تتأسس الديمقراطية الغربية على الرغم مما أضحى يختلجها من نواقص على مسلمة جوهرية في ممارسة السلطة وهي فكرة التداول أو التعاقب ،حيث غالبا ما تخضع لمحك التقييم والمحاسبة الشعبية، و تبقى مسالة الاستمرارية رهينة بالمنجز ،وبمقياس التقدير العددي/الحسابي للنتائج ،وأي حكومة تستلم مقاليد السلطة تبذل مجهودات مضنية في الوفاء بوعود ها وعهودها وبالتالي السعي نحو حصد النتائج القصوى في تطبيق برنامجها، والعمل يقوم على أساس استراتيجي متوسط وبعيد المدى على مدار سنوات تقلدها للمسؤولية الحكومية وهي تكون مدركة بصورة قبلية لمكامن الإكراهات والتحديات التي يمكن أن تقف حجر عثرة في سيرها حيث تبنى الوعود والعهود على البذل في سبيل قهر هذه المعوقات وتكون على دراية بمختلف الحالات الطارئة والأحداث الفجائية بمعنى لا مكان للتخمينات والتخطيط الارتجالي أو إمكانية اعتمادها كمسوغات لتبرير إخفاقاتها ،مما ينتج عنه إنها دائما ما تقوم بإنتاج برامج للعمل أكثر عقلانية ومعقولية. والنتيجة أن الحكومات الرديئة لا تعمر طويلا ،بفعل تركز وترسب ثقافة المسؤولية ووجوب الأخذ بالاستقالة الاختيارية أو تحت وقع الاستقالة الإجبارية ،وحتى الحكومات التي قد تبلي البلاء الحسن ولم تبلغ سقف الثقة والرضا فانه من الممكن أن لا تعاود الكرة انه بكل بساطة قانون التداول على السلطة الذي لا يقبل الرداءة والاستكانة والأداء الرتيب،لكن السؤال الذي يطرح نفسه أين "النحن"،من هذا؟ إن حقيقة تاريخ المغرب الحكومي مليء بخيبات الأمل والفرص الضائعة ،مليء بالتضخم الخطابي والكلامي حول العهود والوعود الواهية والكاذبة والمنافية للواقع و حتى الممكن منها ممتشق بخصلة النقض والهتك،لدرجة أن الأمر أصبح فعلا متوارثا بين الحكومات المتعاقبة ،والملاحظ كل البرامج السياسية والحكومية المنتصبة والمرفوعة لكسب الود الشعبي موغلة في الأماني والآمال المستعصية على التحقيق والتي سرعان ما تنكسر على صخرة الواقع. لأنها وعود لا تبنى على أساس معقول وعقلاني تراعي ظروف الزمان والمكان،فهي تستثمر أولا للاستهلاك الانتخابي والسياسي وثانيا لدغدغة مشاعر المعوزين والمحتاجين وجرهم إلى مصيدة التعلق والتمسك بالأمل ،فالمواطن مغلوب على أمره ويعيش عنصر التشويق في الانتظارية "ربما ألقاك غدا أيتها الوعود" ،حتى ولو طال مقام الانتظار والارتهان. فالتداول والتعاقب الحكومي على نقض الوعود والعهود أضحى تقليد متوارث عند جل الحكومات بالتقريب، وكيفما كانت هويتها السياسية والحزبية ومنطلقاتها الإيديولوجية،فالحكومات تعد وتتعهد أكثر مما تملكه من قدرة على الفعل والانجاز وعلى مدار سنوات ولايتها ،وتزيد في منسوب الوعود لأنها لا تملك إلا الكلام الغير الخاضع لأي ضريبة فتستبيحه على مسمع المواطنين،كلام في كلام . ولعل في كثرة الكلام لدرجة الإسهال والقيل والقال في العهود نية الخداع والتمويه والتحايل والرغبة في التستر على عدم القدرة وعسر الحال،مع العلم أن في قلة الكلام والرزانة في التصريحات والتفكير العقلاني والتعقل وقول الحقيقة طبائع محمودة في ظل هذا السيل من الأكاذيب وبالجملة،فالمرء كيفما كان يشده لسانه وهو الذي قد يجره إلى التهلكة السياسية والإفلاس الكلي. فكثرة الوعود والعهود تنم وتعبر عن تدني الفعل والعمل الجديين وقلة الحيلة والحيرة والتخبط والتراخي مع ما يرافق ذلك من مسحات ومستملحات التبرير والتغرير بالشعب إلى حد الاستهانة به ولا استثني أحدا. ولاشك أن في مراكمة فعلة نقض الوعود والعهود تكريس تميمات الأزمة وراء أزمة،فتصنع حكومات لتدبير الأزمة فقط بالزيادة آو النقصان،وبالتالي هذا العوز يستمر مع استمرار الحكومات التي لا تساهم إلا في صب الزيت في النار وإبقاء الأمور على ساعديها، فيباغثها الزمن من حيث لا تدري ،والنتائج معدومة ،وكل حكومة تسعى إلى تبرئة ذمتها في كونها غير المسئولة وإنما جاءت ووجدت نفسها أمام تدبير إرث ثقيل ،مع العلم أن الحكومات الجيدة والرشيدة في الغالب ما تبنى نجاحاتها على أنقاض فشل حكومات سابقة.. فحكوماتنا دائما ما تئن تحت كثرة ووطأة الآهات وهي كثيرة الشكوى من العراقيل التي تتكيف معها وتستسلم لمنطقها ،فلا أظن أن كل من يلج بوابة العمل الحكومي يجد الورود مفروشة،والطرق معبدة لقطف الثمار السياسية،فتدبير السياسات العمومية وتبوأ موقع المسؤولية الحكومية من الأمور الوعرة والصعبة ،وفي اللجوء دائما إلى التبريرات والمسوغات ومع التواتر صنعة مبتذلة وغير محبذة في زمن الثورات والاحتجاجات. "التداول على نقض الوعود والعهود يقع بمنزلة التعاون على الإثم والعدوان"