ماهو الخزي والعار في المجتمعات المتخلفة؟ من هو الإنسان الذي نعتبره غير صالح في مجتمعاتنا؟ بالتأكيد الجواب البديهي على ألسن العامة هو : 1) غير المصلين . 2) شاربو الخمر 3) مدمنو المخدرات والسجائر 4) الشواذ جنسيا... ماذا عن المسؤولين الذين اختلسوا ملايين الدراهم من خزينة الدولة؟ ماذا عن قاض مرتش يملك نفوذا واسعا؟ ماذا عن تاجر مخدرات يملك الملايين؟. ألا تكنون لهم احتراما؟ ألا تتحدثون عنهم بهيبة و تزلف؟ ألن تتردوا في السعي إليهم إن هم طلبوا إليكم الحضور؟ ألا نتحدث عن منجزاتهم ونحكي بحماسة مغامراتهم ونتطلع الى التنعم بربع ثرواتهم وممتلكاتهم؟ ألا نبحث عن صحبتهم ليوظفوا أبناءنا وينقدوا إخواننا من السجن ويتوسطوا لنا في كريمة أو منحة أو حتى كشك سجائر على الناصية؟ إنه بريق المال في عالم العقل والتفكير. إنها سلطة المال وسلطة الجاه وسلطة النفوذ، إنهم "الحاج" و " مولاي" و "الشريف" و " ل Boss " وغيرها من الألقاب التي تلغي كل رقابة أخلاقية أخروية لأن حصانتهم الدنيوية أقوى من كل وازع. انظروا حولكم فقط و كفاكم تعنتا فخذوا أنفاسكم على مهل و بعدها اندمجوا في لحظة من التفكير و تذكروا أن الحقيقة بطبعها مؤلمة و مرفوضة.. أعرف "حاجا من هؤلاء الحجاج الذين تكاثروا كالفطر. كان يجلس في مركبه السياحي الضخم ممسكا بأنبوب "شيشا" وواضعا أمامه كأس بيرة بريئ يبدو كليمونادة"بومس" ، ويوظف عاهرة من القطاع العام ليأتي كل المحترمين ليختبئوا هناك بصحبة فتاة أو اثنتين من بنات "قبل منتصف الليل بنصف ساعة" ليبللوا شفاههم خلسة بريق صويحباتهم ثم يؤدون ثمن المشروب ضعف ثمنه الحقيقي (مقابل الفضاء الذي يسمح ببعض القبلات) لينصرفوا بعد ساعتين وهم يحييون "الحاج" في طريقهم إلى المجتمع حيث يرتدون قناع التقية مجددا. رأيت مختلسين كثيرين يقترب منهم الناس بكل احترام وخوف ويسلمون عليهم باحترام أشد، لأن هؤلاء لا تصح محاكمتهم أخلاقيا إذ يكتفي الفقراء والمتاعيس في حراسة أخلاق بعضهم البعض والرقابة عليها ثم اصدار الأحكام بشأنها . فكل فقير يزني ويسكر "فاسد مارق زنديق" وكل غني ذي نفوذ يزني ويسكر "جات معاه " أو " لم نرا شيئا" أو و هذا أضعف النفاق، نعتابه في السر و نتوعده بجهنم قبل أن نثني عليه في حضرته و نقبل أعتابه الشريفة من أجل المال أو الوظيفة أو الحظوة.. ( و بعد كل هذا نعود إلى تجمعاتنا للادعاء بأننا رجال لا نتملق لأحد كائن من كان).. لاحظوا معي أنه مهما اشتدت رقابة الأخلاق فإن الرذائل والمفاسق والفجور لاتختفي أبدا. على مر التاريخ كانت هناك دوما دعارة/ وشذوذ وخمر ( منذ اكتشف) وزنى، وسرقة، وغش، وتدليس ... وغيرها. لايمكن نزع الشر مطلقا من بني البشر. وسيظل هناك خمر وشذوذ، وجنس حتى تفنى الارض ومن عليها. "المجتمعات المتخلفة تركز على مراقبة مدى التزام الأفراد بأخلاق العبادات (دونا عن أخلاق المعاملات). هذا المجتمع الملغوم بكل هذا الكبت (من جراء الرقابة القلبية) والذي يعطي أفرادا معاقين نفسيا وغير مؤهلين معرفيا لتحقيق النجاح في الحياة. و هذا الفرد الفاشل الذي لا يمارس نفس الرقابة (التي يمارسها على الفقراء من أمثاله)على الأغنياء وذوي السلطة والنفوذ لأنهم مصدر (جاهز) من مصادر العيش التي لا يكفلها لهم عقلهم وهنا تبدأ قصة الغش والمحسوبية والرشوة وممارسة النفوذ والتملق كأساليب أخرى للبقاء على قيد الحياة. يكفيك أن تذهب إلى المسجد بعد كل أذان وتجلس في الصفوف الأولى، وحينذاك لو أمسكت بسبحة في يدك وأحنيت رأسك إلى الأرض تفكيرا وخشوعا وتقوى، ثم تقوم الى الصلاة بهمة ونشاط ولسانك يهمهم بدعاء صالح مسلما أمرك الى خالقك، ثم تحني رأسك لتتظاهر بالخشوع فيما أنت تفكر في " لكريدي ديال مول الحانوت" أو تتذكر مشوار عليك القيام ثم تلعن الشيطان وتعود للخشوع ثم سرعان ماتتذكر "عبد الحق" صديقك الذي ستذهب إليه بعد الصلاة للاقتراض منه وهكذا إلى ان " تسمع السلام " فتنهي الصلاة وتلتفت إلى صاحبك وتصافحه بخشوع " الله يتقبل" وعيناك تقطر إيمانا. ثم تجتمع ببعض الأصدقاء وتكثر من "قال الله" "قال رسول الله" وتتحسر بين الفينة والأخرى على الأخلاق الضائعة والتحلل والتفسق الأخلاقيين، ثم تتنهد وتستغفر ربك. كن صادقا عزيزي القارئ و اعترف بأن هذا يحصل معك أيضا حتى لو عزّ عليك ذلك.. تكفيك هذه الوصفة السلوكية لتأخذ على جبهتك وسيرتك تأشيرة "الصلاح" من طرف قنصلية الجماعة المراقبة، وتكفيك هذه السلوكات اليومية لينعتك الناس بالبر والتقوى والصلاح. وفي المقابل يكفيك أن تلبس لباسا غريبا وتتصرف بعفوية وتظهر بين الفينة و الأخرى سائرا في إتجاه حانة المدينة، ويكفيك كذلك أن تحلق شعرك على طريقة طايسون وتضع جهاز Mp4 في أذنيك. وإن أنت أردت نتيجة مضمونة يكفيك التجول بصحبة صديقتك في الشارع واستقبالها في البيت حتى يؤشر الأخوة في أعضاء جماعتك على تأشيرة الفساد والفجور وعدم الصلاح... فلا يرون في سلوكك غير هذا الفجور ليخلصوا من بعد ذلك الى خلاصة وضعك في خانة المارقين المكروهين شريطة أن تكون فقيرا طبعا... بالطبع الجماعة لن يهمها أبدا ما إذا كنت موظفا صالحا لا يأخذ الرشوة من الناس و يخلص في عمله و يقدم الصدقات للفقراء و المساكين و يساعد العجائز على عبور الشارع بصدق..كل هذا لا يهم الجماعة في شيء.. ولكي لا تكون منتميا إلى الفئة الثانية وجب مراقبتك مند الصغر والحجر عليك. وهكذا لابأس من بعض القسوة معك وانت صغير ولا بأس من أن تحرم من مناقشة مواضيع كالجنس مثلا لأنهم يعلمونك أنه رمز لكل الشرور وماداموا قد أقفلوا في وجهك هذا الباب حيث لايسمح لك بالظهور حتى مع زميلتك في الدراسة ( لأن ذلك حشومة فما اجتمع إثنان إلا الجنس هدفهما) ماداموا قد وضعوا كل هذه المتاريس على غرفة الجنس المجهولة فهم يدفعونك بالتالي إلى تكسير هذا الباب ومعرفة مابداخله. قل ياعزيزي القارئ. لو منحتك شقة للإقامة فيها ومنحتك مفاتيح جميع الأبواب إلا بابا واحدا طلبت منك ألا تقترب منه أو تفتحه. من الأكيد أنك، مباشرة ، بعد انصرافي ستتوجه رأسا إلى هذه الغرفة بالذات قبل غيرها لاستطلاع السر الذي أخفيته عنك، عملا بالقاعدة " كل ممنوع مرغوب(فيه)" وهذا ما يحصل بالضبط مع "طابو الجنس"، اذ من كثرة الغموض الذي يلف خلاياه، يسعى الفتى لاكتشافه بأية وسيلة (قد يقصد العاهرات مثلا). أن كل هذه المفاتيح المغلقة تعطي إحساسا للفرد يكبر معه أن الجنس كائن هلامي. وليت الفتى يمنع من الكلام في الجنس فقط. بل يسري الأمر إلى سياسة ( ثقافة الاعتقال السياسي) والدين "مخافة التكفير" ليبقى الفتى عائشا وسط بحر من الألغاز، من الجن والعفاريت والقوى الغيبة مرورا بطابوهات الجنس والدين والسياسة، وفي غياب تعليم ناجح يقدم إجابات لهذا الفتى أو يساعده في الحصول عليها ( القراءة الذاتية) فإن هذا العقل الذي يحاط بالخرافة والحشومة والعيب يحجر عليه ويغلف بمشكلة القداسة ( قداسة كل شيء) فلا يقدر أبدا على التفكير بشكل حر وبالتالي الإبداع، ناهيك عن كل العقد النفسية التي تخلقها لنا هذه التربية المتزمتة ، التي تحرم كل شيء،؟ ولعل أكبر دليل على ذلك هي تلك النسبة المهولة للضعف الجنسي بين صفوف الرجال في العالم العربي رغم إصرارنا الغبي على انكار حقائق كهذه لانها تمس الفحولة العربية العظيمة التي لاتقهر ولا تموت لطالما بقي أنانا الأعلى يعاني انتفاخا وهميا. كيف يمكن لأفراد أمة يحاطون بكل هذا الكبت والحجر والحشومة أن يتطوروا ويبدعوا؟كيف؟.