صدمة أصيبت بها العائلة التربوية والأكاديمية من الصورة الكاريكاتورية التي ظهر بها المجلس المسمى دستوريا "المجلس الأعلى للتربية والتكوين". وسبب الصدمة هو الاعتقاد الذي ساد لردح من الزمن عن إمكانية الانتقال من سياسة التحكم في قرارات الشعب وتمثيلها في مجالس نص عليها الدستور الذي تم الإجماع عليه بالرغم من هناته الواضحة في مسار التنزيل. وقوة الصدمة آتية من ظهور العديد من الأسماء الملفوظة شعبيا وأكاديميا داخل مجلس من المفترض أن يؤسس لسياسة تشاركية مستقبلية حول التعليم. لكن مسار الأحداث منذ الخطاب الملكي حول التعليم والتعديل الحكومي الأخير الذي أنزل رشيد بلمختار بالمظلة الفرنسية داخل حكومة يفترض أنها منتخبة والأحداث تتوالى لتؤكد نكوصا وانتكاسة في مشروع الإصلاح بل وعودة إلى منطق التحكم الإداري في قضايا الأمة ومستقبل الوطن. نقلت بعض المصادر الصحفية عن بداية المواجهة داخل ردهات المجلس، ومع علمنا بوجود العديد من الفضلاء في قائمة المعينين داخل المؤسسة إلا أن اللائحة النهائية أثبتت جملة من الحقائق المتلازمة: 1 الرفض الذي قوبلت به دعوة التلهيج والإصرار على فرض صاحبها، الذي شرع في التخطيط للتعديل الدستوري القادم، داخل المجلس يعني أمران اثنان: أولهما أن الدعوة ليست قرار شخصيا بل هي فكرة سادة القرار لدينا مررت عبره، وثانيهما الانفصال الحاد بين المجتمع ومدبري الشأن العام. فالمجتمع بنخبه الحية والوطنية والفكرية ناهض المشروع لدرجة قرار صاحبه الصمت والابتعاد عن الأضواء، لكن إقحامه يعني أن كل هذه الأصوات لا تساوي شيئا في عقلية التحكم التي تقاد بها اختيارات الدولة. 2 مقارنة بسيطة بين مختلف المجالس العليا للتعليم عبر تاريخ الإصلاحات التي شرع فيها منذ أول مجلس معين 1959 يبرز وبدون مواربة أنه من أسوأ التشكيلات التي يمكنها مراجعة نظم التعليم والتربية في المغرب. ففي وطن يقود الآن الثقافة العربية في مختلف الميادين الفكرية والفلسفية والتربوية واللسانية نجد مجلسا يملأه أصحاب "العلك" ويغيب عنه الخبراء والأساتذة والعلماء الذي ينظرون للثقافة العربية ويستفيد منهم أهل الخارج. فأي نوع من المدارس سنستشرف؟ 3 يبدو أن المقصود من التشكيلة هو إضعاف موقع اللغة العربية فبدأت تتحقق نبوءة من كان يتحدث عن بداية العودة عن التعريب وتحجيم دور لغة الضاد وعودة الفرنسة إحياء لمشروع بنهيمة . ولذا فمنذ عودة بلمختار ومسار إلحاق المدرسة المغربية بوزارة التعليم الفرنسي مستمرة، بحثا عن العودة إلى زمن المدارس المتعددة التي عاشها المغاربة أيام الاستعمار وقاوموها بكل الأشكال. صحيح أن المجلس يضم نخبة من فضلاء الأمة المؤمنين بقضية اللغة العربية لكن تمثيليتهم لمؤسسات أخرى تحجم دورهم في مناهضة مشروع التلهيج والفرنسة. والآن ما الذي يمكن أن ننتظر من هذا المسمى مجلسا أعلى للتربية والتكوين؟ لا نعتقد أن النكسات التي تتوالى على التعليم المغربي يمكن أن تحلها وصفات مؤسسة خلقت أصلا ليس لمعالجة الاختلالات البنيوية التي تعاني منها المدرسة المغربية، وحتى لو أفسدنا فرحة بعض المتفائلين بهذه المؤسسة نؤكد أنها لن تقدم شيئا للتعليم الوطني، بل هي لم توجد اصلا بصورتها المشوهة لتصلح بل لتنفذ وتؤمن على ما خطط في كواليس القرار والتي بدأت بتحميل الحكومة أزمة التعليم وستنتهي بفتح الفضاء كاملا للسيد الفرنسي يتاجر بعقول أبنائنا. لذا لن ينفع وجود خبراء واساتذة لهم صيت عالمي وعربي بل يفضل وجود "تجار" يقومون العلم والمعرفة بمنطق السلعة. لقد أخطأ سادة القرار اللحظة التاريخية التي أتاحها لهم الوضع الدستوري الجديد والانتقال السلس نحو الإصلاح الجدي، بل أخطأوا حين فرضوا المرفوضين اجتماعيا وفكريا والبعيدين عن هموم التعليم على المجتمع الذي لن يقف مكتوف الأيدي حين يمس وجوده.