التخليق يعني محاربة كل أنواع الانحراف والفساد داخل منظومة معينة والرشوة هي ابرز هذه الأنواع ، ونحب أن نبدأ هذه المداخلة بمجموعة من الأسئلة تشكل منطلقات مؤطرة لهذا الموضوع . المنطلق الأول : هو لماذا التخلق داخل منظومة العدالة ؟ هذا السؤال يرتبط بدور القضاء في كل البلدان التي اختارت النموذج الديمقراطي والذي له علاقة بوظيفة القضاء في مكافحة الفساد وإرساء دعائم التخليق وبالتالي لكي يقوم القضاء بهذا الدور يجب أن يكون هو نفسه على قدر كبير من النزاهة والشفافية لكون القاعدة تقول فاقد الشئ لا يعطيه . إذن القضاء يجب أن تقوم بدوره في التخليق وحماية أمن المواطنين وضمان ممارسة حرياتهم وفقا للفصل 117 من الدستور. المنطلق الثاني : مضامين التخليق في الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة : أولا نذكر بعدم مشاركتنا كجمعية مهنية ممثلة لفئة عريضة من القضاة (نادي قضاة المغرب)في الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي صدرت عنه هذا الميثاق نتيجة لإقصائنا من الهيئة العليا لأجهزة هذا الحوار ، وثانيا نشير إلى أن ما يهم التخليق في الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة يتمثل فيما يلي : + تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية منظومة العدالة ،من خلال : تتبع ومراقبة الثروات والتصريح بالممتلكات وإحداث آلية التنسيق بين المجلس العلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات وسن مقتضيات قانونية بشأن وضعية تنازع المصالح ومراجعة قواعد الاختصاص الاستثنائية . ثم تعزيز مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية في المهن القضائية، من خلال: حضور الوكيل العام للملك في المجالس التأديبية للمحامين دون أن يشارك في المداولة واتخاذ القرار ثم إحداث هيئات قضائية ومهنية مختلطة للبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية الصادرة عن مختلف الهيئات المهنية لمنظومة العدالة، ثم مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القانونية والقضائية. ثم ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية لمنظومة العدالة من خلال: وضع مدونات سلوك للقضاء والمهن القضائية وإقرار آليات لتتبع ومعالجة شكايات المواطنين بشان التبليغ عن الفساد في منظومة العدالة.ثم تعزيز دور القضاء في تخليق الحياة العامة ، من خلال : تخويل المجلس الأعلى للحسابات ومختلف هيئات الحكامة إحالة الأفعال التي تكتسي صبغة جنائية مباشرة إلى النيابة العامة المختصة، وتوسيع مجال الإلزام بالتبليغ عن جرائم الفساد المالي وإقرار جزاءات عن عدم التبليغ عنها وحماية المبلغين والشهود ودعم القضاء المتخصص وأجهزة البحث والتحقيق في مكافحة الفساد المالي وإشهار الأحكام المتعلقة بها. هذه هي خلاصة أهم ما جاء في الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة بشأن التخليق ، والملاحظ أن هذه المقتضيات جمعت بين المبادئ العامة وهي هامة جدا وبعض التفاصيل الجزئية مع انه كان يمكن الاكتفاء بالمبادئ الكبرى التي تستوعب الجزئيات عند تنزيلها في النصوص القانونية لأن النص على الجزئيات في التوصيات يطرح لنا مشكلة الحصر ، كما أنه كان يمكن إضافة عبارات تفيد الاقتداء بالمرجعيات الدولية والدينية بخصوص التخليق والشفافية وهذه الاشارة كانت كافية لتجعل لنا قانونا متطورا ومتجددا مستوعب لكافة المستجدات. المنطلق الثالث : مطالب نادي قضاة المغرب : إن مطالب نادي قضاة المغرب لا تخرج ولا يمكن أن تخرج عن الأهداف المحددة في المادة الرابعة من قانونه الأساسي ، ومن بينها الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين وأمنهم القضائي ، (وهي الفقرة التي تجلب علينا كافة المشاكل) ، ثم الهدف الأسمى وهو الدفاع عن استقلال القضاء والدفاع عن الأخلاقيات القضائية والتضامن والدفاع عن كرامة القضاة والكرامة تقتضي العيش الكريم ، لذلك حتى مطالبنا المرتبطة بالجانب المادي هي تدخل في باب التحصين للوقاية من الوقوع في السلوكيات المنحرفة والرشوة وغيرها من الأمور التي تتنافى مع التخليق ، أما الهدف الآخر فهو الدفاع استقلال القضاء وهو المنطلق الرابع . المنطلق الرابع : هل للتخليق علاقة باستقلال القضاء ؟ إن استقلال القضاء له مفهوم واسع ومتشعب ( يبدأ من استقلاله عن السلطات الأخرى إلى استقلاله عن سلطة المال ومجموعة الضغط الاقتصادي والاجتماعي إلى استقلاله عن زملائه وعلاقات تنازع المصالح وفقا للمواثيق الدولية في هذا الباب )، لذلك فإن نادي قضاة المغرب جعل من هذا الاستقلال حراكه الأساسي . وإذا كانت المبادئ الكبرى لهذا الاستقلال قد حسمت في الدستور الجديد ، فإن ملاءمة مبادئ الاستقلال الكبرى وتنزيلها على ارض الواقع لم يحسم بعد ، لأنها متوقفة على صدور قوانين تنظيمية منصوص عليها في صلب الدستور أيضا ، ولا داعي للتذكير بأن هذه النصوص التنظيمية يجب أن تكون هي الأخرى بنفس قوة المبادئ الدستورية المنوه بها قبله لا أن تكون اقل قوة أو جرأة منه ، لذلك عارض النادي مسودة مشاريع النصوص التنظيمية الصادرة عن وزارة العدل والحريات لأنه لم يجدها ضامنة بشكل كاف لاستقلال القضاء (وأعتقد أن موضوع ندوتكم ليس المناسبة المثلى لتفصيل ذلك). وغني عن البيان أن استقلال القضاء له ارتباط عضوي بالتخليق وهذا الموضوع يجب النظر إليه من زاويتين ، الزاوية الأولى تهم استقلال القضاء عن السلطات الأخرى وعن سلطة المال أيضا لأنه في البلدان التي تعرف فسادا كبيرا في سلطة القضاء نجد أن هناك تداخل بين الرشوة والتدخل في عمل القضاء فمن يرضى على نفسه قبول الرشوة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتكلم ويدافع عن استقلاله وبعبارة ملخصة لن يمكن أن تجد في مرتش يحافظ ويدافع عن استقلاله في أي وظيفة من الوظائف. وأما الزاوية الثانية فهي أن استقلال القضاء ونزاهته من شأنه أن يؤدي دورا كبيرا في تخليق الحياة العامة بشكل عام من حيث تحقيق جانب الردع العام والسهر على محاكمة من تورط في جرائم الفساد المالي. ونصل أخيرا إلى التذكير ببعض المبادرات التي قام بها نادي قضاة المغرب قصد لفت الانتباه إلى أهمية التخليق في العمل القضائي ، وهي للتذكير مبادرات رمزية تؤسس لثقافة النزاهة والشفافية داخل العمل الجمعوي القضائي أما الدور الكبير في التوعية والمراقبة والزجر وقبل هذا وداك توفير ظروف ملائمة للعمل فيجب أن تقوم به مؤسسات الدولة ، ومن هذه المبادرات التي تم القيام بها ما يلي : + إحداث لجنة وطنية للتخليق داخل المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب وكذا لجان جهوية للتخليق على صعيد الدوائر الاستئنافية للمملكة. + مباردة أعضاء المكتب التنفيذي التي زكاها المجلس الوطني للنادي بتاريخ 8 شتنبر2012 والمتعلقة بالتصريح العلني بالممتلكات ونشره في الموقع الرسمي للنادي. وهو لا يزال موجود في هذا الموقع لمن أراد الرجوع اليه. + اطلاق البرنامج الوطني لتخليق منظومة العدالة " محاكم بدون رشوة" ، وهو برنامج رمزي لم تنفتح عليه الجهات المختصة بل إن بعض المسؤولين بالمحاكم قاموا بإزالة اللافتات المتعلقة بهذا الموضوع والمكتوبة بداخلها بعشر لغات عالمية "لا للرشوة" وبعضها لازال معلقا بالمحاكم إلى اليوم . + كما قام النادي بتقديم عدة مقترحات للاسهام في مكافحة الرشوة ، منها : + تسهيل ولوج المتقاضين إلى العدالة وتسيير سبل الوصول إلى المعلومة داخل المحاكم لقطع الطريق أمام السماسرة والوسطاء داخل المحاكم وفي محيطها. + ضمان شفافية عمل المؤسسات القضائية من خلال اعتماد تقنية نشر القرارات القضائية لحظة اتخاذها وتسيير سبل الاطلاع عليها عن بعد ومنها قرارات النيابات العامة وقضاء التحقيق وغيرهما. + اشراك المواطنين في تقويم المرفق القضائي من الناحية الخدماتية والادارة القضائية وليس الأحكام القضائية عن طريق تقية استطلاع الآراء بهذا الخصوص . - الكاتب العام لنادي قضاة المغرب ورئيس المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية مساهمة في فعاليات المنتدى الثالث للمحامين الشباب المنعقد بالهرهورة – تمارة يومي 6 و7يونيو 2014 تحت عنوان : إصلاح العدالة وتحديات الشفافية والوقاية من الرشوة