تضاربت الفتاوى في الجزائر بشأن صيام لاعبي المنتخب الوطني، الذي تأهل للدّور الثاني من بطولة كأس العالم الجارية حاليا بالبرازيل. فبينما أباح شيوخ للاعبين عدم الصيام، حثهم آخرون على وجوب الصيام، ولا تزال القضية محل جدل لم يفصل فيها أحد الفصل القاطع، وهو ما يجعل اللاعبين في راحة بين إمكانية الصوم أو عدم الصوم. جواز الإفطار الفتوى الأولى صدرت من رئيس لجنة الافتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى، الشيخ محمد شريف قاهر، قبل أسبوع، حيث أجاز في تصريحات إعلامية إفطار اللاعبين الجزائريين أثناء مباشرتهم المباريات في حال تأهّلهم إلى الدّور الثاني من كأس العالم. وقال الشيخ قاهر، إنّه استند في هذه المسألة إلى فتوى للشيخ محمد الغزالي، الذي قال بجواز الإفطار عند مباشرة اللعب، وقال قاهر إن بعض المذاهب الإسلامية تجيز الأخذ في هذه القضية بحكم المسافر، الذي يجوز له أن يفطر في رمضان إلى أن يعود إلى بلاده. وذكّر المفتي أن على اللاعبين أن يبيّتوا نية الصيام رغم إفطارهم "الأحوط للاعبين أن يبيّتوا نيّة الصيام ثمّ إذا شرع أحدهم في اللعب وهو مظنّة التعب يفطر، ذلك أنّ اللاعب قد لا يشارك فيحافظ بذلك على صيامه". وأيّد الشيخ مأمون القاسمي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى، فتوى الشيخ قاهر وقال "على اللاعبين أن يبيّتوا نيّة الصيام حتّى إذا شرعوا في اللعب نهار رمضان جاز لهم الفطر" إلا أنّ الأفضلية تبقى حسبه للحفاظ على صيامهم. حرمة الإفطار هذه الفتوى التي أصدرها الشيخ قاهر وأيده فيها الشيخ القاسمي أثارت جدلا في الجزائر بين الأئمة والمشائخ، وكان أول من ردّ عليها الشيخ محمّد مكركب، عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي أفتى ب"حرمة إفطار اللاعبين في نهار رمضان". وقال القاسمي، في تصريحات إعلامية، "لا يجوز لهم الإفطار في نهار رمضان من أجل اللعب"، ودعا الشيخ مكركب اللاعبين إلى "الحفاظ على صيامهم ذلك أنّ الله مع الصائمين". وشدّد الشيخ مكركب على أنّ السفر في سبيل اللعب لا يبيح الإفطار "الذي نعلمه من الفقه المالكي ومنطق القرآن الكريم الذي لم يحدّد السفر بسفر اللعب ولكن لعلاج مرض أو جهاد أو علم". بدوره قال رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزق قسّوم، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، إن علماء الجمعية يرون بوجوب صيام لاعبي المنتخب الوطني ل"انعدام الضرر". وأضاف قسوم "حاليا الشتاء في البرازيل طويل والنهار قصيرا جدا، ما يعني انتفاء وجود مشقة، والضرر مرتبط بالجوع والعطش، وبما أن النهار قصير فلن يشعروا بالجوع والعطش، أما إذا أحسوا بالضرر فهنا لهم الرخصة في الإفطار". ونصح الشيخ المشجعين الجزائريين الذين رافقوا منتخب بلادهم بعدم الإفطار "عليهم أن يصوموا لأنهم في راحة تامة، مهمتهم المناصرة فقط، وهنا أقول عليهم أن يصوموا لأن دعوة الصائم مستجابة، فليصوموا وليدعوا للفريق بالنصر وسيكون النصر إن شاء الله، كما أنهم مسافرون ودعوة المسافر مستجابة، لذلك فقد جمعوا الحسنيين الصوم والسفر وفي هذا أجر عظيم من الله عز وجلّ". تأييد طبيّ للصيام ووجدت فتوى جمعية العلماء تأييدا علميا لدى الطبيب ياسين زرقيني، وهو عضو اللجنة الطبية في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، الذي صرّح في وقت سابق لوسائل إعلام محلية، أن الدراسات العلمية التي أشرف عليها تحت رعاية "الفيفا" بخصوص صيام اللاعبين في رمضان، أثبتت بأن الصيام لا يضر بتاتا بصحة اللاعبين ولا يؤثر على لياقتهم البدنية، بل بالعكس قد يكون محفزا إيجابيا عند بعض اللاعبين والرياضيين. وأوضح بأن الدراسات الميدانية التي قام بها، بطلب من رئيس "الفيفا"، السويسري جوزيف بلاتير، امتدت على مدى ثمانية سنوات وأوضحت الكثير من الرؤى وغيّرت الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة حول رمضان وتأثير الصيام على صحة اللاعبين، إلى درجة قال زرقيني بأن نتائجها فاجأت الهيئة الدولية وغالبية المهتمين بالموضوع. وكشف زرقيني بأن اهتمام الفيفا بشهر رمضان وصيام اللاعبين تعود إلى سنة 2004، خلال مباريات تصفيات نهائيات كأس العالم للصالات (قاعات) التي جرت بغواتيمالا، حيث أثارت نتائج لقاءات المنتخب المصري، الذي شارك في الدورة انتباه المتتبعين، عندما حقق نتائج باهرة في الأسبوع الأول من البطولة ثم تراجع مردوده بشكل غريب في الأسبوع الثاني وهو ما طرح بعض التساؤلات حول الأسباب الحقيقية، وأضاف "عندما عرف رئيس الفيفا السويسري جوزيف سيب بلاتير بأن اللاعبين المصريين كانوا صائمين طلب مني القيام بدراسة من أجل الفيفا". و كانت أول دراسة سنة 2004، أجراها الدكتور ياسين زرقيني على لاعبين من ناديين جزائريين، أما الدراسة الثانية فكانت سنة 2006 وتم خلالها إجراء تجارب على رياضيين من أربعة أندية تونسية، وتم توزيع اللاعبين إلى فوجين واحد صائم وآخر مفطر، حيث خضعوا إلى عدد من الاختبارات، منها قياس السرعة والتحمل مع أخذ عينات من الدم أيضا وهذا في مدتين مختلفتين، 15 يوما قبل رمضان و15 يوما أثناء الصيام في رمضان. وحسب زرقيني فإن الدراسة كشفت بأن الصيام ليست له أثار سلبية على صحة اللاعبين ولياقتهم البدنية، فيما حملت الدراسة بعض المفاجآت من أهمها أن فوج اللاعبين الصائمين كانوا أحسن في اختبار قياس السرعة من اللاعبين المفطرين. ويعني هذا، حسب زرقيني، بأن عامل الصيام بإمكانه أن يكون محفزا بالنسبة لبعض الفئات، مستخلصا في نفس الوقت بأن الصيام هو مسألة شخصية، معتبرا بأن اللاعبين بإمكانهم أن يتجاوزا جميع العقبات وينهون تحضيراتهم في لياقة بدنية رائعة. وأكد أن الأمر مرتبط أساسا بالناحية النفسية والإيمانية لكل لاعب. الفيفا تؤيد الصيام ويبدو أن "الفيفا" استعانت بهذه الدراسة، التي أجراها الجزائري زرقيني، حيث أصدرت الأسبوع الماضي "فتوى" تقول بجواز صيام اللاعبين رمضان أثناء المونديال ونفت أي تأثير للصيام على صحتهم ولياقتهم البدنية. وقال جيري دفوراك، كبير الأطباء في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، الأربعاء الفارط، "إن صيام اللاعبين المسلمين المشاركين في نهائيات كأس العالم لشهر رمضان لن يعرضهم لتدهور في حالتهم البدنية". وأضاف: "أجرينا دراسات شاملة على العديد من اللاعبين خلال شهر رمضان، وخلصنا إلى أنه إذا ما طبق اللاعبون المسلمون نظاما ملائما خلال شهر رمضان فإنهم لن يعانوا من أي تراجع في أدائهم البدني، ولا يوجد ما يدعو للقلق". ويتزامن النصف الأول من شهر رمضان الذي يبدأ في 28 أو 29 يونيو/حزيران الجاري مع دخول الحدث الكروي العالمي أدواره المتقدمة، والتي يشارك فيها المنتخب الجزائري باعتباره سيرافق بلجيكا إلى الدور ثمن النهائي عن المجموعة الثامنة وسيواجه ألمانيا. انزعاج شعبي على المستوى الشعبي، ينزعج الجزائريون من عدم صيام منتخب بلادهم أثناء المباريات، حيث حدثت سابقة في مونديال 1982 الذي صادف شهر رمضان ولم يصمه بعض لاعبي الفريق الوطني الجزائري، وفشل الفريق آنذاك في المرور إلى الدور الثاني، وهو ما اعتبرته الجماهير "عقوبة ربانية". وفي الموضوع، يقول الصحفي المتخصص في الشأن الرياضي، حسين زنّاقي، لوكالة الأناضول، إن قضية الصيام في رمضان ترتبط بما تقوله النتائج العلمية "الفتوى الشرعية تؤكد ما وصلت إليه الدراسات العلمية، فإن ثبت علميا أن فلانا لا يستطيع الصوم فلن يصوم والعكس صحيح. وأضاف نحن أمام دراسات علمية تقول إن الصيام لا يؤثر على اللاعبين وعلى لياقتهم البدينة ومردودهم، وفي هذه الحالة يصبح الصيام غير ضار وبالتالي وجوب الصوم". ويقول زناقي إن الفريق الوطني لكرة اليد، الذي كان مقبلا على بطولة عالمية آنذاك، حصل على رخصة بالصيام في 1989 لكن أكثريتهم رفض الفتوى، فصاموا، وحدثت أزمة في الجزائر بسبب الفتوى، وهو ما يعكس قدسية الشهر الكريم عند الجزائريين وحرصهم على صيامه مهما كانت الظروف. ويختم حديثه قائلا "الفتوى بالجواز وعدم الجواز ستجعل اللاعبين في راحة تامة، فمن وجد نفسه قادرا فسيصوم ومن وجد نفسه غير قادر فعنده رخصة الأئمة بالإفطار، والله أعلم". * لمزيد من أخبار مونديال 2014 زوروا هسبريس الرياضيّة