مع تقدير ما يعتبر «إنجازات» عرفتها سنة 2011، انطلاقا من أهم الأحداث المسجلة في موضوع المرأة والأسرة. إلا أنه وباستقراء الواقع نصطدم بمفارقات واختلالات لازالت تعيشها المرأة والأسرة المغربية، بشكل يدفع إلى التأكيد على أن هناك قضايا حقيقية موجودة في العمق الاجتماعي المغربي، تؤثر بشكل كبير على وضعية الأسرة المغربية. خاصة وأن هذه القضايا لم توجه لها نفس الجهود التي بذلت لقضايا أخرى على أهميتها. فالسياسة الحكومية ركزت جهودها على إخراج الأجندة الحكومية للمساواة، كما جعلت من قضية التمثيلية السياسية للمرأة والعنف ضد النساء محورا هاما في صلب انشغالاتها...في ظل تنامي مشاكل بنيوية عديدة (الفقر، الأمية النساء، الصحة، المشاركة المجتمعية، مكافحة الاستغلال الجنسي، مناهضة العنف...) تنتظر نضالا مجتمعيا وإرادة سياسية واضحة، وهي المشاكل التي لا يمكن الحديث في ظلها عن أي تطور نوعي وكمي لوضع المرأة وللمجتمع ككل... صندوق التكافل العائلي أهم ما ميز سنة 2011 هو إعطاء انطلاقة العمل بصندوق التكافل العائلي، بعد ثماني سنوات من التنصيص عليه ضمن مقتضيات مدونة الأسرة سنة 2003. وكان تطبيق مدونة الأسرة قد بدأ سنة 2004، دون أن ينال صندوق التكافل العائلي حظا مقدرا من الاهتمام في حينه. وتأخر إخراجه إلى حين تضمينه في مشروع قانون المالية لسنة 2010، قبل أن يعرض للتأجيل مرة أخرى إلى حين شهر يناير الماضي، بعد أن تم تضمينه في القانون المالي لسنة 2011. وبتاريخ (15 شتنبر2011)، صدر مرسوم تطبيق قانون صندوق التكافل العائلي بالجريدة الرسمية، إيذانا ببداية الاستفادة من هذا الصندوق لذوي الحاجات وهم بالدرجة الأولى الأمهات المطلقات المعوزات، ومستحقي النفقة من الأطفال بعد الطلاق. وكانت الحكومة المغربية تعرضت قبل ذلك، لانتقادات عديدة لتعثرها في إخراج صندوق التكافل العائلي إلى حيز الوجود، وكذا انتقادات على الطريقة التي تمت بها المصادقة على تعديل يرمي إلى إحداث الصندوق، نظرا لأن الموارد التي رصدت له تمثل نسبة غير محددة من الرسوم القضائية. * ثبوت الزوجية عرفت هذه السنة انطلاقة مرحلة جديدة من الفترة الانتقالية لسماع دعاوى ثبوت الزوجية، وذلك في إطار مواصلة وزارة العدل لحملة تسوية كل زواج غير موثق، في أفق تطويق هذه الظاهرة قبل انقضاء الفترة الانتقالية الجديدة في 5 من فبراير 2014. وكانت وزارة العدل، قد دشنت الحملة التحسيسية في العديد من المدن والقرى، من خلال المحاكم القروية المتنقلة لتوثيق الزواج، خاصة مع وجود العديد من الحالات المستعصية الناتجة عن عدم التقيد بالوسائل الشرعية للزواج والتي تزعزع كيان الأسر. ويذهب المراقبون إلى أن عام 2014 سيكون تاريخا للحكم على تعميم توثيق عقود الزواج، في ظل غياب لأي إحصائيات دقيقة أو تقريبية حول عدد المغاربة الذين لا يتوفرون على وثيقة قانونية تثبت الزواج. *خطوة غير مسبوقة في معاقبة مغتصبي الأطفال سجلت هذه السنة، خطوة غير مسبوقة في قضايا الاعتداء الجنسي على القاصرين، المعروضة على المحاكم المغربية. ويتعلق الأمر بحكم قضائي صدر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 2 ماي، في حق مواطن إسباني (أستاذ جامعي متقاعد من مواليد 1950)، كان قد اعتدى جنسيا على نحو عشرة أطفال قاصرين. الحكم القضائي على المواطن الاسباني بالسجن 30 سنة، وبأدائه تعويضا بقيمة 50 ألف درهم للضحايا، اعتبر سابقة في مثل هذه القضايا، التي كانت الجمعيات العاملة في حقل الطفولة تندد فيها دائما ب «تسامح» العدالة مع مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي ضد الأطفال، وتطالب بتطبيق أقصى العقوبات في حق من يروون عطشهم الوحشي، على حساب طفولة دون سن التمييز. في انتظار أن يأخذ نفس المسار الملف المعروض على أنظار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. ويتابع في هذه القضية التي تعود أطوارها إلى تاريخ 5/9/2010، مواطن فرنسي (57 سنة)، بتهمة الاعتداء الجنسي وهتك عرض 3 طفلات تتراوح أعمارهن ما بين 7 و 11 سنة. * 19 بالمائة من الأسر المغربية تعولها امرأة حملت معطيات إحصائية لمندوبية السامية للتخطيط أواخر هذه السنة، بأن 6 ملايين و 916 ألفا من الأسر المغربية تعيلها نساء، بنسبة تصل إلى 19.1 بالمائة من العدد الإجمالي للأسر بالمملكة. ووضحت المعطيات حول تطور وضعية المرأة المغربية، أن 58,2 بالمائة منهن تتراوح أعمارهن ما بين 30 و59 سنة، و 86,3 بالمائة غير حاصلات على شهادات، و 55 بالمائة منهن أرامل، و28,3 بالمائة متزوجات، و10,1بالمائة مطلقات، فيما وصلت نسبة العازبات إلى 6,5 بالمائة. معطيات تحمل أكثر من دلالة، علما أن الراتب الذي يتقاضاه الرجل في القطاع الخاص بالمغرب يزيد بنسبة 25 بالمائة، عن الذي تحصل عليه المرأة، وفق ما كشفته البيانات التي قدمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني وجمعية (ديف نتوورك) مؤخرا. * رفع التحفظات..جدل وإدانة في الفاتح من شتنبر الماضي صدر بالجريدة الرسمية، خبر رفع تحفظ الحكومة المغربية عن مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو». وكانت خطوة رفع التحفظات قد أثارت سؤالا جوهريا حول التغيرات التي قد تكون طرأت على المرجعيات التي استند عليها المغرب في وضع تحفظات 1993، وسمحت برفعها هذه السنة. فيما أثار الموقف الحكومي جدلا كبيرا في الساحة السياسية، وكانت حركة التوحيد والإصلاح أول هيئة مدنية وإسلامية أدانت رفع المغرب لتحفظاته، في بيان صادر عنها، واعتبرت رفع التحفظ «استهدافا واضحا لبنيان وتماسك الأسرة المغربية ضدا على أحكام شرعية قطعية، وانتهاكا جسيما لأبسط مستلزمات الديمقراطية التشاركية». وأصل الحكاية في ذلك، أن الحكومة كانت قد أقدمت قبل ذلك على توجيه «رسالة سرية مؤرخة في 8 أبريل»، من العام الجاري إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تعلمه فيها أنها قد رفعت بعض تحفظات المغرب التي قيد بها مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ونشرت الكتابة العامة لهيئة الأممالمتحدة في الصفحة 43 من قائمتها الشهرية، خبر الرفع الجزئي للتحفظات المغربية على الاتفاقية المذكورة. * قانون يمنع تشغيل الخادمات في آخر الأنفاس سجلت هذه السنة، ظاهرة الاعتداءات المتكررة على فئة «الخادمات» انتشارا واسعا، وتراوحت هذه الاعتداءات بين التعذيب والاعتداء الجنسي بل والقتل كما حدث مع الطفلة خديجة. وبعد أن ظل تشغيل الأطفال يتم خارج أي رقابة وخارج أي إطار قانوني ينظمها، وفي خرق سافر للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب في هذا المجال. خرج إلى الوجود وبعد طول انتظار، قانون يمنع تشغيل القاصرات ويقر عقوبات زجرية على ذلك. صادق على القانون الجديد مجلس الحكومة يوم الأربعاء 12 أكتوبر، فيما ينتظر مناقشته بمجلسي النواب والمستشارين في عهد الحكومة الجديدة. ويرتقب أن يواجه موضوع تطبيق هذا القانون، إشكالات تتعلق بمراقبة تنفيذه، توفر وسائل وآليات ذلك، وأشكال الجزاءات الرادعة، والجهاز الذي سيكلف بمراقبة التطبيق داخل البيوت، هذا فضلا عن إمكانية تزايد البطالة في وسط الفئة المعنية لدى تطبيق هذا القانون. * دستور 2011: محددات تؤطر قضايا المرأة والأسرة حمل ورش الإصلاح الدستوري بالمغرب الذي عرفته هذه السنة، محددات تؤطرتدبير قضايا المرأة والأسرة المغربية. وإلى ذلك، نص الفصل 32 من دستور 2011، الذي تم التصويت عليه بالإجماع في فاتح يوليوز، على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة. ولتحديد وظائف الهيئة المكلفة بتدبير قضايا الأسرة، أشار الفصل169 إلى أن هذا المجلس، سيتولى مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات، والهياكل والأجهزة المختصة. وفي سياق رسم عدد من المحددات الدستورية التي ستؤطر قضايا المرأة، نص دستور 2011 في التعريف على أن الأسرة هي تلك القائمة على علاقة الزواج الشرعي وهي الخلية الأساسية للمجتمع. ومن أجل تكريس دور الدولة في ضمان استمرارية وظائف الأسرة، نص الدستور الجديد على أن الدولة تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. كما تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. وأيضا، فإن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. وينتظر أن يضطلع هذا المجلس بدور رقابي على السياسات العامة في المجال الأسري، وأن يشكل قوة اقتراحية يمد القطاعات الحكومية المتدخلة في المجال بآرائه ومقترحاته. كما يفترض أن يقوم بدور استشاري للبرلمان والحكومة حول النصوص التشريعية و التنظيمية التي تمس بشكل مباشر أو غير مباشر الأسرة بمختلف مكوناتها. الإجهاض السري.. جدل بين التجريم والتقنين بمناسبة إطلاق الملك محمد السادس ورش الإصلاح الدستوري، بعد خطاب 9 مارس 2011. وقرار إشراك جميع فعاليات المجتمع المغربي للإدلاء بتصوراتها. أكدت بعض الجمعيات ذات المرجعية الإسلامية، في مذكراتها التي رفعتها على أنظار اللجنة الاستشارية المكلفة بتعديل الدستور، على ضرورة «دسترة» تجريم الإجهاض السري. وهوالمطلب الذي كان وما زال يعكس التباين في المواقف بين من يعارض الإجهاض السري، وبين الذين يرون ضرورة تقنين الإجهاض تفاديا للسرية، وعدم التشديد في التعامل معه من حيث النصوص القانونية. غير أن الجدل حول هذه القضية الخلافية، سيطفو مرة أخرى في آخر الأنفاس من عمر الحكومة المنتهية ولايتها، وذلك حينما أعادت نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، طرح الموضوع أثناء تقييمها للمكتسبات والتحديات أمام المرأة المغربية خلال هذه العشرية. وكذا في أعقاب حراك قادته «الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري»، وهي تعلن عزمها عن تنظيم مسيرة بالدار البيضاء تدعو للتعبئة من أجل الحق في الإجهاض، في غضون شهر يناير المقبل من السنة الجديدة. إزاء ذلك ارتفعت مطالب الدعوة إلى احترام الدولة للمؤسسات والتزام الحكمة والاتزان فيما يتعلق بالإشكالات الخلافية في قضية قيل أنه لا بد «أن يتمايز فيها من يدافع عن الحق في الحياة بشكل عام الذي نص عليه الدستور، وبين من يريد أن يحقق مصالح شخصية للتمكين للأطباء من تحقيق أرباح مادية من خلال القيام بعمليات الإجهاض دون ضابط». * البرامج الانتخابية...تفاوت في الخطاب سجلت الانتخابات التشريعية تقدما ملحوظا في خطاب الأحزاب ومقاربتها لموضوع المرأة والأسرة، مواكبة منها لما جاء في الدستور الجديد. و اختلف تعاطي الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية مع موضوع «الأسرة والمرأة». إذ لم يكن تفعيل ملف الأسرة مدخلا أساسيا في التزاماتها الانتخابية، بينما سجل اهتمام قوي بقضية الحقوق الإنسانية للنساء والمرتكزة أساسا على تكريس المساواة والمناصفة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتأكيد على مقاربة النوع...، واحتلت هذه الحقوق مكانة واضحة في البرامج الانتخابية مع تفاوت ملحوظ فيما بينها على مستوى التقديم وآليات إعمال تلك الحقوق مقارنة ببرامج الأحزاب في انتخابات سنة 2007. * اللائحة الوطنية..رهان التمثيلية النسائية ولكن... عاد الجدل خلال هذه السنة، بمناسبة الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر، حول التمثيلية النسائية بالبرلمان. غير أن آلية «اللائحة الوطنية» التي تعد إجراء استثنائيا، كانت وفي تجربة ثالثة هي المدخل الرئيسي لتحقيق الحضور النسائي بالمؤسسة التشريعية البرلمانية. وخصص القانون الجديد لانتخاب مجلس النواب، لائحتين وطنيتين الأولى مخصصة للنساء ب 60 مقعد و طني والثانية مخصصة للشباب أقل من 40 سنة ب30 مقعدا. ولأول مرة في تاريخ المملكة يسجل هذه السنة، حضور 67 امرأة في أول مجلس نواب بعد الدستور الجديد( 60 عن اللوائح الوطنية، و7 في اللوائح المحلية) ، من أصل 395 مقعدا. هذه النتيجة اعتبرها البعض «مرضية»، وسجل ترحيب ب «الارتفاع» الذي عرفته نسبة النساء البرلمانيات، الذي انتقل من 10 بالمائة في انتخابات 2002 و2007 إلى 16 بالمائة خلال الانتخابات الأخيرة. بالمقابل لو توقف هذه النتيجة، انتقادات الهيئات الناشطة في قضايا المرأة. وسجلت على الترشيحات النسائية للأحزاب مجموعة من الملاحظات أهمها أن الأحزاب المشاركة في الحكومة لم تستطع تجاوز نسبة 10 بالمائة في اللوائح المحلية، وأن 38.7 بالمائة من الأحزاب المشاركة في الانتخابات لم تستطع تقديم لائحة وطنية خاصة بالنساء. مشاريع تنتظر الحسم - مشروع قانون لمنع تشغيل الفتيات كخادمات بيوت - مشروع قانون يتعلق بمحاربة العنف الزوجي - مشروع قانون يتعلق بالإيقاف الطبي للحمل. على أجندة الحكومة المقبلة - إرساء المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة الذي نص عليه الفصل 32 من دستور 2011 وتفعيل دوره. - تعميم الزواج القانوني في أفق عام 2014 - تعزيز المشاركة السياسية للنساء من خلال العمل على الرفع من مستوى التمثيلية النسائية في جميع المؤسسات المنتخبة وفي التشكيلة الحكومية. - تحسين صورة المرأة في الإعلام وإقرار إجراءات فعلية للحد من توظيف جسد المرأة كسلعة تجارية تكرس دونية المرأة وتختزلها في بعدها الجنسي. - اعتماد سياسة فعالة للنهوض بوضع المرأة ( شروط الشغل، التعليم، الصحة، المشاركة المجتمعية،مكافحة الاستغلال الجنسي، مناهضة العنف).