رؤوس عدد من البرلمانيين تبدو مطأطئة كأن على هاماتهم الطيرُ..فهم منشغلون ليس بقضايا الأمة التي اختارتهم لتمثيلها تحت قبة البرلمان، بل بأشياء أخرى من قبيل الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة، والألواح الإلكترونية، والتي أخذت منهم بعض الوقت كان من المفترض أن يُخصص لقضايا الناخبين. مشهد العبث بالهواتف المحمولة، والاطلاع على الرسائل السريعة، وغيرها من "المهام" البرلمانية الجديد، تكرر ويتكرر في أكثر من مقعد ومكان تحت قبة البرلمان، لعل آخرها ما حدث خلال الجلسة الأخيرة لمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، والتي اتسمت بالعديد من الممارسات المنافية للنظام الداخلي للبرلمان. والطريف أن الأغلبية والمعارضة اللتان ما فتئتا تتجادلان وتتنابذان بمناسبة أو بدون مناسبة تحت قبة المؤسسة التشريعية، اتفقتا أخيرا في أمر واحد، لم يكن قانونا تشريعيا يرمي إلى تحسين عيش المغاربة، بل اتفق الطرفان على قضاء جزء من أوقاتهم يخوضون في ضفاف العوالم الجذابة للهواتف والحواسيب. وهكذا وضع حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة المعارضان يدهما في يد حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية المشاركان في الحكومة، عندما التقى نوابهم البرلمانيون جميعا في طأطأة رؤوسهم من أجل اللعب في هواتفهم النقالة في خضم اشتغال جلسة برلمانية قائمة، وذلك عملا بمقولة "لا يوجد بين القنافذ أملس". وظهرت مونية غلام وبعض زملاء لها في حزب الاستقلال، وأحمد بريجة ومن معه من حزب الأصالة والمعاصرة، ونزهة الصقلي من التقدم والاشتراكية، ونائبات برلمانيات من حزب العدالة والتنمية، وبرلمانيون من أحزاب أخرى في مسهد سريالي لا يوحي بأن الجلسة التي كانت تجمعهم هي جلسة لمؤسسة تشريعية. ترغيب وترهيب..ولكن ورغم الإغراءات التي تقدمها المؤسسة التشريعية للنواب البرلمانيين قصد القيام بمهامهم التشريعية والرقابية، ورغم التنبيهات التي جاء بها النظام الداخلي للمجلس بزجر المتغيبين عن الجلسات واللجان البرلمانية الدائمة، فإن المتتبع لعمل المجلس يسجل أن ظاهرة الغياب وعدم الاكتراث مازال من السمات الأساسية التي تطبع جلسات البرلمان. ورغم أن النظام الداخلي لمجلس النواب ينص صراحة على منع النواب من ممارسات أضرت كثيرا بصورة المؤسسة البرلمانية في أعين المواطنين الذين انتخبوهم، من قبل الحديث بالهاتف أو الانشغال باللعب أو قراءة الجرائد، فإن الجلسة الأخيرة للمجلس والتي صادفت ثالث أيام رمضان سجلت العديد من الممارسات المنافية لما تعاقد عليه النواب في نظامهم الداخلي. وينص النظام الداخلي للمجلس في هذا الاتجاه على أن "يتعين على النائبات والنواب الامتناع عن التحدث عبر الهاتف أو الانشغال بقراءة الجرائد والصحف أو ما شابه ذلك أثناء سير الجلسات العامة وداخل جلسات اللجن الدائمة"، مضيفا "كما يمنع تناول الأطعمة والوجبات داخل الجلسات العامة". هذه الممارسات ينص النظام الداخلي على إسناد "مكتب المجلس مهمة ضبط ومراقبة احترام هذه القواعد"، محملا إياها مسؤولية "اتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها ويوجه عند الاقتضاء تنبيهات وإشعارات للمعنيين بالأمر". غيابات وغيابات ومن جهة ثانية مازالت الجلسات العامة واللجان الدائمة داخل المؤسسة التشريعية تسجل نسبا عالية من الغيابات، رغم الوعيد والتهديد الذي جاء به النظام الداخلي للمجلس بالاقتطاع من تعويضات المتغيبين، والتشهير بهم في الموقع الرسمي للبرلمان وتلاوة أسمائهم في الجلسة العامة. وسجلت آخر جلسة عامة تشريعية والتي صادق خلالها مجلس النواب على مشروع قانون مؤسسات الإئتمان والهيآت المعتبرة في حكمها، حضورا لم يتجاوز 94 برلمانيا 75 من فرق الأغلبية، و19 نائبا من المعارضة، من أصل 395 وهو العدد الإجمالي لأعضاء الغرفة الأولى. وتنص المادة 98 من النظام الداخلي على أنه "يجب على النائبات والنواب حضور جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة"، موكلا لمكتب المجلس "ضبط حضور النواب بأي وسيلة يعتمدها بما فيها المناداة عليهم بأسمائهم، ونشر لائحة الحاضرين والمتغيبين في النشرة الداخلية للمجلس وموقعه الالكتروني". أما "إذا تغيب عضو عن جلسة عامة بدون عذر مقبول" فينص النظام الداخلي على أن "يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا"، موضحا في حال "تغيب مرة ثانية بدون عذر عن جلسة عامة في نفس الدورة، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا ثانيا و يأمر بتلاوة إسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية". وفي حالة تغيبه بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في نفس الدورة، فينص نظام المجلس على أن "يقتطع من التعويضات الشهرية الممنوحة له مبلغ مالي بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول". ولتجاوز أزمة الغياب قام المجلس مؤخراً بإبرام اتفاقية مع شركة متخصصة في مجال الفندقة، بهدف ضمان إقامة النواب البرلمانيين الممثلين لدوائر بعيد عن العاصمة الرباط، وذلك لتوفير ظروف مناسبة للبرلمانيين لأداء مهامهم خاصة الحضور لأشغال الجلسات العامة واجتماعات اللجان الدائمة، وغيرها من لقاءات مجلس النواب. وتشمل مبادرة الحجز الفندقي حجزا قبليا لعدد من الليالي بطلب من النواب البرلمانيين الذين يقطنون بعيدا عن الرباط، لتمكينهم من الحضور في أشغال مجلس النواب، وكذا حجز ليالٍ لفائدة الوفود الأجنبية التي تزور المجلس في إطار مهام دبلوماسية.