتها تكون قد قربت الفجوة، وأتمنى أن تستطيع الحكومة المقبلة إيجاد فضاء سليم في البلاد. في رأيي ليس هناك أي مشكل في تهيئ الظروف خلال سنة قادمة، ليتحرر من هم في الحصار وغيرهم من سجناء أحداث سنة 2009»
وحينما حوصر في تجمع انتخابي آخر بشعار "يجب تحرير السجناء السياسيين"، أبدى رد فعله بقوله «لماذا فقط السجناء السياسيون ؟ لنعمل على تحرير جميع السجناء»
إن تحاشي حسن روحاني التصريح بكلام قاطع وواضح في القضايا السياسية والأمنية ينسحب أيضاً على مجالات أخرى. ففي أول حوار صحفي أجراه بعد الانتخابات، أجاب عن سؤال طرح عليه حول موقع محمد رضا عارف في حكومته، قائلاً : «أنا قلت لجميع مرشحي الانتخابات الأخيرة أنني أنوي الاستعانة ببرامجهم وآرائهم وأطرهم». وفي نفس الحوار، وفي رد على سؤال حول برامج حكومته بخصوص إعادة فتح "نقابة الصحفيين الإيرانيين"، قال : «ليس فقط هذه الجمعية أو النقابة، إنما جميع الجمعيات يجب أن تُفعَّل على أساس القانون، لأن النقابات هي أفضل وسيلة لحل قضايا كل قطاع»
هذا في الوقت الذي يبدو أن وعوده بخصوص موضوعات كالعقوبات والعلاقات الخارجية أكثر وضوحاً. فعلى سبيل المثال، فبعد الانتخابات أعرب مراراً عن رغبة حكومته في حل سريع للملف النووي، بل أكثر من ذلك حدد سقفا زمنيا للوصول إلى هذا الهدف يتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
ربما يرجع المتفقون والمعارضون لروحاني هذا التناقض في وعوده إلى الواقعية التي يفرضها النظام السياسي الإيراني، أو نتيجة لكون الإصلاحات السياسية ووضعية حقوق الإنسان لا تحظى لديه بالأولوية.
لكن بعيداً عن أي تقييم لأولويات رئيس الحكومة، ينبغي الإذعان لهذه الحقيقة، وهي أنه طوال عمر روحاني السياسي، لم يُعرف عنه سعيه نحو إيجاد تغييرات سياسية أو اجتماعية في إيران. رغم أنه كان خلال العقد الأخير من دعاة "ما بعد الأجنحة" و"الفاعلية" في السياسة.
الظروف الملائمة
ربما تكون تجربة فترة رئاسة أحمدي نجاد أهم عامل ساهم إلى الآن في تقوية موقع حسن روحاني وحلفائه، ففي ولاية أحمدي نجاد، ظهر طيف جديد ومتشدد من الجناح المحافظ، كان يدعم نجاد ويصطدم مع القوى السياسية الأخرى في البلاد، حتى المحافظين منهم. هذا في الوقت الذي وصل فيه الاقتصاد الإيراني بفعل سياسات الحكومة والعقوبات الاقتصادية إلى درجة من الانهيار لم تعرف إيران مثيلا لها منذ نهاية الحرب مع العراق. لم يقتصر تأثير هذه الأوضاع الاقتصادية المزرية في آخر سنتين من الحكومة السابقة على حياة قشر عظيم من الشعب الإيراني، بل أثارت سخطا واسعا على الأوضاع الموجودة، شمل حتى صفوف المحافظين.
في ظل الأوضاع الراهنة، وعلى عكس فترة رئاسة محمد خاتمي، حيث كانت التيارات المختلفة في الجناح المحافظ تعمل بانسجام ملحوظ للإطاحة بحكومة الإصلاحيين، فإن هجمات الطائفة المتشددة على الحكومة لا تحظى بدعم مجموعة الجناح المحافظ. حتى إن مجموعة من المحافظين، الذين هُمِّشوا في فترة رئاسة أحمدي نجاد من طرف رفقائهم المتشددين، لهم دافع كبير للتعاون مع روحاني ضد المتشددين.
هذا في الوقت الذي نرى فيه أن القوى الإصلاحية والمعتدلة التي دعمت روحاني في انتخابات 2013 بالرغم من الانتقادات التي توجهها بسبب البطء في إجراء التغييرات السياسية في إيران، متحدة في دعمها للسياسة الخارجية للحكومة. على المستوى الاجتماعي أيضا، يبدو أن اتساع الدعم العمومي للأولوية الأساسية لحكومة حسن روحاني وهي رفع العقوبات الاقتصادية، أكثر من ميزان الدعم العام للأولويات الأساسية في حكومة محمد خاتمي، والتي كانت تتمثل في التنمية السياسية.
وارتباطاً بهذه الأولوية فإن مجموعة أخرى من الداعمين المؤثرين للسياسة الخارجية للدولة يشكلها الفاعلون الاقتصاديون والقطاع الخاص في إيران. وهم بسبب العقوبات الاقتصادية –خاصة العقوبات على القطاعين البنكي والنفطي- عاشوا تحت ضغوطات غير مسبوقة، ويرون في رفعها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.
غرفة التجارة الإيرانية التي ينشط فيها ممثلو القطاع الخاص الحديث في إيران إلى جانب ممثلي البازار التقليدي، دعمت بقوة حسن روحاني في انتخابات 2013، مازالت بعد الانتخابات تؤيده بشكل قاطع. يؤكد ذلك أن أولى تعيينات حسن روحاني بعد فوزه في الانتخابات كانت تعيين محمد نهاونديان رئيس غرفة التجارة والصناعة والمعادن والفلاحة الإيرانية رئيساً لديوان رئيس الجمهورية ومسئولا لهيأة الرئاسة.
الظروف المعرقلة
رغم وجود داعمين متنوعين لحكومة روحاني، إلا أن طريقها ليس معبداً تماماً، إذ أن هناك معارضين أقوياء لها، يتموقعون غالباً في المؤسسات التي يشرف عليها مرشد الثورة. وأكثر الملفات التي تثير غضب هؤلاء المعارضين هي السياسة الخارجية. وأكثر المخالفين لسياسة روحاني الخارجية هم من المحسوبين على آية الله خامنئي.
إلى الآن أكثر الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى معارضة سياسة الدولة الخارجية، هو توجه هذه الأخيرة نحو التقارب مع الولايات المتحدة. وتبدو هذه المعارضة متناغمة مع آراء السيد خامنئي، حتى بعد سفر الرئيس إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أبدى مخالفته الصريحة لإقامة العلاقات مع الولايات المتحدة. فقد أكد خامنئي أن المفاوضات النووية ومسألة علاقة طهران مع واشنطن هما ملفان منفصلان، ورغم أنه يسمح بالليونة النسبية في الملف الأول، إلا أنه لا يرغب في تكسير طابو العلاقة مع أمريكا.
من الأسباب الأخرى لمعارضة المقربين من خامنئي لهذه الحكومة، هو الدور الذي يلعبه الإصلاحيون فيها. فخامنئي وحلقة أطرافه لهم حساسية واضحة من عودة الإصلاحيين لتصدر المشهد السياسي في البلاد، تجلت هذه الحساسية بوضوح حين التصويت على الحكومة لنيل ثقة البرلمان. وكذلك أثناء تعيين الوزراء الجدد. وبضغط من خامنئي ومقربيه لم يستطع بعض المقربين من محمد خاتمي أن يدخل في الحكومة. لكن هذا كله لا يعني أن الإصلاحيين لهم دور لا يعتد به في حكومة روحاني. لكن الشواهد الموجودة تثبت أن آية الله خامنئي والمقربين منه جادّون في إبعاد أمثال هؤلاء عن المناصب الخاصة والحساسة، خاصة تلك التي لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بالمسألة الأمنية. ولهذا السبب نجد أن جميع وزارات الدولة الأمنية والحساسة في حكومة روحاني يشغلها وزراء محسوبون على التيار المحافظ التقليدي، وفي الغالب لم تكن لهم علاقة جيدة مع الإصلاحيين في السابق، كوزارة المخابرات والداخلية والدفاع والعدل. وقد قوبل وجود مثل هذه التركيبة باعتراض مجموعة من الإصلاحيين، الذين أكدوا أن روحاني وصل إلى سدة الحكم بدعم وأصوات أشخاص لهم انتظارات بإيجاد تغييرات في الوضع السياسي وحقوق الإنسان في البلاد. وعلى أساس هذه التوجه فإن السيد حسن روحاني لم يقم بتدابير واضحة من أجل تحقيق أهداف من مثل رفع الحصار عن قادة الحركة الخضراء، وإطلاق سراح سجناء الرأي، والتخفيف من القبضة الأمنية على النشطاء السياسيين والاجتماعيين.
من ناحية أخرى فإن تحسن العلاقات بين الحكومة والمحافظين التقليديين في عهد روحاني أدى إلى ظهور تعقيدات في العلاقة بينها وبين المصوتين عليها. فالعديد من السياسيين ورجال الدين المحافظين من الناحية الثقافية لهم آراء جد منغلقة ويتوقعون من الحكومة الجديدة أن تأخذ آراءهم بعين الاعتبار.
فعلى سبيل المثال كبار رجال الدين المحافظين، لا يقبلون بأي وجه من الوجوه حضور النساء والمسلمون السنة في المناصب السياسية العليا، ويرفضون تخفيف رقابة الشرطة على لباس النساء والشباب. هذا في الوقت الذي كان فيه جزء كبير من المصوتين لحسن روحاني يشكله طبقة النساء والأقليات والشباب، الذين كانوا جميعهم يرغب في تحسين وضعيتهم. وهكذا يبدو أن الرئيس في موقف لا يحسد عليه بين توقعات المصوتين وانتظارات المحافظين التقليديين المتشددة، وليس معلوماً إلى أي حد يمكن أن يستمر شهر العسل مع هذين الطرفين.
مشاكل حسن روحاني مع مؤسسات الدولة الإيرانية
أقوى مؤسسات الدولة في إيران هي مؤسسة القيادة التي أعلنت دعمها المشروط لحكومة حسن روحاني.
وقد كان السيد خامنئي قبل الانتخابات الرئاسية قد انتقد في عدة تصريحات متفرقة فريق المفاوضين في الملف النووي على عهد حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والذي –أي الفريق- كان يقوده حسن روحاني. بيد أنه مع بداية المفاوضات في عهد هذه الحكومة، الحكومة الحادية عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، طالب بدعم فريق المفاوضين، في توجه غير واضح منه، أي رغم عدم تفاؤله بخصوص نتيجة المفاوضات النووية لكنه لا يرى "ضرراً" في ذلك.
يبدو أن آية الله خامنئي لم يكن يرى في حسن روحاني أفضل مرشح لرئاسة الجمهورية لهذه السنة، لكن بالنظر إلى التجربة المريرة للحركة الخضراء سنة 2009 وحساسية مآل الملف النووي الإيراني، لم يكن مستعداً لدفع أي ثمن مقابل الحيلولة دون نجاح روحاني في الانتخابات.
ويمكن أيضا افتراض أن ضغوطات العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني، وتجربة إدارة مرحلة محمود أحمدي نجاد المكلفة، ربما تكون قد أقنعت آية الله خامنئي بإعطاء فرصة لحسن روحاني للمحاولة من أجل رفع هذه العقوبات وإنقاذ اقتصاد البلاد. لكن هذا التوجه لا يعني بالضرورة أن مؤسسة القيادة تهدف إلى مواكبة سياسات حسن روحاني الأخرى. خاصة وأن آية الله خامنئي أبدى بكل وضوح حساسيته من الكثير من الداعمين والمرافقين للسيد روحاني-بدء من الإصلاحيين ووصولا إلى المقربين من هاشمي رفسنجاني- ومن احتمال توسع نفوذهم في الحكومة الإيرانية.
الحرس الثوري بدوره من المؤسسات المصيرية الأخرى في الدولة الإيرانية، وقد اتخذ مواقف متطابقة مع مواقف مرشد الثورة الإيرانية إزاء حكومة روحاني.
بيد أن قادة الحرس الثوري والقوى الشبه عسكرية المقربة منه، أي "البسيج"، لم يتخذوا لحد الآن مواقف يمكن تصنيفها كمعارضة منسجمة لحكومة حسن روحاني، وإن كان الكثير من قادة الحرس قد عارضوا سياسة الحكومة في مجالات تتصل بالسياسة الخارجية أو بالعلاقات مع أمريكا.
وكمثال بارز على هذه المواقف المعارضة نذكر تصريحات القائد الأعلى للحرس بعد سفر حسن روحاني إلى نيويورك، والتي دعّم فيها كل الخطوات التي اتخذها الرئيس في سفره، لكنه انتقد مكالمته الهاتفية للرئيس الأمريكي.
رد فعل آخر على السياسة الخارجية للحكومة تمثل في تعليق لوحات ولافتات في جميع أنحاء طهران تنتقد التقارب الإيراني الأمريكي، الذي تمخض عن المفاوضات النووية التي جمعت الإيرانيين بالغرب في جنيف. فهذه اللوحات وإن كانت قد تم جمعها بمتابعة من السلطات، إلا أنها كانت مدعومة بشكل كامل من طرف وسائل الإعلام المرتبطة بالحرس و"البسيج". وقد اتضح في الأخير، وبعد إجراء التحقيقات، أن تلك اللوحات كانت من تصميم إحدى الشركات الإشهارية المقربة من الحرس الثوري، وتعليقها على الجدران تم تحت إشراف قوى "البسيج" في بلدية طهران، وبدون القيام بالإجراءات الروتينية في مثل هذه الحالات.
ومن ناحية أخرى فإن حكومة حسن روحاني تواجه تحديات جمّة على مستوى الأجهزة الاستخباراتية والأمنية. فالجهازان الاستخباريان الرئيسيان في إيران هما "جهاز مخابرات الحرس الثوري" و"وزارة المخابرات"، والاثنان لهما وضعية متفاوتة من حيث الارتباط بحكومة حسن روحاني.
مؤسسة مخابرات الحرس الثوري تعمل تحت إشراف مرشد الثورة، وهي تتشكّل من أكثر القوى الاستخباراتية تشددا وأكثرها قربا إليه.
ولا نبالغ إذا قلنا أن إحدى المهام الأساسية التي يؤديها هذا الجهاز هو مراقبة وفرملة القوى السياسية والاجتماعية التي شكلت في الانتخابات الأخيرة غرفة عمليات الحملة الانتخابية لحسن روحاني وكانت وراء نجاحه.
وزارة المخابرات في هذه الحكومة يرأسها محمود علوي الذي يبدو أنه لم يكن الاختيار المناسب لحسن روحاني، ولكن لأنه من الوزراء الذين يجب أن يصادق مرشد الثورة على تعيينهم، يبدو أن رئيس الجمهورية في اختياره كانت له سلطة جد محدودة. وهذا الوزير ينتمي إلى الجناح المحافظ التقليدي وليست له خبرة في الإدارة المخابراتية، وهذا الأمر استدعى قلق بعض الداعمين لحسن روحاني، ويرى بعض المتتبعين أنه لن يكون قادراً على إيجاد التغييرات المطلوبة في هذه الوزارة الحساسة، وسيكون للمدراء والقوى المتبقية من السابق سلطة كبيرة في وزارته.
تعززت هذه التخوفات في الشهور الأخيرة بشكل جدي، وطفت على سطح الصحافة، وسبب ذلك هو استمرار الضغوط الأمنية على المنتقدين للحكومة في المجالات المختلفة، وتهديد الصحفيين في الداخل، وممارسة الضغط على عائلاتهم في الخارج، والمعاملة السيئة لبنات زعيم المعارضة مير حسين موسوي وزوجته.
كما أن وزارة الداخلية التي لها سلطة نسبية على الشرطة-بدون حق التنصيب والعزل للقادة- يسيرها وزير محافظ، من المقربين إلى رئيس البرلمان المحافظ، وكان في زمان رئاسة محمد خاتمي من ألد أعداء الإصلاحيين.
في الأخير علاوة على التحديات المذكورة فّإن مشاكل رئيس الجمهورية مع باقي مؤسسات السلطة في إيران، كالسلطة الاقتصادية والإعلامية، هي إلى حد كبير مشابهة للمشاكل التي واجهتها جميع الحكومات السابقة مع المؤسسات التي تعمل تحت إشراف مؤسسة القيادة.
وكتبسيط لهذه المشاكل والعوائق نشير إلى عدم سيطرة الحكومة على القسم المهم من آليات السلطة الإعلامية، خاصة مؤسسة الراديو والتلفزيون التي هي بحسب الدستور الإيراني تابعة لمؤسسة القيادة، والسلطة الاقتصادية التي يحتكر جزء كبيراً منها الحرس الثوري.
تداعيات نجاح أو إخفاق حسن روحاني
بالنظر إلى إمكانيات ومشاكل الحكومة الحادية عشرة، فإن نجاح أو إخفاق هذه الحكومة في الوصول إلى الأهداف المحددة، وخاصة حل الملف النووي، سيكون له عواقب وتأثيرات على المعادلات السياسية الإيرانية. فنجاح هذه الحكومة في حل القضية النووية وإلغاء العقوبات الدولية سيعزز لا محالة موقع المعتدلين في الرأي العام الإيراني وحتى لدى المؤسسات الحكومية. وهذا النجاح -إن حصل- سوف تكون له مكتسبات انتخابية مهمة بحيث سيجعل التنافس مع التيار المعتدل في الاستحقاقات الإيرانية المقبلة أمراً صعباً للغاية على باقي التيارات، إن لم يؤدي فعلاً إلى الانهيار السياسي للأطراف المتشددة.
وإن تحقق هذا المكسب هو بكل تأكيد ليس في صالح هذه الأطراف التي ربما ستسعى للحيلولة دون تحققه، عن طريق القيام بإجراءات تتجاوز مجرد المعارضة السياسية المتعارف عليها، وربما تصل –حسب بعض المحللين- إلى ممارسة أعمال التخريب..
من ناحية أخرى، لا يجب نسيان امتعاض آية الله خامنئي وعدم ارتياحه الصريح من نتائج المفاوضات النووية، فهو خلال السبع سنوات الماضية، كرر في ست مناسبات وبعبارات متشابهة نفس التحليل والقراءة لنتائج مساعي الإصلاحيين من أجل إزالة التوتر مع الغرب في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في أن جواب أمريكا على سياسات الإصلاحيين المسالمة هي مزيد من تشدد الموقف الأمريكي تجاه إيران، وفي نفس الصدد ذكر مرشد إيران مراراً أن أمريكا صنّفت إيران كدولة من دول محور الشر في عهد الإصلاحيين أنفسهم. هذا بالرغم من أن مرشد إيران أذعن لتغيير رؤيته تجاه الملف النووي الإيراني في السنة الأخيرة نتيجة للعقوبات الاقتصادية، ولكن ليس هناك ما يبرهن على أن سوء ظنه القديم بالغرب قد يتغيَّر أيضاً.
وأخيراً فإن مؤيدي التعامل مع الغرب أمثال حسن روحاني، الذي جرّب مرة سابقة في عهد محمد خاتمي خوض مسار التوافق مع الغرب بخصوص الملف النووي وفشل في إحراز تقدم فيه بسبب عدم مساندة المرشد حينها، وبالتالي اضطر إلى الاعتزال، فإن هذه المرة اختلف الأمر عن السابق، واضطر خامنئي للنزول عند رغبة التوجه الجديد للرئيس روحاني، وبفعل عوامل ذاتية وموضوعية كثيرة أشرنا إلى بعضها في هذا المقال، وقَبِل بالتفاوض مع الغرب الذي أفضى إلى نوع من التقارب، بيد أن نتائج هذا الاتفاق وهذا التقارب ليست محسومة ومرتبطة بمدى جديّة إيران في تنفيذ بنود الاتفاق، ووحدها الشهور القادمة ستكشف لنا إن كانت إيران ليست بصدد مناورة جديدة بغرض رفع العقوبات وشحذ القوى والاستعداد لمرحلة جديدة من تحدي المنتظم الدولي، حتى تصل إلى مرادها، وتصبح قوة نووية عسكرية تفرض شروطها على الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.