اختار حكيم بن شماش، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أن يتوجه إلى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، برسالة مفتوحة بسبب ما اعتبره ضيقا في الوقت المخصص للبرلمانيين في مناقشة موضوع حيوي يتعلق ب"قضايا وانتظارات المرأة المغربية في برامج وسياسات الحكومة"، سيكون محورا للجلسة الشهرية المرتقبة بمجلس المستشارين. وبعد أن أكد بنشماش في رسالته المفتوحة، والتي خص بها هسبريس، أنه اختار هذه الطريقة لكون رئيس الحكومة "حول الساحة السياسية الوطنية لمشتمة جماعية مثيرة للاشمئزاز"، انتقد ما سماها "الرؤية المحافظة والرجعية لحزب العدالة والتنمية للقضايا المتعلقة بحقوق النساء"، مبرزا أن ما تحقق في مجال مكافحة العنف ضد النساء "جعجعة كبيرة بقليل من الطحين" وفق تعبيره. وهذا نص الرسالة المفتوحة التي وجهها القيادي في حزب الجرار إلى رئيس الحكومة: السيد رئيس الحكومة المحترم، يقينا ، لن يتيح لنا ضيق الوقت المخصص لنا كبرلمانيين مناقشتكم بالتفصيل والعمق المطلوبين في شأن واحدة من أدق وأهم قضايا المجتمع والبلد، تلك التي تتعلق ب " نصف سمائنا " على حد تعبير الراحل محمود درويش: أعني قضايا وانتظارات المرأة المغربية في برامج وسياسات الحكومة. يقينا ، أيضا ، أنكم لن تتيحوا لنا فرصة مجادلتكم، بالتي هي أحسن، في شأن الأفكار والبرامج والسياسات المرتبطة بالمرأة المغربية، لأنكم عودتمونا للأسف، على تحويل جلسات المسائلة الشهرية لحلبة يعلو فيها الصراخ والضرب تحت الحزام وفوق الحزام ، لأنكم عودتمونا للأسف على تحويل الساحة السياسية الوطنية لنوع من المشتمة الجماعية المثيرة للاشمئزاز، لذلك بدا لي أن أوجه لكم رسالة مفتوحة هادئة أطرح فيها ، على رؤوس إشهاد المرأة والمجتمع ، بعض ملاحظاتي وفرضياتي بشأن قضايا وانتظارات المرأة المغربية في برامج وسياسات حكومتكم المحترمة، آمل أن تتفاعلوا معها يوم ستحلون ضيفا على مجلس المستشارين. الرؤية المحافظة والأعطاب المزمنة فكرتين أساسيتين سأبرهن على صحتهما في هذه الرسالة: الأولى تتمثل في تذكير الرأي العام بالرؤية المحافظة والرجعية لحزبكم الذي يقود الأغلبية ، للقضايا المتعلقة بحقوق النساء . إن هذه الرؤية المحافظة هي التي تحول ، في تقديرنا ، دون وضع الحكومة لاستراتيجية مندمجة لتحقيق المبادئ و الأهداف ذات القيمة الدستورية الواردة في التصدير، و في الفصل 19 ، و الفصل 30 فيما يتعلق بعدم التمييز و المساواة والمناصفة. بل إن عائق الرؤية المحافظة من القوة بحيث أن حتى بعض مكونات الأغلبية الحكومية التي كانت لها في السابق رؤية مختلفة لقضايا المساواة بين الرجال والنساء مبنية على القانون الدولي لحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها ، أصبحت الآن بفعل الضغط المعنوي الهائل الذي يمارسه حزبكم الأغلبي وذراعه الدعوي في هذا الموضوع بالذات في وضعية هي أقرب ما تكون إلى التراجع والانتظارية في مجالات تتعلق بحماية الحقوق الأساسية للنساء و الفتيات. أما الفكرة الثانية فتتمثل في أنه لم يعد بمقدورنا، منذ صعود حكومة محافظة، يحمل حزبها الأغلبي مشروعا مضادا للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي القائم على المساواة وعدم التمييز بين الجنسين، لم يعد بمقدورنا أن نستشرف انتظارات المرأة المغربية، بل أصبحنا فقط في وضعية الدفاع عن حقوقها الأساسية بما فيها ضمان الحق في سلامتها الجسدية و النفسية و حقها في الولوج إلى العدالة و الانتصاف القضائي. إنني أجد نفسي مضطرا إلى تذكير الرأي العام، مرة أخرى، بأن البرنامج الحكومي نفسه تغيب فيه مقاربة النوع الاجتماعي كمقاربة يجب أن تهيكل التدابير المتعلقة بالنهوض بوضعية النساء . هل أذكركم السيد رئيس الحكومة بالخلط البرنامجي الذي لا نظنه إلا مقصودا ، بالنظر للخيارات المحافظة لحزبكم ، و هو الخلط الذي يجمع في فقرة يتيمة في الصفحة 80 من البرنامج الحكومي بين العناية بالأسرة و المرأة و الطفولة ، و هو خلط لا يسعنا في حزب الأصالة و المعاصرة إلا أن نعتبره عنوان تناقض جوهري بين رؤيتنا المطابقة للفصل 32 من الدستور و التي ترتكز على ضمان و حماية حقوق مختلف الأفراد المكونين للأسرة من جهة، و أن الدور الاجتماعي للنساء لا يمكن و لا يجب اختزاله في موقعهن الأسري و هي رؤية مبنية على المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان من جهة ، و بين رؤية محافظة تماثل إلى حد كبير نظيرتها في الأحزاب اليمينية المحافظة و المتطرفة في أوربا و أمريكا اللاتينية وكذا الأحزاب الإسلاموية وهي رؤية لا تدرك حقوق النساء خارج الدور الأسري. هل أذكركم بعنوان الخطة الحكومية للمساواة 2012-2016 المسماة "إكرام" علما أن عنوان "الإكرام" في حد ذاته هو أفضل ما يترجم رؤيتكم المحافظة/ الرجعية إزاء حقوق وقضايا وانتظارات المرأة المغربية، باعتبار أن مصطلح الإكرام في حد اذته هو رمز مقاربة إحسانية لا تمت بصلة إلى المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان والمبنية على المساواة و عدم التمييز. السيد رئيس الحكومة المحترم لتتأملوا ما يترتب عن رؤيتكم المحافظة هذه من أعطاب مزمنة أبرزها في شكل مفارقات دالة متعلقة بضمان الحقوق الأساسية للنساء: 1/ لقد انتقل عدد رسوم زواج الأطفال و الطفلات دون سن 18 سنة من 18341 رسما سنة 2004 إلى 35152 رسما سنة 2013، و الغريب في الأمر أن وزارة العدل و الحريات في تقييمها لهذه الأرقام تشير في الصفحة 40 من دراستها الإحصائية و التحليلية المعنونة "القضاء الأسري : الواقع و الآفاق" الذي أصدرته بمناسبة مرور عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة إلى ملاحظة غريبة تبرز مدى "الحياد السلبي" للحكومة في موضوع يمس الحقوق الأساسية للأطفال حيث جاء في الدراسة "يلاحظ أن هذا النوع من الزواج و على غرار زواج الرشداء عرف نوعا من الارتفاع من سنة إلى أخرى" و هي جملة تشكل تبريرا غير مباشر لزواج القاصرين. كما أن نسب قبول طلبات الزواج دون سن الأهلية بقيت مستقرة عند مستوى 80 % حيث تراوحت بين 88,18 بالمائة سنة 2006 و 85،46 بالمائة في سنة 2013 والغريب في الأمر أن وزارة العدل التي تتدخل أحيانا "بنشاط " في ميادين أخرى تكتفي في هذا الصدد بتدابير لا تعبر عن أي سياسة إرادوية للحد من هذه الظاهرة إذ أنها تقتصر على تدابير تتمثل في تنظيم أيام دراسية و توجيه مناشير إلى قضاة الأسرة المكلفين بالزواج من أجل ما تسميه الوزارة ب"حثهم على التطبيق السليم للمادتين 20 و 21 من مدونة الأسرة. 2/ ان توزيع طلبات الإذن بالزواج دون سن الأهلية حسب السن تبرز أن 32.46 بالمائة من هذه الطلبات تتركز في الشريحة العمرية بين 14 و 16 سنة ، و هو ما يمثل تحديا حقيقيا لحق الأطفال في التعليم و لالتزامات الدولة المغربية بهذا الخصوص بمقتضى المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها بلادنا . الرؤية المحافظة والأسئلة المعلقة هل يمكن للسيد رئيس الحكومة أن يفسر للراي العام سبب الانخفاض المهول لأحكام ثبوت الزوجية من 38952 حالة سنة 2011 إلى 17213 حالة سنة 2012 ، قبل أن تعاود ارتفاعا محتشما لتصل إلى 23057 حالة سنة 2013 ؟ هل يمكن التساؤل عما إذا كان تلكؤ الحكومة في إخراج القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و النظام الأساسي للقضاة يخلق جوا من هشاشة الضمانات الفعلية لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، و يجعل المناخ المحافظ للحكومة و السائد في القطاع الحكومي المكلف بالعدل و الحريات مؤثرا بشكل متفاوت على العمل القضائي؟ هل يمكن للسيد رئيس الحكومة أن يفسر للراي العام، و حزبه يشغل حقيبتي العدل والحريات و المرأة و الأسرة و الطفولة و التضامن كيف أن 30 بالمائة من أقسام قضاء الأسرة لا تتوفر على مساعد(ة) اجتماعي (ة) و 45 بالمائة من هذه الأقسام لا تتوفر على عدد كاف من أطر المساعدة الاجتماعية؟ هل يستطيع السيد رئيس الحكومة أن يفسر للرأي العام ، كيف أن السلطة الحكومية المكلفة بالعدل و الحريات و التي يسيرها وزير من حزبه ، لم تقم بوضع أي مخطط إجرائي لتوفير المساعدة القانونية (و ليس مجرد المساعدة القضائية) للفئات الأكثر هشاشة على مستوى أقسام قضاء الأسرة، علما أن نتائج البحث حول رضا المتقاضين عن الخدمات المقدمة في إطار تطبيق مدونة الأسرة من طرف أقسام قضاء لأسرة النموذجية و المنجز من طرف وزارة العدل و onufemmes أكدت أن 75 بالمائة من المستجوبين لم يقوموا بتوكيل محام يدافع عنهم ، ويتعلق الأمر بصفة خاصة بالنساء ، في قضايا الطلاق –التطليق و لدى المستجوبين الذين ليس لهم اي مستوى دراسي و الذين ليس لهم نشاط مهني أو ربات بيوت. و بعيارة أخرى الفئات الهشة المنصوص عليها في الفصل 34 من الدستور و التي يقع على عاتق حكومتكم حماية حقوقها الأساسية و التي لا يوجد أي مبرر للتذرع بانتظار نتائج الحوار الوطني حول العدالة لمباشرة الإصلاحات بشأنها. إن هذه الدراسة نفسها أكدت أن الخدمات الثلاث الأكثر أهمية بالنسبة للمتقاضين و المطلوب من طرفهم بالأولوية هي تقديم المساعدة للأشخاص الذين لا يتحدثون اللغة العربية ووضع هواتف عمومية و خدمات النسخ رهن إشارة المتقاضين الذين لا يتوفرون على الوسائل المادية لدفع أتعاب المحامي . السيد رئيس الحكومة المحترم: لا يمكن لكم التذرع بانتظار صدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية أو الجدولة الزمنية غير المضبوطة أصلا لأجرأة الميثاق الوطني المتعلق بإصلاح العدالة للقيام بما يلزم في شأن ما ذكر. فلقد اقترح عليكم المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2013 في مذكرته الرئيسية بشأن القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة تدابير مواكبة منها إنشاء دور المساعدة القانونية على مستوى الجماعات الحضرية و القروية ، فما الذي يمنع حكومتكم من النظر في سبل أجرأة هذا المقترح؟ مكافحة العنف ضد النساء: جعجعة كبيرة بقليل من الطحين لنضع الآن على محك النقد والتساؤل رؤية الحكومة وسياستها بشان ضمان حق من الحقوق الأساسية للنساء و هو الحق في السلامة البدنية. هاهنا يبرز، مرة أخرى ، تلكؤ حكومتكم غير المفهوم و لا المبرر في إخراج الإطار القانوني المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء. لست هنا بصدد التذكير بنتائج البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط و الصادر سنة 2011 و الذي أبرز أن نسبة انتشار العنف النفسي هو 48 بالمائة و انتهاك الحريات الفردية 31 بالمائة، و العنف المرتبط بتطبيق القانون 17,3 بالمائة و العنف الجسدي 15,2 بالمائة و العنف الجنسي الذي يتضمن العلاقات الجنسية تحت الإكراه 8,7 بالمائة و العنف الاقتصادي 8,2 بالمائة. السيد رئيس الحكومة المحترم: إنني أطلب منكم أن توضحوا للرأي العام ماذا قمتم به لمواجهة هذه الأرقام و النسب التي يعترف بتشخيصها الجميع بما فيها حكومتكم. في الواقع ، ستظهر مرة أخرى رؤيتكم المحافظة حيث وضعتم مسودة مشروع قانون، هو الأضعف من نوعه مقارنة بجميع مشاريع القوانين التي سبقته في 2006 و 2010 و هو أمر لا يعبر فقط عن درجة عدم كفاءة الأداء التشريعي للحكومة و إنما عن رؤية محافظة مضادة لحقوق الإنسان في كونيتها . لقد ربطتم مرة أخرى في التعريفات بين المرأة و الطفل دون تحديد أن التعريفات تنطبق على النساء و الفتيات الأقل من 18 سنة. و لم تحددوا تعريف الضحية، و حددتم أسبقية لجان التكفل على المقتضيات المتعلقة بالوقاية ، و حذفتم الإشارة للخطيب، الخطيب السابق و الطليق و الذي كان واردا في مشاريع سابقة، و تبنيتم هيكلة لظروف التشديد غير متلائمة مع أحدث المرجعيات الاتفاقية (مثال اتفاقية إسطنبول) و لم تثمنوا بعض نقط قوة مشروع 2010 رغم أن واضعيه هم أعضاء في أغلبيتكم الحكومية, و ضيقتم مجال الجمعيات التي يحق لها التنصب كطرف مدني باشتراط المنفعة العامة،و العمل لمدة 4 سنوات. كما تقدم مسودة مشروع القانون حالات عديدة لتداخل عمل اللجان المكلفة بقضايا النساء و الأطفال مع اختصاصات الهيأة المكلفة بالمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز ، و غياب مقتضيات تهم الوقاية و التحسيس و التعويض و الآثار القانونية المترتبة عن عدم بذل العناية الواجبة من طرف السلطات العمومية، مما سيؤثر على فعلية القانون و سيحد من المنطق الشمولي للإطار القانوني المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء. و بطبيعة الحال، فلأنكم أصحاب رؤية محافظة ورجعية رغم طنين الشعارات والخطب، فإننا لن نتوقع أبدا في حزبنا أن تقوموا بالأجرأة الفعلية لتوصيات مجموعة العمل الأممية المكلفة بمكافحة التمييز ضد المرأة في التشريع و في الممارسة على إثر زيارتها للمغرب سنة 2012 . ودعونا نذكركم انه في مشروع القانون الذي تقدمتم به في هذا الإطار حددتم السن الأدنى للاستخدام في العمل المنزلي في 15 سنة ، بالرغم من خطورة و هشاشة سياقات مزاولة العمل المنزلي في بلادنا، كما لا تظهر اية مؤشرات أنكم ستقومون بوضع إطار قانوني شمولي للحماية القانونية للنساء، و يكفي التذكير في هذا الصدد أننا لا نعلم كبرلمانيين ، إلى حدود اليوم، كيف ستتعامل الحكومة في مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء ، و هل ستقوم بالاستلهام من مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص الإطار القانوني لمكافحة العنف ضد النساء في هذا المجال. أضيف الى ذلك أن بعض المؤشرات غير المطمئنة بدأت في الظهور ، فمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي أعدته وزارتكم المكلفة بالعدل و الحريات ، لا يتضمن مقتضيات تتعلق بأوامر الحماية les ordonnances de protection في حالات العنف ضد النساء. كما بدأت تتضح معالم اتجاه وزارتكم المكلفة بالتضامن و المرأة و الأسرة و الطفولة إلى حرمان الهيأة المكلفة بالمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز من اختصاصات أساسية في مجال الحماية و الوقاية من التمييز ضد النساء، و ذلك ضدا على ما ذهبت إليه اللجنة العلمية المكلفة بإعداد مشروع القانون المذكور. حكاية أخرى اسمها التمكين إذا كان الأمر كذلك في مجال الحقوق الأساسية للنساء، فسيكون من العبث و مضيعة الوقت مساءلتكم أو انتظار شيء منكم ومن حكومتكم في مجال التمكين المهني والاقتصادي و السياسي للنساء سواء على المستوى الوطني أو الترابي أو في مجالات أخرى كانت في يوم من الأيام محط انتظارات فتيات و نساء المغرب من حكوماتهن. والى فتيات ونساء بلدي ، أقول : سيطول انتظاركن ! لأن السيد رئيس الحكومة المحترم منشغل بنوع آخر من التمكين.