سألني أحد الأصدقاء لماذا تكتب عن جماعة العدل والإحسان أصلا؟ أو على الأصح لماذا تكتب عنها بهذا الشكل؟ فغيرك يكيل لها التهم ويروج عنها الإشاعات، فيسترزق من ذلك إما برفع مبيعات منشوراته أو بكسب حظوة عند أصحاب القرار، فتفتح له الأبواب ويقرب إلى الأعتاب، فكان الجواب. يقول أحد الحكماء :"ليس من العيب أن تكون حمارا ولكن العيب أن تصبح حمارا"، ولأننا لسنا حميرا لأن الله كرمنا ورفع قدرنا وسوى خلقنا فإننا سنظل نرفض سياسة الاستحمار والاستبلاد والاستغباء وما شئت من قاموس "التكنمبيت"التي تمارس علينا ومن أراد أن يكون "حمار وبخير" فذاك شأنه لكني لست حمارا ولست بخير في هذا البلد السعيد. دون ريب يريد منا البعض أن نلغي عقولنا، أو نغمض أعيننا ونشل قوى الفكر والمنطق التي فضلنا بها الله على الدواب والبهائم، يريد منا البعض أن نكون قطيعا من النعاج، يهش علينا بالعصا فننعطف يمينا أو شمالا، نساق وننساق لدعاية وكالة المغرب العربي للأنباء ولبروباغندا دار البريهي ولشعارات المخزن الرسمي التي تملأ الآفاق يدفعني للكتابة عن هذه الجماعة منتقدا مرات، متسائلا مرات ومستغربا مرات، لكن بشكل موضوعي ومنصف مرات -أو هكذا أحس على الأقل- سببان: أولهما: رغبتي في مقاومة سياسة الاستحمار والاستبلاد التي يريد البعض أن يمارسها علينا من خلال تصوير أن هذا الجماعة بعبعا يهدد البلاد والعباد. فهي جماعة صوفية كافرة وهي فرقة سياسية فاجرة وهي شيعية خمينية ماكرة وهي جماعة خارجية وهي عميلة للأمريكان وهي عدوة الحداثة والديمقراطية والإنسان، وهي فئة خرافية مشركة مبتدعة ضالة، وهي منظمة أصولية متطرفة وهي هيئة غير قانونية وغير شرعية .....خليط من الأوصاف والتهم والنعوت لا يجمعها جامع، ولا يملك أي أحد دليلا على ما يقول إلا الرواية الرسمية ومن الغريب أن يتفق الجميع على أمر واحد في بلد يختلف فيه الناس على كل شيء، فالصوفيون والحزبيون والوهابيون والمتأسلمون والمتحزبون والمتمخزنون والنخب والديمقراطيون والحداثيون واليساريون والليبراليون والأمازيغيون والفرنكفونيون والإعلاميون الكل يتهم ولا حجة!!وهذا الإجماع يطرح علامة استفهام، ففي المغرب يوجد إجماعان فقط، إجماع على المخزن وإجماع على العدل والإحسان. ولا زلت أذكر في إحدى الندوات أن أحدهم يقدم نفسه في المحافل بصفته -متخصصا في الحركة الإسلامية في المغرب- تجرأ على الحديث عن الجماعة بحضور واحد من شبابها فأخرج له كتب مرشد الجماعة التي استشهد بها في عرضه، وتحداه بأدب جم وسط الحضور أن يأتي ولو بدليل عما يقول من مغالطات فبهت المسكين وسكت. وهذا الشخص في اعتقادي مثال عن عشرات الأشخاص الذين يزعمون أنهم دارسون ومتخصصون وباحثون،وهم في حقيقة الأمر لا يملكون إلا ما يلتقطونه من مائدة الدعاية المخزنية الرخيصة، وأكاد أجزم أن لا أحد في المغرب قام بدراسة علمية دقيقة لمكونات الحركة الإسلامية إلا الدكتور محمد ظريف، ومع ذلك كانت له مجموعة من الاستنتاجات والتحاليل الخاطئة بخصوص هذه الجماعة*. ثانيهما: تقديسي للحرية إلى أقصى مدى، وإيماني بالحرية للجميع فالله خلقنا أحرارا وكل شرائع السماء وقوانين الأرض تقدس الحرية، حرية الرأي والاختلاف والتعبير، فمهما كان اختلافنا فنحن لا نملك أن نصادر حرية أي شخص في رأيه أو حقه في الوجود أو حتى حقه في الكفر (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، هذه الحرية التي دفع أبناء هذا الشعب الحر الأبي مهرها غاليا منذ الاستقلال وحتى الآن، آلاف الشهداء والسجناء والمنفيين والمعتقلين والمختفين ولأن الحرية كل لا يتجزأ، فلا يمكن أن نقول كما يقول بعض الاستئصاليين "لا حرية لأعداء الحرية" الحرية ليست منحة ولا منة من أحد فلا يمكن أن يزايد البعض على الآخرين بوطنيته ولا بشرعيته التاريخية فكل مغاربة سواسية أمام القانون والدستور حينما يصير الجواب على الحجة شتيمة ويصير الرد على الدليل والمنطق قذفا ويصبح الجواب على الحقيقة اتهاما وإشاعة وافتراء حينها ينبغي أن نتنبه ونتيقظ فاليقظة الدائمة هي ثمن الحرية كما يقال، فما يقال عن العدل والإحسان الآن قد قيل عن الحركة الوطنية وعن حزب الاستقلال وعن اليسار بمختلف تلاوينه في الماضي، ويقال عن أبناء الصحراء وأبناء أمازيغ والريف، وسيقال عن كل من يرفض أن يدور في فلك المخزن، أو يصير كلبا مدللا تابعا له، وسيقال عن كل من تأبى عليه كرامته ورجولته أن يكون رعية لا مواطنا.كامل المواطنة. ليست العدل والإحسان ولا غيرها من يمثل تهديدا على المغرب، وإنما الاستبداد والتفرد بقرارات البلد المصيرية ونهب ثرواته وتهديم قيمه واستشراء الفساد والزبونية والمحسوبية والإفلات من الحساب والعقاب هو ما يشكل تهديدا وخطرا على المغرب وأمنه وسلامته ومستقبله.فالحرية تعني المسؤولية، لهذا يخشاها معظم الناس(برنارد شو). **** *راجع سلسلة مقالات الدكتور عبد العالي مجذوب في الرد على د محمد ظريف بعنوان "آراء شاذة لباحث متخصص". [email protected]