مع أبي حيان التوحيدي في الإشارات الإلهية (2) الصوم مرتبط في أذهان الصائمين بالالتزام بآداب الصوم وما يفرضه هذا الأدب من التقيد لدى الصائم بمجموعة من الضوابط والأوصاف وبمقتضى هذا الالتزام فإن دعوة الصائم قريبة من القبول، حيث ليس بينها وبين الله حجاب، ولأن رائحة فم الصائم لها طابع خاص من بين المشموت، وذلك لأن الصائم لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله، والدعاء هو رأس الذكر إذ هو مخ العبادة ولأمر ما جاء في كتاب الله بعد الحديث عن الصوم وأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن تذكير بالدعاء بشكل واضح عندما قال سبحانه «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا بي وليومنوا بي لعلهم يرشدون. وتيمنا بهذه الآية الكريمة أكثرنا فيما اقتبستاه من إشارات أبي حيان على الدعاء، والأمة الإسلامية اليوم وهي تواجه ما لا يكاد يوصف من الأزمات والشدائد في أيامها هذه، ويعاني المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من جراء ما يجرىي أحوالا قاسية وصعبة، مضافة إلى الأحوال القاسية نظرا لكثرة الحاجيات وضيق ذات اليد، وتراكم الأمراض وانعدام الرعاية الصحية وشدة الحاجة إلى العمل وانسداد أفق الحصول عليه وغير ذلك من الهموم اليومية التي تتبدى كذلك في غلاء الأسعار، وكثرة الساعين إلى الثراء على حساب الضعفاء والمحتاجين. وإذا كانت ألسنتنا لا تسعفنا وخيالنا دون المطلوب ورجاؤنا فوق قدرتنا على التعبير عنه فإننا نستعير كل ذلك من هذا الإنسان الذي لجأ إلى الدعاء سلاحا في مواجهة قسوة الحياة، وشرود النفس عن الطاعة، فنحن نقول بلسانه تعبيرا عن حالنا ما لا قدرة لنا على صوغه في أدق عبارة وانصع أسلوب، مع رجاء القبول والاستجابة. ********* أدوات التميز أبو حيان التوحيدي هو الذي ارتأينا أن نصاحبه في هذه الأحاديث خلال شهر رمضان المبارك وذلك عودة إلى ما كنا بدأناه في عام 2005، وأبو حيان التوحيدي كما سبقت الإشارة إلى بعض ملامح حياته في الحديث السابق شخصية متميزة في تاريخ الفكر الإسلامي، لأنه يملك كل أدوات التميز، وهو بهذه الأدوات التي كانت لديه أصبح عرضة لسهام النقد والناقدين، وكذلك مرمى الحاسدين والحانقين الذين لم يوفروا فرصة أو مناسبة لم ينشب فيها معركة مع هذا أو ذاك، وكان بلسانه الذلق، وأسلوبه الشيق، وثقافته الواسعة، وصراحته إلى حد يفوق آداب المناظرة، مما أجج ما وجه إليه، وما صادف في حياته من متاعب، وكان جديرا به ان يستسلم ويضع السلاح ولكنه لم يفعل وإنما نجده في أدبه يتوع أسلوب المواجهة ومع هذا التنوع يتنوع كذلك ويتعدد إنتاجه، ولطول معاركه يكاد الإنسان يتساءل عن هذه الإشارات أليست هجوما على فئة من الناس بعدما أعياه مواجهتهم بذلك الأسلوب الذي تضمنته مؤلفاته الأدبية والنقدية الأخرى؟ الدعوة الإصلاحية وعلى أي حال فإن هذا الكتاب الذي أبى إلا أن يعتبره (الإشارات الإلهية) واستعمال عنوان الإشارات أمر متبع في كتابات الأدباء والمتصوفة والفلاسفة ولكن أبي صاحبنا التوحيدي إلا أن يكون هذا العنوان الموحي والمعبر، وهو لم يجعله خاليا من نقد أحوال الناس والأوضاع الاجتماعية التي عاشها الناس ويعيشونها وذلك في قالب يلائم الدعوة الإصلاحية التي تولاها شيوخ الزهد والتصوف ولذلك فهو يتوجه إلى هؤلاء المشايخ مشاركا لهم الهموم ومقاسما إياهم ما يشعرون به جميعا وترى محققة الكتاب إن رسائل أبي حيان في الإشارات موجهة إلى صنفين ما سمته المحققة (المريد الصغير) و (القطب الكبير) ومنها وفي هذا تقول المحققة وهي تتحدث عن الإشارات: «وإنما لأن هذا اللون من "الوعظ" العنيف قد ربطه بالدنيا وتقلباتها وبالحياة وما فيها من متناقضات، وفجأة نحسه قد انصرف عن كل ذلك إلى المناجاة ليجد فيها راحة نفسه، وبذلك ينسى مؤقتا انه «وسيط» هداية أو أنه يحتاج وسيطا بينه وبين السماء، بل انه يتوجه إلى الله مباشرة، ولهذا فإن النغمة العامة في هذه المناجيات مغايرة –بطبيعة الحال- للنغمة العامة في مخاطباته لصاحبه، إذ هي تحفل بالتذلل لله والضراعة إليه والتماس رحمته ونعمته وعونه وهدايته وتوفيقه، وتحفل بتسبيح الله وتمجيده، ولا تخلو من شكوى الحال، وهي شكوى ترتبط بكون أبي حيان «رسول هداية» ضاق ذرعا بإعراض الناس عن الاستماع إلى دعوته، فهو يتوسل إلى الله أن يبعده عن الخلق، ويطلب إليه إما أن يرحمهم لضعفهم وإما أن يعاقبهم لذنوبهم. حسبما يبلغ به الضيق النفسي بهم. وهذه الأدعية والمناجيات هي العنصر المشترك بين الرسائل الموجهة إلى (المريد الصغير) وتلك الموجهة إلى (القطب الكبير). وقد وصلنا من الرسائل الموجهة بأكملها لشيخ صوفي ست رسائل (رقم: 2 و3 و11 و18 و28 و 46 من الجزء الأول) بالإضافة إلى رسالة موجهة لجماعة صوفية (رقم: 4 من الجزء نفسه) وينادي المخاطب في معظم الأحيان ب «يا سيدي» وفي أحايين «أيها السيد» أو «أيها الشيخ»، ويرفع أبو حيان من مقامه إلى منزلة عظمى حين يدعوه «يا لسان الوقت، وواحد هذا الورى، وعين الزمان» (ص: 73) ويسميه في مكان آخر «عين الوقت ولسان الزمان وعنوان الحق» (ص: 327) ويصفه بأنه «العالم كل العالم والفاضل كل الفاضل» (ص: 394) ويبين قربه من نفسه بأن يدعوه «الولي الودود والصاحب المخلص والجار المواسي والظهير المأمون والصديق الصدوق والثقة الموثوق» (ل: 68أ) ويتشوق إليه تشوقا شديدا فيكتب له قائلا: «كتابي إليك عن شوق ملاهبه لا تخمد، ووجد بك غلائله لا تبرد» (ل: 57 /ب). آن ان نستحي ا هذا أما حان لنا أن نستحيي من العكوف على المخالفة؟ أما وجب بعد أن نهجر هذه العادة القبيحة في المقارفة والمقاذفة؟ إلى متى: نؤمل عيش في حياة زهيدة أضرت بأبدان لنا وقلوب وما خير عيش لا يزال مفزعا بفوت نعيم أو بموت حبيب أمل يضر، وظاهر يغر، وباطن يعر، وكل يمر، بما يسوء ولا يسر دع ذا، أخلق الدين، وعمت الفحشاء، وفسد العلماء، وفشا الجهل، وظهر الغي، وتكاشف الناس، وفقد الصدق، وغلب الجهل، وكثرت الجرأة، وصار ذكر الله لغوا على الألسنة، وخوف القلوب من الفكر بين السيئة والحسنة. فلا جرم عاد عتابنا لهم بينونة، وإمساكنا عنهم دينونة، فما ندري ما نصنع، ولا ندري إلى من نفزع. والمؤمن إذا قصرت يده عن المعروف وأمسك لسانه عن الزجر، وكلت عينه عن النظر، وضعفت منته عن الإنكار، تمنى الرحيل عن هذه الدار التي هي دار القرار. فقد جمدت العيون فما تدمع، وتكبرت القلوب فما تخشع، وكلبت البطون فما تشبع، وغلبت الشهوة فما تنزع، وعاد نهار الدين ليلا، والتلذذ بالعلم حربا وويلا. ولله أمر هو بالغه، "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض" (يونس 99)، "ولو شاء الله ما اقتتلوا" (البقرة 203). التنفس كالمملوق يا هذا: إنما نتنفس بهذه الكلمات كما يتنفس المملوق، ونهذي بها كما يهذي بها المألوق، وإلا فما نحن ممن وصفناهم ببعيد. وكيف نبعد عنهم وهم الجيران في المحلة، والمجتمعون في المسجد، والمعاملون في السوق؟ والله إني لأظن أن هشاشاتنا في وجوههم، ومساعدتنا على أمورهم، وسعينا في حوائجهم، وطمعنا فيما في أيديهم، ومداراتنا لهم، ورفقنا بهم، من الكبائر العظيمة، والخلائق اللئيمة، والعواقب الوخيم. نسأ ل الله أن يرفع عن ألسنتنا ذكرهم، وينسينا أمرهم، ويميزنا عنهم، ويخلصنا منهم، حتى نلجأ إلى الله الذي هو الوزر والملجأ، وبعونه ينال الفوز والمنجى: هلك من تاه عنه وضل دونه، واهتدى من عرفه، وحبا نحوه، ولاذ به، وأسلم وجهه له. فديت صاحب هذا النعت ما أظرفه وأطرف حديثه، وما أسعده وأسعد من ساعده. وصف حال بعد حال يا هذا: أما ترى كيف أديرك من باب إلى باب، وكيف أصف لك حالا بعد الحال، وكيف ألقي إليك فنا بعد فن، وكيف أقوي رجاءك حتى تكاد تطمئن، وكيف أغلب يأسك حتى تكاد ترجحن؟ وكيف أناغيك بالسلوة عن الدنيا، وكيف أسارك بأعاجيب المولى، وكيف أجذبك إلي تارة ثم أنجدب معك أخرى، وكيف أرددك بين حلاوة "لعل" ومرارة "عسى"؟ فإن كنت قد فهمت شغلي بك، فاهمم بشغلك بنفسك، ولا تنتظر من غيرك أن يكون لك فوق ما أنت لنفسك. واعلم واحدة فما بعدها بقية في التنبيه، ولا دونها حجة في التمويه: ليس من الله بد على حال، فاجعله منك على بال. واعلم أنه واسع الرحمة يتغمد ويعفو، ولكنه أيضا شديد العقاب يطرد ويجفو، وإذا جفاك فما لك بعده بار، وإذا ساءك فما لك بعده سار. انتصحني هذا قولي لك فانتصحني، فلو قد شغلت عنك بخاصتي لم تسمع هذه النغمة من غيري، ولم تطرب على هذا اللحن من سائر إخوانك وإخواني. فالوقت كدر، والأمر عكر، والحال قذر، والقول مكرر، والفعل منكر، والبناء مهور، والوجه وقح، والحلق وتح، والغفلة غالبة، والأحداث سالبة، وأثبتهم قدما أشدهم ألما، وأوسعهم علما أوحشهم كلما، وأكثرهم دعوى أقلهم رعوى. لا مرجع إلا إليك فقل لي الآن: هل لك مرجع إلا إليك، وهل لك بك مستعان إلا عليك؟ دع عنك أمسك فإن فكرك فيه وسوسة، ودع عنك أيضا غدك فلست على بينة من ظفرك به، خذ بعنان نفسك في ساعة وقتك إلى خطتك التي تجمل بك في عاجلتك عند الناظرين إليك، وتجملك في عاقبتك عند الطالعين عليك، واسع لهذا المقام المحمود، فلذلك فلينافس المتنافسون، ولمثل هذا فليعمل العاملون. باب الدعاء يا هذا: عليك بدعاء الله، فإن الدعاء من الله بمكان: فإنه يصدر من فاقة العبيد خاطبا عزة الملوك، فاجعله ديدنك في متقلبك، وإياك وملالته، فما فتح باب الدعاء على أحد إلا دل ذلك على أن الله يحب أن يسمع كلامه، وربما أخر الإجابة لتدوم الضراعة، والويل لمن ييأس من روح الله مع سعته، أو يقنط من عفو الله مع اشتماله. والدعاء جامع للحال والحقيقة، والوجد والاستكانه، والعبادة والعبارة: أما الحال فإنها ترتب الإنسان في (20/ب) محل السائلين، وأما الحقيقة فإنها تروح عن قلوب الصادقين، وأما الوجد فإنه يستخرج عين اليقين، وأما الاستكانة فإنها تهون ما يبدو على صاحبها المسكين، وأما العبادة فإنها تؤدي حق التكليف على ما ورد به الكتاب المبين، وأما العبارة فإنها تقف صاحبها على مدرجة المتلطفين المترفقين. وما لهج بالدعاء أحد إلا رأي في عاقبة أمره ما يسر النفس، ويجر الأنس، وما رفضه أحد إلا كان قاطعا للعصمة بينه وبين رب العالمين. أترى رافض الدعاء بأي شيء يحتج؟ وبماذا يتعلق؟ وإلى أي ركن يستند؟ وبأي شيء يتعلل؟ ولو لم يكن في الدعاء إلا التلذذ بالمواجهة، والتنعم بالمشافهة، إلا خرق الحجب، ورفع القنع، والدنو من الباب، ومخالطة أولي الألباب، لكان فيه مقنع، فكيف وفيه مناجاة تقضقض الحيازيم، وتهالك يرفرف على اليقين، وتعرض للسيب من رب الخلق أجمعين. وما ألهم الدعاء أحدا إلا كان ذاك عنوان خير عليه، ودليل فضيلة به. فإن قلت: أنا أسلم ولا أدعو، وأتوكل ولا أسأل، وأكل ولا أتعرض، فإن تسليمك دعاء، وتوكلك مسألة، ومن وكل إلى كاف فقد بالغ في الثقة. فهل هذا كله إلا ما أو مأنا عليه، وعلقنا آنفا بوصفه؟ لا تتجاف –فديتك- عن بدائع هذه الطريقة، فتجافيها باد «لمن كان له قلب أو لقي السمع وهو شهيد) (ق: 37). أما الإشارة بالقلب فإلى صفائه، وأما الإشارة بالسمع فإلى حضوره. وأما الوصف بالشهيد، فإنه كناية عن اليقظة: فقد يكون حاضرا من هو كالغائب وقد يكون سامعا من هو كالأصم. فالشهيد جامع لكل ما في الحال، ومشير إلى الغاية المقصودة بالكمال. وهذا لسان يعزب إلا عند المؤيدين من أهل اليقين الذين عانوا هاهنا فعاينوا هناك. (137 وما بعدها). ابتهال وتضرع اللهم إنا إليك نفزع، وفي رياضك نرتع، وصوب رضاك نتوقع، وثوب خدمتك نتدرع، وبفنون الثناء عليك نتذرع، ولجلال وجهك نتضرع، وباب جودك وإحسانك نقرع، ومرارة ما يفوتنا من فضلك الواسع بتقصيرنا نتجرع. اللهم: اجعل أمارة قبولك لنا ومنا وفينا أن تخرسنا إلا عن ذكرك، وتزمننا إلا في طاعتك، وتعمينا إلا من النظر إليك، وتبعدنا إلا عن النزول بفنائك، وتفقرنا إلا من الفوز بعطائك، وتضعفنا إلا من الظفر بأعدائك. قد وجهنا أمانينا إليك، ووقفنا آمالنا عليك، ووحدناك فيما بين ذلك. فعد بفضلك علينا ونحن سائلون، فقد جدت بفضلك في الأول وما كنا سائلين، ومزيدا بالإحسان تمم، ومن كان أهلا للكرم على عبيده خصص وعمم. يا مولانا: منك تعلمنا ما قلنا، وبك اهتدينا فيما سألنا، وإياك أملنا في قصدنا، وهذا لأنك أولنا وآخرنا، وغائبنا وحاضرنا، ومالكنا وناصرنا، وباطننا وظاهرنا، وطالعنا وغاربنا، وأنت كل كلنا، وحامل كلنا، والفاتح باب الجود علينا، والطالب لنا أن نسألك ما عندك برغبتنا ورهبتنا، والعالم بضعفنا واستكانتنا، والآخذ بأيدينا عند عثرتنا، والسانح في ضمائرنا على كل حال نتقلب عليها، والشاكر لنا على بعض خدمتنا. يا ولي النعم فيا ولي النعم، ويا محرك الهمم، ويا واهب القسم، ويا مذكورا بالكرم، ويا معروفا عند جميع الأمم، ويا موجودا على بعد وموجودا على أم، ويا مناجى بصنوف الكلم، ويا معبودا على القدم، ويا منشئا من العدم، ويا جاعلا من شئت كالعلم، ويا من علم بالقلم (على الإنسان ما لم يعلم)، جد علينا بنا، وأهدنا إلينا، وأوضحنا لنا، قد بلينا فجددنا، وبلينا فسددنا،ونكبنا فأنعشنا، وانجردنا فرشنا، وتعسرنا فسهلنا، وتعقدنا فحللنا، ونكرنا فعرفنا، وجهلنا فعلمنا، وقلقنا فسكنا، واستوحشنا فأنسنا، وبعدنا فقربنا، وتبنا فأقبلنا، وبدنا فكونا، وضعفنا فقونا، وزهدنا فرغبنا، ورغبنا فزهدنا، وسلونا فشوقنا، وأصبنا فعزنا، وضللنا فأهدنا، وعطلنا فحلنا، وأغفلنا فسمنا، وخذلنا فانصرنا، وهبطنا فرقنا، ووقعنا فخلصنا، ووعطبنا فارحمنا، وبذلنا فصنا، وزغنا فقومنا، واعوججنا فسونا، ورقدنا فأيقظنا، وسألنا فأعطنا، وقصرنا فاحتملنا. إلهنا: إليك سافرنا فكن غنيمتنا، وعليك توكلنا فكن عصمتنا، ولك ذللنا فعززنا، وبك وجدنا فجد علينا، وإليك اشتقنا فأوصلنا، وإياك عبدنا فشرفنا، وعنك حدثنا فصدقتنا، وإليك دعونا فأعنا، وفيك توهلنا فارحمنا، وعليك تدلهنا فاخصصنا. الالتزام بالحدود أيها الصاغي بأذنك إلى شرح هذه الحرق، العاجب من اختلاف هذه الأسماء والصفات والعلق: ألزم حدك في العبودية التي فطرت عليها، إلى أن تصطفق مزاهر الألوهية التي عساك ترقى إليها، فإنك إذا ألزمت علمك بالتكليف، أهدى إليك ما تستحقه بحق الشريف. وإياك أن تحيد عن حدك صاعدا أو نازلا، لإغنك إن فعلت ذلك محي اسمك من ديوان الخدم، وطردت إلى هوة الهوان من ذروة الكرم، وقيل لك: اخسأ عن مرابع المقربين، وابعد عن حضرات المستخلصين، فإنك لا تصبح أن تطا بساط الملوك مع سوء الأدب وقلة المبالاة والشرود، مع الخلاف وترك ما تقدم إليك بلزومه، وركوب ما زجرت عن التعرض له. اللهم: إنا نلوذ بك عائدين، ونعوذ بك لائذين، ونسألك أن ترشحنا للزلفة عندك بحسن القبول منك، يا ذا الجلال والإكرام. (142-147). - أستاذ الفكر الإسلامي