"" قبل أن يصبح قرار مشاركة حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي في الإنتخابات التشريعية ل 2007 أمرا واقعا و "محسوما" ، تجند خطباء و أقلام محسوبة على الحزب في التباري عن إعلان المزايا السياسية و الإعلامية لهكذا قرار، و كيف سينعكس إيجابيا على ترميم التنظيم الحزبي و فك طوق العزلة عنه و ضخ نفس جديد في هياكله. و المتتبعون لمسار هذا الحزب و كيفية تنامي هذا الخطاب و لحظات امتداده و جزره و الآليات و السبل التي توسلها في فرض نفسه و التي دونها الميكيافيلية ، تجعل من العسير، إن لم نقل من المستحيل، هضم هذه الإنعطافة في المسار السياسي للحزب في ظل قيادته الحالية، إلا كاستنبات لخط سياسي طارئ تهدر فيه الشعارات و المواقف الأصيلة المستمدة من مبادئ الحزب النضالية، و ما يعني أيضا الإستقالة التدريجية من النضال الجماهيري- هذا ما يفسر لنا في جانب منه جمود المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف رغم اعتقال و الحكم بالسجن على قياديين بارزين فيه، مضافا إليه الإنكماش داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ...- و لا يشفع لأي معترض هنا أن يسوق لنا نشاط و أداء هذا الموقع أو ذاك من التنظيمات الإقليمية للحزب، إذ الإستثناء لا ينفي قاعدة افتقاد خطة لإدارة النضال الجماهيري، بل يؤكد انزواء قيادة الحزب لاعتماد المؤسسات المخزنية الواجهة الوحيدة للنضال كما يتبدى على أرض الواقع. و بدون الدخول في سرد كرونولوجي لمراحل تشكل هذا التوجه و استقطاباته داخل الحزب، و هو ما نرجئه لمقال لاحق، نكتفي بالقول أنه يمكن تلمس إرهاصاته منذ الندوة التنظيمية الوطنية بأكادير 30 مارس 1996 و إن كان محتجبا و خافتا ككاتم الصوت، ليغدو سافر الخط و عالي النبرة منذ 1998 مع النشرات الداخلية الممنهجة و الندوات التي اشرف عليها رموزه . ليطبق سيطرته على أدبيات و أجهزة الحزب المركزية مع المؤتمر الوطني السادس أبريل 2007 الذي يعكس بيانه العام شكله و محتواه التراجعي، و بالتالي يرهن الحزب بأفق و سقف انتخابي. لكن المفارقة العجيية هي في الذرائع التي ساقها هذا التوجه لتلطيف قرار مشاركته في الإنتخابات و التي تبدأ بفضح و محاربة المفسدين و التصدي لقوى الظلام لتصل – و الكلام لأحمد بن جلون- » للمساهمة في تخليق الحياة السياسية و تحسيس المواطنين بخطورة الفساد الذي يهدد البلاد « ) المساء 09/09/2007( ... و هنا نسائل ما هو الشق من هذه الروزنامة الذي استطاع هذا التوجه تحقيقه ولو في حدوده الجزئية ؟ الجواب لن ننتظره،لأن حزبا معطوبا و مشلولا بقيادة استنفذت نفسها بعد أن راكمت من الأخطاء القاتلة و فاقمت من المشاكل التنظيمية و دخلت سن اليأس السياسي، هي من العجز أن تقود الحزب ليحقق مشاركة مشرفة كما أنها بالتأكيد أعجز عن إنجاز مقاطعة فاعلة في حال قرر هذه أو تلك. و على ضوء هذه الفضيحة التي جناها هذا التوجه و إفلاس نهجه السياسي الذي أوصل الحزب إلى هذا المأزق، و إذا وضعنا المقاربة الرقمية للنتائج التي حصدها جانبا، أمكننا حصر أثر هزيمته المضاعفة في بعدين : الأول، تلويحه بتحويل مشاركته في الانتخابات إلى » واجهة من واجهات النضال « ، لنتساءل ما هي القيمة المضافة التي قدمتها مشاركته لحركة النضال بعامة؟ هل ساهمت في رفع الوعي السياسي للجماهير؟ هل أحرجت نظام الحكم أم خدمته في تسويق و تكريس ديمقراطية الواجهة؟ هل استفاد الحزب على المستوى الذاتي في تصليب تنظيمه و اكتساب متعاطفين جدد أم ازدادت عثراته و تبددت مصداقيته؟... الوجه الثاني، هو في عبثية الشعار الذي وظف في الحملة الإنتخابية : » الديمقراطية من الشعب و إلى الشعب « و افتقاد الانسجام معه بعد أن أفرغ من مضمونه كما رفع في المؤتمر الوطني الرابع دجنبر 1993، عطفا على البيان السياسي العام للمؤتمر الوطني الثالث 1978 الذي اعتبر المسلسل الانتخابي بأنه » الديمقراطية المزيفة في أبشع صورها و أقبح مظاهرها « و حكم عليه و على نتائجه بالإخفاق المبين. هنا، مرة أخرى، نطرح السؤال من جديد إذا كان الشعب المغربي في غالبيته المطلقة قاطع تلقائيا هذه الإنتخابات فعن أي شعب هذا الذي تمت المشاركة من أجله؟ بل أي من الممارستين السياسيتين الأكثر انسجاما و وفاء لجوهر و مقاصد " شعار الديمقراطية من الشعب و إلى الشعب " : موقف مقاطعة مهزلة النظام المستبد الذي وحده يجني و يستثمر سياسيا المشاركة فيها، أم موقف المشاركة لذاتها، إن أحسنا الظن، كما هي حاصلة الآن؟. إن مشاركة حزب الطليعة في انتخابات 2007 و سقوط المبررات التي اعتمدتها قيادته في هذه الهرولة قد أوقعت الحزب في مأزق يصعب الخروج منه، إلا بتقديمها لنقد ذاتي و مراجعة نهجها التنظيمي و السياسي و الأيديولوجي الذي يتناقض إطلاقا مع المنهج الإشتراكي العلمي و يتعارض مع التراث الكفاحي لهذا الحزب، و إلى ذلك الحين لا يسعنا إلا أن نردد مع الشاعر : و أرى عمر الآن يمزق تلك الخارطة الوهم و يبكي من غضب أعلام، أم خرق من عار خنتم كلمات المهدي و دنستم نسبي