بشارع محمد الخامس بوسط الدارالبيضاء، وبصورة متجددة، يكتشف البيضاويون من حين لآخر بعض سمات الطراز المعماري المميز لمدينتهم، خاصة عندما يأبهون بأبصارهم واجهات البنايات والمساكن المهيئة بشكل معماري بديع. ففي غمرة الحياة الصاخبة للمدينة، وفي لجة الاكتظاظ واختناقات الشوارع وبعض طرق السير، قلما يلتفت المرء إلى بعض المظاهر الجمالية في المدينة، التي تعكسها زخارف وتزيينات مكونة من منحوتات تصور على سبيل المثال سلة فواكه، أو رأس أسد على أفاريز من الزليج أو الجبص، أو شرفات مصنوعة من خشب الأرز. وفي هذه الأجواء المتميزة بوتيرة سريعة للحياة، يتجاهل كثير من البيضاويين مظاهر معمارية جمالية من هذا القبيل تزخر بها المدينة، بالرغم من أن كثيرا من المعالم العمرانية الجميلة لم تعد حاضرة إلا في ذاكرة أجيال السبعينيات والثمانينيات بعد اختفائها مع تطور العمران كقاعتي سينما "فوكس" و"النصر"، اللتين تم إزالتهما في الثمانينيات من القرن الماضي، والمسرح البلدي، وفندق أنفا، فضلا عن بنايات أخرى حصدتها الجرافات أو استحالت إلى ركام أو أطلال بسبب عدم الصيانة أو الاستصلاح. وسواء تعلق الأمر بساكنة المدينة القديمة أو الأحياء الأخرى، أو حتى بالزوار من خارج المدينة، ألف كثير منهم مشاهدة البنايات والأماكن المعتادة في الطريق أو الفضاءات العمومية دون استكشاف ما تزخر به كثير من الزوايا والواجهات وأعالي البنايات من تزيينات تجمع بين الطراز التقليدي والحديث، ويكفي المرء للوقوف على ذلك الترجل حول شارع محمد الخامس وساحة الأممالمتحدة لاكتشاف رؤية جديدة لهذا الجزء من المدينة. ولا شك أن "ترامواي الدارالبيضاء" يعود إليه الفضل في تغيير كثير من مظاهر المدينة، فضلا عن أن عبوره لأهم فضاءاتها سمح باكتشاف ما تحتوي عليه من مظاهر فنية معمارية ذات ذوق رفيع، كما هو الحال في ساحة الأمم التي تم تهيئتها بشكل عصري لقربها من واحدة من أكبر محطات الترامواي الرئيسية. وحسب رشيد الأندلسي رئيس جمعية "ذاكرة البيضاء"، التي تعنى بالحفاظ على التراث المعماري للمدينة، فإن إحداث ترامواي الدارالبيضاء ساهم في تأهيل كثير من واجهاتها وطرقها وجعلها أكثر إضاءة ومشاهدة. وأضاف أن كثيرا من البنايات العمرانية بالدارالبيضاء كانت في وقت من الأوقات بمثابة مختبر للإبتكارات المعمارية في مواد البناء وطرق التزيين والديكور، بحيث عكست انصهار التأثيرات المغاربية والأروبية والأمريكية في هذا المجال. وبقدر ما استفادت المدينة من خبرة الصناع التقليديين في الحرف المتعلقة بالزليج، والخشب، والجبص، حظيت أيضا بالتكنولوجيات المبتكرة آنذاك في مجال البناء، وخاصة ما يتعلق منها باستعمال الاسمنت المسلح، وذلك انسجام ملموس بين حاضر المدينة وماضيها. لقد تم إعادة اكتشاف هذا الإرث المعماري للمدينة بفضل المدافعين عن هذا الإرث ودور جمعية "ذاكرة البيضاء"، التي تقوم بتنظيم زيارات إرشادية لبعض لأماكن التي قلما يلج إليها السكان كالبنايات الإدارية والدينية (كنيسة نوتر دام دو لورد)، وبنك المغرب، وقنصلية إيطاليا، وبعض المساكن القديمة. وتقوم جهود المحافظة على إرث الدارالبيضاء المعماري على الجهود المتظافرة والتعاون بين المجتمع المدني والمؤسسات، مما سمح منذ نونبر 2013 بترشيح المدينة لتسجيلها في لائحة التراث العالمي لليونيسكو. وتبدو هذه الخطوة اعترافا بالقيمة العالمية للعاصمة الاقتصادية، وما تمثله من فضاء معماري حضري متميز، بعد أن كانت في 1950 تضم أول ناطحة سحاب إفريقية (الحرية) (17 طابقا و78 مترا طولا)، لتحظى في 1993 بأعلى منارة جامع في العالم، وهي صومعة مسجد الحسن الثاني. *و.م.ع