انتقد الشاعر الدكتور حسن الأمراني، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، تصريحات الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، عندما قال في محاضرة بالعاصمة الاسبانية مدريد إنه "لا يمكن حتى لحكومة من الأنبياء أن تقضي على الفساد في خمس سنوات..". ودعا الأمراني، في مقال خص به هسبريس، الشوباني إن كان قد نطق بذلك التصريح حقا، إلى التوبة عنه، لكونه "من الكبائر التي لا يجوز السكوت عنها، كما لا يجوز الحديث عن "حكومة من الأنبياء" لتسويغ إخفاق حكومي، أو تقصير وزاري، أو حتى مجرد خلل إداري، ثم ينسب لهذه الحكومة العجز عن محاربة الفساد في خمس سنين. وهذا نص مقال الأمراني كما ورد إلى الجريدة: اعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال أنا ممن يأخذون بالمقولة الشهيرة : (اعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال)، وأهتدي بقول الله عز وجل: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). ولست ممن يعنى بالخوض في تفاصيل الحياة السياسية اليومية، نصرة أو معارضة، وإنما يعنيني الدفاع عن بلدي، وعن أمتي، وعن القيم التي يقوم عليها بلدي، وتقوم عليها أمتي، بالطيب من القول ما استطعت، متدبرا فيما قيل، غير معني كثيرا بمن قال، مبتغيا مرضاة الله عز وجل، حتى وإن غضب القريب، أو عتب الحبيب. وأنا أهتدي في كل ذلك بالقاعدة الذهبية الواردة في كتاب الله عز وجل: (وقولوا للناس حسنا). وقد نشر موقع (هسبريس) كلاما منسوبا للسيد الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وهو كلام ترتعد له فرائص المؤمن، وتبرأ إلى الله منه. فإن كان ذلك قد صدر من السيد الشوباني حقا فأنا أدعوه إلى التوبة عنه، وإن كان قد حُرّف كلامه فهو مدعو إلى التصحيح وإصدار بيان في ذلك. وأنا لا أدري على وجه الدقة الكلمات التي صدرت عن السيد الوزير، ولكنني أنطلق مما نشر، مهما يكن قائله، فهو من الكبائر التي لا يجوز السكوت عنها، كما لا يجوز أن تصدر عن مؤمن يعرف للأنبياء قدرهم وللصحابة مكانتهم. وكيف يجوز لعاقل، كيفما كان ، أن يفترض (حكومة من الأنبياء) لتسويغ إخفاق حكومي، أو تقصير وزاري، أو حتى مجرد خلل إداري ما، ثم ينسب لهذه الحكومة العجز عن محاربة الفساد في خمس سنين؟ إن رسالة الأنبياء أعظم وأنبل من أن نحصرها فيما قاله القائل.. ثم إن الأنبياء، وقد كان شعارهم كما قال عز وجل: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، كان إصلاحهم شاملا وغير محدود بزمان أو مكان. وإن دعوتهم، من إبراهيم عليهم السلام حتى محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، (دون أن نذكر من قبلهم كنوح عليه السلام)، هي التي ما تزال ترفرف على الأكوان نسماتها، وتغمرهم بركاتها، ولولاها لبقي الناس جميعا من الهمل. أما التطاول على الصحابة رضي الله عنهم، وأولهم عمر رضي الله عنه، فمن أعجب العجب.وكأن قائل هذا الكلام أمّي لم يقرأ شيئا من التاريخ، ولم يعرف شيئا عما أحدثه الخلفاء الراشدون، بل ومن هو دونهم مكانة، ممن جاء بعدهم من الخلفاء والحكام، من عظيم الأعمال وجليل الآثار. كم استمر حكم الخليفة الصديق رضي الله عنه؟ أخمس سنوات كما هو عمر حكومة من حكوماتنا؟ كلا! أليس عامين؟ بلى! لم يدم حكم الصديق غير عامين اثنين، ولو بقي الزاعم في الحكم عمره كله ما صنع ما صنع بعضه الصديق. هل نذكر قضاءه على فتنة المرتدين؟ وهي أكبر فتنة يواجهها المسلمون، وتواجهها دولتهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونذّكر أن الدولة لم تكن تخلو يومئذ من الذين مردو على النفاق، ومن ضعاف الإيمان، فما كل الرعية كانت في إيمان أبي بكر وعمر وأضرابهما، حتى نقول إنه لولا الرعية لما أفلح الراعي..ونحن نذكر جيدا أن عمر رضي الله عنه وقف هو نفسه أول الأمر وهو من هو منكرا محاربة المرتدين من مانعي الزكاة، حتى قال له أبو بكر رضي الله عنه: (أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام؟).ولولا موقف أبي بكر الحازم لثلمت ثلمة في الإسلام لم يسدها أحد.. أنذكر فتوحه العظمى خلال العامين؟ أم نذكر سيرته في الرعية، مما جعلها تنعم بالحرية والرخاء والعدل؟ أم نذكر جمعه المصحف الشريف الجمع الأول المنظم؟ أما إذا جئنا إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، فإنجازاته يعجز عن إحصائها العد. ففي فترة وجيزة جدا سنَّ من القوانين وشرع من التشريعات ما يحمي الفقير والمستضعف والمسكين، وما ينصف المظلومين، وسهر على تطبيق ذلك بنفسه، حتى فرض لكل مولود يولد في الإسلام نصيبا من الرزق. ثم دوّن الدواوين ونظم شؤون الحكم على صورة لا مثيل لها..فلم يكن انشغاله بتأمين مصالح الرعية المستعجلة يمنعه من الانشغال بمصالحها الدائمة كإرساء القواعد التي تقوم عليها الدولة الجديدة. أما على صعيد (السياسة الخارجية)، فهل نذكر فتح بلاد فارس؟ أم نذكر فتح بيت المقدس؟ أم نذكر فتح مصر؟ وتلك فتوح ما زال بعض شعوبيي هذا العصر يحاسبونه عليها، ويعتبرونه مدمر دولتهم، وماحق مجد أمتهم، ونحن لا نطمع من أي حكومة في أي فتح مثل هذه الفتوح، ويكفينا أن تفتح باب الحرية والعدل والكرامة..فإن عجزت عن ذلك فحسبها أن تغلق أبواب الفتنة، بتنزيه أنبياء الله عز وجل عن ضرب الأمثال الهابطة، وتوقير الصحابة، درءا لأمر تعاني منه بعض البلاد العربية والإسلامية، وقد عصم الله تعالى بلدنا الحبيب من كل ذلك. وما كان لي أن أضرب الأمثلة، في النهوض بأمور الأمة، بما فعله الخلفاء الراشدون، لولا أنه ورد في الحديث المنسوب إلى السيد الوزير تعريض بأولئك الصحابة المقربين. ولعل معترضا يقول: (أولئك صحابة، ولهم من صحبة الرسول عليه السلام مدد).فنقول إن ذلك أمر صحيح في مجمله، إلا أن شواهد التاريخ قائمة وناطقة بأن الذين صنعوا التاريخ في مدد وجيزة كثيرون. لا ينكر أحد ما صنعه عمر بن عبد العزيز، وحكمه لم يتعد العامين ونصف العام، أي نصف المدة المخولة لحكوماتنا، وقد لقب لعدله بخامس الخلفاء لراشدين. وإذا قيل إن الرعية كانت مهيأة لذلك الانقلاب العظيم في حياة الناس، فنحن نرد بالقول: لِمَ لَمْ يتهيأ ذلك لمن قبله ومن بعده،وحكمه ثلاثون شهرا؟ وإذا خرجنا من العالم العربي إلى العالم الإسلامي الواسع، فلنذكر ما صنعه السلطان الأعظم جهانكير(1568 1627) في الهند في مدة وجيزة.ثم ما صنعه أبو المظفرأورنك زيب عالمكير(1618 1707)، وهو الملقب بسادس الخلفاء الراشدين. ولنترك التاريخ، وإن كان قريبا، ولننظر إلى واقعنا المعاصر، وإلى دولتين إسلاميتين، وهما ماليزياوتركيا. فأما ماليزيا فقد استقلت عن الحكم البريطاني عام 1957، أي بعد استقلال المغرب بعام واحد. وكانت نسبة الأمية في ماليزيا قربية من نسبة الأمية في المغرب آنذاك. ولا يختلف عدد سكان المغرب عن عدد سكان ماليزيا كثيرا. ولكنَّ هناك فرقا جوهرياً بين البلدين، وهو أن المغرب موحّد الثقافة، سكانه من العرب والأمازيغ كلهم مسلمون،وعلى مذهب فقهي واحد، وهو المذهب المالكي. وأما ماليزيا فهي متعددة الأعراق، أشهرهم الملاويون(60 بالمئة) والصينيون(10 بالمئة) والهنود (8 بالمئة) وأقليات عرقية أخرى، وهي أيضا متعددة الأديان، أغلبيتهم مسلمون، والبقية منهم بوذيون وهندوس وطاويون وسيخ ومسيحيون. ولا شك أن التركيبة المغربية، عرقا ودينا، تساعد أكثر على تكوين رؤية نهضوية موحدة. ولكن ماليزيا استطاعت بعد نصف قرن من الاستقلال أن تحقق مل لم يحققه بلدنا في الفترة نفسها، وأن تخرج من نطاق الدول المتخلفة، وتصبح من (النمور الآسيوية).لماذا؟ لأن رجلا اسمه (محمد مهاتير) تولى، عام 1981، رئاسة الوزراء وأراد أن ينهض بأمته فنهضت أمته. ورحم الله شيخنا محمد ابن تاويت التطواني، فقد قال لي يوما ونحن نتداول شؤون الأمة: (الأمة ليست بحاجة لا إلى ثورة ولا إلى انقلاب..إنها بحاجة إلى رجل),,عندما جاء مهاتير إلى الجكم حدد عام 2020 للخروج من التخلف، ولكنه خلال عشرين سنة من حكمه (حكم من 1981 2003) كانت ماليزيا قد صارت من النمور الآسيوية، وخرجت من دائرة التخلف، فما كان من مهاتير إلا أن آثر الاعتزال وهو في قمة مجده السياسي بعدما حقق ما حقق، وترك لخلفه عبد الله بدوي مهمة استكمال المسيرة. وشتان بين صنيع مهاتير وصنيع من يتعلقون بالكراسي..هذا ولم يكن مهاتير مهادنا للغرب ولا إسرائبل، وكان فخورا بإسلامه، حتى إنه عندما أقيم الحد على مواطن غربي واتهمه مسؤول ألماني بالهمجية رد بقوة، متهما الغرب بأنه هو الهمجي، وقال إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة.. وكان مهاتير قبل تولي مقاليد الحكم ذا رؤية اقتصادية واضحة حيث ألف كتابه (مستقبل ماليزيا الاقتصادي) عام 1970. كان نسبة الذين هم تحت خط الفقر يوم تولى مهاتير رئاسة الوزاء 52 في المئة، وفي عام 2002، أي قبل سنة واحدة من مغادرته الحكم، انخفضت النسبة إلى 5 في المئة. لقد كانت أول خطوة قام بها مهاتير هي رفع ميزاينة وزارة التعليم والبحث العلمي، لتصير أكبر ميزانية في الدولة. وبهذه المناسبة نهنئ الحكومة المغربية الحالية على الخطوة الإيجابية التي اتخذتها برفع ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي. أراني استطردت كثيرا، ولن أفصل الأمر مع تركيا، ويكفي القول إن (رجب الطيب أردوغان) هو (مهاتير تركيا)...وآن لي أن أتوقف، فقد أطلت، والعرب تقول: (بحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق)، وقد نويت تسطير جملتين، ولكن القلم استبد بي فاسترسلت، فليعذرني القارئ، سائلا الله عز وجل أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد.