أثير نقاش كبير حول إحالة مشروع قانون الأبناك التشاركية من طرف السيد رئيس مجلس المستشارين، بقرار من مكتبه على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ورغم هذا الهجوم الإعلامي الغارق في سياسوية تتضارب والخلفية الدستورية التي أنشئت من أجلها هذه المؤسسات، فإن قرار السيد رئيس مجلس المستشارين يطرح سؤال حول طبيعة العلاقة بين البرلمان بغرفتيه وبعض مؤسسات الحكامة، وغيرها من المؤسسات ممن لها الصفة الاستشارية، سواء للحكومة أو للبرلمان وحتى للقضاء، لما فيه من مساهمة إيجابية في بلورة عمل المؤسسات الدستورية والذي يضفي عليها نوعا من الجدية والجودة عند التعاون فيما بينها. لقد عدد الدستور في فصوله مجموعة من المؤسسات خاصة الباب 12 في فصوله من 161 إلى 170، وكذلك الفصول 113 ، 147، 148، وكذلك الفصل 151 وكلها مؤسسات تختلف في طبيعتها، كما تختلف في علاقتها بالبرلمان، كالمجلس الأعلى للحسابات في الفصل 148 والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الفصل 152 وكذلك المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الفصل ،113 بينما تنص القوانين الداخلية لعدد من هذه المؤسسات على طبيعة هذه العلاقة، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المادة 16 من الظهير الشريف رقم 19/11/1 المؤرخ في فاتح مارس 2011 بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي ينص على أن المجلس يقدم المساعدة والمشورة للبرلمان، بشأن ملائمة مشاريع ومقترحات القوانين مع المعاهدة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بينما في مشروع قانون رقم 113-12 بشأن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، _والتي لم يتم بعد البث فيها من طرف مجلسي البرلمان _ نجد أن المادة الثالثة من الباب الثاني في فقرته 7 تنص على أن لهذه الهيئة الحق في إبداء الرأي بطلب من أحد مجلسي البرلمان. وهكذا يتضح أن هناك مسطرتين للإحالة، أولها : أن مضمون طبيعة العلاقة ومجالها منصوص عليها دستوريا وهذه الحالة تهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وثانيها: أن هناك مؤسسات نظامها الأساسي هو الذي ينص على هذه الإحالة كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين. وإذا كان الدستور قد نص على إمكانية الإحالة، فإن ذلك يستهدف منح الصفة الدستورية لطبيعة العلاقة بين مؤسستين دستوريتين، مؤكدا على دورها الاستشاري ليتلافى المشرع الدستوري تحويل هذه المؤسسات إلى غرفة ثالثة، وإنما كهيئات تسعى إلى تقديم المشورة الموضوعية البعيدة عن المزايدات السياسية والحسابات الضيقة من أجل تشريع يرتقي إلى مستوى الصالح العام. وفي موضوعنا هذا سأقتصر على التطرق إلى علاقة البرلمان بمؤسستي المجلس الاقتصادي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات لما يعرفان في الأيام الأخيرة من اهتمام سياسي على مستوى الممارسة وسنؤجل الحديث عن المؤسسات الأخرى إلى مقال آخر. أولا:المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. إن علاقة البرلمان بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تطرق لها الفصل 152 من الدستور، الذي نص على إمكانية استشارة مجلس النواب للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما أن المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 60-09 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد نصت على أنه لمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق استشارة المجلس في جميع اختصاصاته، بينما ينص النظام الداخلي لمجلس المستشارين في المادة 280 على نفس المقتضى، شأنه شأن النظام الداخلي لمجلس النواب الذي نص في مواده من 226 إلى 232 على نفس المسطرة، بل أنه في المادة 230 من النظام الداخلي لمجلس النواب استناد على المادة 24 من القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يمنح الامكانية لرئيس مجلس النواب في أن يطلب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عقد اجتماعا استثنائيا للجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،قصد دراسة موضوع معين يعرف حالة الاستعجال وقد أجازت هذا المقتضى المحكمة الدستورية في رقابتها الاجبارية للقانون الداخلي لمجلس النواب كما نصت نفس المادة استنادا على المادة 27 من القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على أنه يمكن لأعضاء اللجن الدائمة لمجلس النواب الحضور في جلسات الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كملاحظين ويمكن الاستماع اليهم والاستماع إليهم بعد اخبار رئيس المجلس اي مجلس النواب كما يمكن لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ان ينتدب عضو من مجلسه لحضور اجتماع لجنة بمجلس النواب قصد تقديم الراي الاستشاري للمجلس . وعند إجازة المحكمة الدستورية في رقابتها لهذه النصوص أشارت إلى ملاحظة يهم اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيما يهم التكوين بتوجيه طلب الاستشارات مباشرة بعد تنصيب المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى هدا الأخير، خلافا لما كان سابقا حين كان من اختصاص المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكذا طلب استشارة حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بالسياسات والبرامج العمومية في مجال التربية والتكوين والتعليم والبحث العلمي فور تنصيب المجلس الأعلى للتربية والتكوين، كما نصت المادة 228 من النظام الداخلي بأن الآراء التي يقدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تنشر بالجريدة الرسمية وفقا للمادة 36 من نظامه الأساسي. والحقيقة أن العلاقة بين هذه المؤسسات والبرلمان تدخل فيها المجلس الدستوري محاولا ضبطها لضمان استقلالية هذه المؤسسات سواء عن المؤسسة التشريعية أو على السلطة التنفيذية، بل أكد في قراره رقم 13/924 على أن تقوية مؤسسات الدولة الحديثة كغاية دستورية تستدعي أن تتمتع المؤسسات والهيئات باستقلال يسمح لها بالنهوض بصلاحيتها، ومنح للمشرع تحديد مدى وشروط هذه الاستقلالية، ثم أكد أنها تخضع للمراقبة القضائية والمالية المطبقة على سائر أجهزة الدولة، واعتبر المجلس الدستوري أن عدم الإشارة في الدستور إلى إمكانية طلب الرأي الاستشاري من هذه المؤسسات، فإن ذلك لا يحول دون القيام بذلك لاستهداف المصلحة والتشاور والتعاون بين المؤسسات، واعتبر القضاء الدستوري أن هذه المؤسسات لا تعتبر إدارة ولا مؤسسات ولا مقاولات عمومية، وبالتالي لا تخضع للسلطة الرئاسية لسلطة الوزير، ومن ثم لا تنطبق عليها مقتضيات الفصل 102 من الدستور الذي يسمح للجان البرلمانية الدائمة باستدعاء مسئولي الإدارات والمؤسسات والمقاومات العمومية بحضور الوزراء المعنيين، أي عند ممارسة البرلمان لاختصاصه الرقابي وبالتالي خلص المجلس الدستوري إلى ما يلي : أولا: إن إحالة القوانين والاتفاقيات الدولية على هذه الهيئات هو إجراء دستوري مع الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الفصل 55 من الدستور. ثانيا : أنه لا يمكن قبول استدعاء رؤساء هذه المؤسسات أمام اللجنة كما تم التنصيص عليه في النظام الداخلي، لأن النص في صياغته يتسم بالعمومية، حتى لا يتم التوسع في التفسير فيدخل استدعائها في مجال الرقابة، والحقيقة أن المجلس الدستوري يريد أن يفرق بشكل مطلق بين حالتين قانونيتين هما (أ) المثول أمام اللجنة (ب) الحضور أمام اللجنة. أ- فمفهوم ودلالة المثول يرتبط باختصاص الرقابة التي يملكها البرلمان، وهذه المؤسسات غير خاضعة لرقابة البرلمان، ما دامت ليست سلطة ولاتدبر شأنا عاما مما لا يمنح في المقابل للبرلمان إمكانية ممارسة سلطة المسائلة والمراقية اتجاه هذه المؤسسات. ب- بينما الحضور فله دلالة إعطاء الرأي الاستشاري وبشكل مستقل في موضوع يدخل ضمن اختصاص الهيئة ويعتبر مصدرا مساعدا لعمل البرلمان عند دراسته لمشروع قانون أو لاقتراح قانون و غير ذلك من المهام البرلمانية الأخرى. وعليه فإن العلاقة بين البرلمان وهاته المؤسسات هي علاقات تعاون وتقديم الرأي والمشورة في استقلالية تامة. إن هذا الحجم الكبير من النقاش القانوني الذي أثارته العلاقة بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والبرلمان، على إثر إحالة قانون الأبناك التشاركية عليه، علما أن هذا التصرف من صميم حق السلطة التشريعية في ممارسة ما خولها الدستور وأن أي ملاحظة قي هذا المجال، هو مساس باستقلالية قرار السلطة التشريعية وخرق للدستور من طرف من سولت له نفسه من السلطة التنفيذية التعقيب عليه، خاصة وأننا أمام قانون هام من حجم قانون البنوك التشاركية، علما أن التشريع في المجال البنكي له انعكاس على المجالات المالية والمؤسساتية وحتى الفكرية في بلدنا، لكون هذا الموضوع يهم ثروتنا الوطنية، وهي البنوك الوطنية سواء العامة أو الخاصة لما توظفه من حجم مالي وبشري هام وكذلك لمساهمتها في الاقتصاد الوطني وقد قضى المغرب أكثر من 60 سنة في إنشاء هذه المؤسسات بعدما ساهمت كل من الدولة والقطاع الخاص في بنائها، وحماية الثروة الوطنية مسؤولية سياسية ليس للحكومة فقط ولكن للجهاز التشريعي أيضا. وبالإضافة إلى ذلك فإن البنوك التشاركية ستقدم منتوجات جديدة، ستكون لها انعكاساتها الاقتصادية وحتى الاجتماعية، خاصة وأن الرأي العام يصفها بالمنتوجات الإسلامية،وما لهذا الوصف من دلالات على مستوى حماية شروط المنافسة، ثم أن هذا المجال البنكي سيكون مجالا مفتوحا للاستثمار الخارجي، فكيف سيتم ضبط الإدخار الوطني حتى لا يكون التحايل في استعماله مقابل عدم استيراد رأسمال للبنوك المزمع إنشائها، فتقتصر في جني الأرباح بقيامها على الاقتصار في تدوير الغلاف المالي الوطني المتشكل من الادخار دون جلب رأسمال استثماري من العملة الصعبة من طرف المستثمرين، بالإضافة إلى ذلك كيف سنوفر مجالا قانونيا صحيا لهذه البنوك المنتظر ولوجها المجال المالي الوطني خاصة في علاقتها مع الإدارة وبالأبناك المتواجدة أصلا في السوق المالي الوطني؟، لذلك فخطورة هذا القانون يجعل إحالته على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من طرف مجلس المستشارين هو تصرف قانوني ومشروع دستوريا ويدخل في مجال التشريع الذي هو مجال محتكر على السلطة التشريعية في المجالات المقررة دستوريا، و مشروعيته يجدها أيضا في طبيعة الموضوع وتأثيره على الاقتصاد الوطني، ويبدو أن للمتسرعين رغبة في إهانة مجلس المستشارين بتحويله إلى غرفة للتسجيل، بالتوقيع على البياض لعمل الحكومة في مجالات شديدة الحساسية والتأثير على اقتصادنا الوطني، خاصة وأن هذه الإحالة سينتج عنها رأي استشاري يساعد السادة المستشارين في تجويد النص وتطويره وخدمة المصلحة العامة، من خلال إشراك مؤسسة دستورية في بناء الترسانة القانونية الوطنية، إعمالا للمبدأ الدستوري الذي ينص على الديمقراطية التشاركية مؤسساتيا، فالحكومة التي استهلكت الكثير من الوقت من أجل صياغة هذا المشروع القانوني ليس من حقها أن تحرم المجلس الاستشاري من حقه في توظيف الزمن التشريعي المستحق لقيمة المشروع. إن الخلاف السياسي لا يعني منح لأطرف العملية السياسية حق انتقاد من له الحق في ممارسة حق دستوري عند القيام به، ورجالات الدولة هم من يقومون بإعمال الدستور بكل حيثياته، وبما أن المشرع الدستوري لم يربط إعمال نص الاحالة بشروط معينة أو بآجالات محددة، فيبقى الحق المطلق في ممارسته بالشكل والزمن الذي يرتئيه صاحب الحق، أما القول أن هذا التأخير سيكون له انعكاس على وضعنا الاقتصادي هو قول مردود، لكون الأغلبية روجت كلاما كثيرا حول هذا المشروع وأخرته ثلاث، سنوات فليس بعض الأيام هو الذي سيقلب الموازين ولأننا نشعر بوجود أزمة نضحي بما يجمعنا جميعا وهو الدستور . ثانيا: المجلس الأعلى للحسابات. أما الموضوع الثاني فهو المجلس الأعلى للحسابات الذي ينص عليه الدستور في فصله 147 وفي الفصل 148 الذي يؤكد على أن له الحق في الإجابة على الأسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلق بالمالية العامة، والحقيقة أن اختصاص هذا المجلس فيما يخص الافتحاص من خلال مراقبة الإنفاق العمومي بشكله التفصيلي، الذي يستهدف المؤسسات الإدارية للدولة، فإن هذا الاختصاص منع بقرار ضمني من طرف القضاء الدستوري على البرلمان، إذ يمكن الاستفادة من قرار صادر عن المجلس الدستوري في موضوع اختصاصات لجنة مراقبة الانفاق العمومي المنصوص على اختصاصتها في النظام الداخلي لمجلس النواب أن المراقبة العامة للبرلمان تتم على أساس مراقبة الحكومة بشكل عام، ومسائلتها عبر اللجان حول الإدارة والتسيير لبعض المؤسسات، وحتى للإنفاق، أي أن للبرلمان حق مراقبة الإنفاق وليس له حق الافتحاص. ففي تعقيب للمجلس الدستوري على مقتضيات المواد من 218 إلى 221 من النظام الداخلي لمجلس النواب، نجد أنه نص على أنه باستثناء ما للجنة تقصي الحقائق من مهام في مراقبة المالية العامة، فإن مراقبة البرلمان للمالية العامة يتعين أن يتم من خلال مراقبة عمل الحكومة. وبناء عليه فإن هذه المراقبة لا تمتد إلى مراقبة القطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية مباشرة، لما في ذلك من إخلال بالفصل 89 من الدستور، الذي ينص على أن الإدارة موضوعة تحت تصرف الحكومة، التي تمارس أيضا الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، والتي لها الحق وحدها كسلطة عليا افتحاص الادارات التابعة لها مباشرة من طرف رئيس الحكومة او الوزير المفوض له القطاع تم للمجلس الاعلى للحسابات كمؤسسة مستقلة أناط لها المشرع الدستوري القيام بذلك الدور ، لما لذلك كله من دلالة لمفهوم فصل السلط، وأضاف المجلس الدستوري بأن تدقيق الإنفاق العمومي بما يتضمنه من التحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة العمومية، يندرج في صلاحية المجلس الأعلى للحسابات طبقا لأحكام الفصل 147 من الدستور ولا سيما في فقرته الثالثة. وهكذا يتبين أن مجال البرلمان ليس هو التدقيق، بل هو المراقبة، أما التدقيق فهو شأن يخضع بشكل محتكر للمجلس الأعلى للحسابات لاختصاصاته الدستورية او للجهاز الحكومي بحكم ممارسة مسؤوليته المرتبطة بالمحاسبة، ويبقى السؤال، هل من حق السلطة التشريعية في إطار ممارستها لسلطة الرقابة أن تحيل مؤسسات إدارية معينة قصد افتحاصها من المجلس الأعلى للحسابات بناء على طلب أحد مجلسي البرلمان؟. الحقيقة أن المشرع الدستوري منعنا من مجال التدقيق، وقد أتفهم أن أحد النواب أو حتى أحد الأحزاب السياسية، يتقدم بشكاية بصفته وبشكل مباشر حول حالة معينة أو حتى وشاية إلى المجلس الأعلى للحسابات، ولكن أن يقوم المجلس كمؤسسة دستورية بهدا التصرف والذي سيتحول إلى إجراء دستوري يقوم به أحد مجلسي البرلمان في علاقته مع المجلس الأعلى للحسابات بناء على مسطرة الإحالة، فهو تصرف غير مشروع، علما أن الفصل 148 لا ينص على الإحالة للافتحاص، بل تختزل الإحالة المنصوص عليها في الفصل 148 بالاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلق بالمالية العامة، ويقصد بالمالية العامة المالية التي ينص عليها القانون المالي، سواء على مستوى القطاعات، أو على مستوى الحكومة ككل، ولا يمكن أن تكون على مستوى الإدارات بهدف التدقيق، فغياب الإشارة إلى الافتحاص يجعل أن أية إحالة على المجلس الأعلى للحسابات من أحد مجلسي البرلمان للافتحاص كمؤسسة دستورية، مخالف لطبيعة العلاقة بين المؤسستين كما نص عليها الدستور، لكون الافتحاص والتدقيق ليس ضمن اختصاص البرلمان في مواجهة الحكومة، ولا يمكن التحايل من أجل الوصول إلى هذا الهدف، إلا إذا سلكنا مسطرة التحقيق من خلال لجنة تقصي الحقائق، و هنا يمكن الافتحاص لإثبات تجاوزات أخلت بالاحترام الواجب للقانون وللضوابط القضائية. إن سلوك مسطرة الإحالة على المجلس الأعلى للحسابات من طرف مؤسسة دستورية للقيام بمهام لا ينص عليها الدستور، يخل باستقلال السلطة التنفيذية في إدارة ومراقبة مؤسستها الداخلية، كما يخل باستقلالية المجلس الأعلى للحسابات الذي لايجب أن يكون خاضعا للسلطة التشريعية في مهمة الافتحاص، لكونه سيتحول إلى قنطرة لخرق مبدأ فصل السلط، علما أن إحالة طلب الافتحاص ليس هو تقديم طلب رأي استشاري وما هو بطلب جواب على الأسئلة، وإنما هو طلب قيام بمهمة وهذا تكليف، والدستور يحافظ على استقلالية هذه المؤسسات، مما يتناقض ومسألة التكليف، كما يحافظ الدستور على استقلالية السلط في إدارة مؤسساتها ومراقبتها لإعطاء مفهوم عمودي للاستقلالية واعتقد إن هدا مكسب دستوري. ان العلاقة بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية بتقاطعها مع مؤسسات الحكامة، يجب أن تتسم أولا بالاحترام السياسي والفهم العميق للدستور، حتى نعطي للدستور مفهومه الديمقراطي ونقوي مؤسساتنا وكدلك نمنح لمفهوم الديمقراطية التشاركية دلالتها السياسية، بعيدا على الحسابات الضيقة والمغانم السياسية وتصفية الحسابات البئيسة. *محامي ونائب رئيس مجلس النواب