غالبا ما يوسم ساستنا بطبع كثرة الكلام والإسهال في القول وقلة الفعل ،فهل هذا يعني أنهم يملكون ناصية الحقيقة فيما يتلفظون به،وهل هو قول جد أم أنه مجرد هزل؟وهل هو كلام موزون ومقفى ومبني على أسس عقلانية ومعقولة ويحتكم إلى المنطق؟ أم أنه مجرد هرطقة سياسية لا مربط لها ولا طائل منها، تلقى على عواهنها دون سابق تفكر وتدبر؟ فالسياسي في المغرب تتملكه أسيجة كثرة اللغو واللغط وكثرة الهذيان والاسترخاء في الكلام دون قيود ذاتية مع كثرة الرتابة وقلة الإبداع والاجتهاد ،وهو قول ينطبق على من هو في موقع المسؤولية أو في دفة المعارضة . وقد لا نحتاج إلى بذل كبير عناء أو ذكاء لبيب لاستكشاف الحقيقة التي هي ماثلة وظاهرة لما يلقى على مسامعنا من نقاشات ومهاترات وتصريحات فارغة المحتوى والمضمون ، والأكيد أن كلامهم وقولهم ليس بذلك الكلام الفصل والمعسول /المعقول الذي يمكنه أن يشد مسامعنا بقدر ما ينفرها ويحدث هزات ارتدادية على مستوى طبلة الأذن ويتسبب لها في الحجرجة والإزعاج. فأن تكون في موقع المسؤولية ورجل دولة يفرض عليك الالتزام والانضباط لاشتراطات حسن الكلام عند الخوض في أمور العباد والبوح بما هو فيه صلاح لهم ودون تفاضل أو تحيز مقيت،وتنأى عن أي إسقاطات ذاتية لتأييد موقف على حساب آخر ،فالأمور يجب أن تقدر بشكل جيد بعيدا عن النوازع والتقديرات الذاتية الخاطئة المبنية على الفهم الخاطئ والتي غالبا ما تكون تكلفتها غالية ،فالرزانة والتعقل والرشد في الكلام مطلوب في موقعة التخاطب مع الجماهير بكل أطيافها وشواربها. فكل الكلام محسوب ويخضع للتقييم من طرف المتلقي وكلما كان المتلفظ به حائز لدرجة كبيرة من الهزل وكثرة التخبيص إلا وبلغت ردود الأفعال حالة الذروة من التذمر وقمة نبرة الاستنكار ،وقد يجلب على صاحبه/قائله الويلات ،فرجل المسؤولية وبالتحديد الوزير هنا يكون وزير كل المغاربة ويباشر مهام تدبير الشؤون العامة ،ويكون في موقع البحث والتنقيب عن الحلول والمشاكل لكل المواطنين دون التحيز لفئة على حساب أخرى ودون المس بالحس العام وتعكير صفوة نوع اجتماعي محدد أو توجهات علمية محددة، بقدر ما هو مطلوب منه أن يراعي الشعور لكل نوع كيفما كان ومع لزومية الاحترام والتقدير ،فلا يستقيم هاهنا الكلام الذي يرتقي إلى مستوى درجة تبخيس الآخر مع ما يصاحب ذلك من نبرات ونظرات استهزائية أو جمود في القسمات وغلظة الوجه، ومع فقدانه اللباقة واللياقة ،ففن إتقان الكلام يجعلك تضع دائما في الحسبان نفسك في موقع الآخرين عند التموقع في محراب السياسة عامة ومواقع المسؤولية خاصة . إن الكلام في حد ذاته مسؤولية جسيمة وهو بمثابة الرصاصة التي تنطلق ولا تعود، وتحدث أثارا بليغة لدى نفسية المتلقي ولا تسعف بعد ذلك الأعذار أو محاولات إيجاد التبريرات والمسوغات الواهية ،والكلام الواهي لا يساهم إلا في نشر "العدمية السياسية"،والكلام الفاضي فيه مكمن الاستدلال عن وجود حالة من الخواء الفكري والمعرفي لدى هذه النخبة الحاكمة والقيادية وغياب الحنكة السياسية . ويستمر الكلام في التساقط علينا من كل حدب وصوب ويصنع لنفسه موقعا في ميدان السياسة والمسؤولية بعيدا عن مقومات الرزانة وموجبات الحكمة السياسية والتي تنأى بنا إلى عدم تدعيم حالة "التثاقف السياسي الجيد" سواء على مستوى القيادة أو في علاقتها بالجماهير ليتواصل مسلسل الضياع والفرص الضائعة على مستوى الخطاب والممارسة.