فطنَتْ تركيا إلى أن التبعيَّة للغرب ومسالمة إسرائيل ليست هي الطريق الوحيد للبقاء، وتحقيق أهداف التنمية، بل الحِنْكة السياسيَّة الفائقة وروح النديَّة هي التي بإمكانها تحقيق ذلك.. والسياسة التي تنتهجُها أنقرة في الفترة الأخيرة تبيّن ذلك بوضوح. وسواءٌ كان الباعث هو تقوية العلاقات مع العالم الإسلامي وتبني القضية الفلسطينية كانعكاس لإسلامية انتماء أردوغان وحكومته، أم هي محاولة للضغْط على الولاياتالمتحدة وأوروبا للحصول على مكاسب في ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد استطاعتْ تركيا أن تضغط على جميع الأطراف لتحقيق مصالِحِها تجاه أمتها الإسلامية وتجاه شعبها وكرامته، واستطاعتْ مع ذلك أن تكبِّد إسرائيل خسائر فادحة على الأقل على مستوى التعاطُف الشعبي بين الجماهير الغربيَّة، والذي تنفق عليه إسرائيل المليارات سنويًّا حفاظًا على أصوات الناخب الغربي المؤيّد للسياسات الداعمة لإسرائيل والمتعاطفة مع اليهود. حول هذه الاستراتيجية التركيَّة، نشرت جريدة (فيلت أونلاين) الألمانية مقالًا، هذه ترجمته: تجري محادثاتٌ مكثفة وراء الكواليس في (بروكسيل) حول وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع تركيا في ظلّ القلق المتزايد لدى دول الاتحاد الأوروبي من تحوُّل أنقرة باستمرار بعيدًا عن الغرب وبحثها عن علاقات أكثر قُربًا مع دول الشرق الأوسط، بل ومع جماعات إسلامية متطرفة أيضًا. يقول أحدُ المسئولين الدبلوماسيين الكبار في الاتحاد الأوروبي: "يجب أن نقدِّم عروضًا جديدة وذات مصداقية في قمَّة تركيا نهاية هذا العام على أقصى تقدير، مثل مناقشة بعض النقاط المهمَّة بالنسبة للأتراك في مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، إن تركيا لاعب دولي مهم، ولذلك يجبُ أن تأخذ دورَها المناسب في سياسة الغرب, ويمكن أن يكون جزء من هذه الاستراتيجيَّة الجديدة عبارة عن منْح حرية التنقل والحصول على التأشيرات داخل الاتحاد الأوروبي أو رفع درجة التمثيل الدبلوماسي". وقد كان قتلُ تسعة من الأتراك في 31 مايو أثناء العملية الدموية الإسرائيلية على أسطول التضامن مع غزة شرارةً جديدة لمزيدٍ من تردي العلاقات التركية مع الغرب، يقول إيجمان باجيز وزير الشئون الأوروبيَّة التركي: "لم نكن ننحازُ إلى أي طرفٍ فيما سبق، لكن اليوم تغير كل شيء, ومن الآن فصاعدًا لن تخضع تركيا مجددًا لسياسة الاتحاد الأوروبي في انتهاجِ سياسة التوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين". ومع قَصْف إسرائيل لحماس بالصواريخ في ديسمبر 2008 تعرَّضت علاقة إسرائيل وتركيا لمزيدٍ من التوتُّر، فلم يُعلِم رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الحين (إيهود أولمرت) رفيقه (رجب طيب أردوغان) بالرغم من نجاح أنقرة قبلها مباشرةً في تحقيق انفراجةٍ في محادثات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل. وقد وقَّعت تركيا مؤخرًا اتفاقيَّة لإقامة منطقة تجاريَّة حرَّة مع سوريا والأردن ولبنان، وصرَّح وزير خارجية تركيا (أحمد داود أوغلو) أن هذه خطوة أولى في سبيل تحقيق رؤية أكبر, هي تكوين تعاون مشترك في النواحي الأمنيَّة والاقتصاديَّة للمنطقة بين البَحْر الأسود وحتى خط الاستواء (في إشارة إلى الاتجاه ناحية إفريقيا) وفى إجابته حول التساؤل عن كَوْن هذه الاتفاقية تتعارضُ مع الطموح التركي إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي قال (أوغلو): "ليس بينهما أي علاقة". وقد لَخَّص (أوغلو) سياسته فيما مضى قائلًا: "لن تشعرَ أوروبا أنها بحاجةٍ إلى تركيا إلا عندما تصبحُ تركيا القوة الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط"، وهذا يعني أن طريق تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يمرُّ عبر توسيع التأثير التركى في المنطقة، وبحسب ما يرى المراقبون فإن أسهلَ الطرق لتحقيق هذه الاستراتيجية هو اتخاذ مواقف أكثر تطرفًا في مواجهة إسرائيل، فهذا يعطيها منزلة كبيرة في العالم الإسلامي. كما يمثِّل تعميق العلاقات بين تركيا والحركات الإسلامية المتطرِّفة جزءًا من استراتيجيَّة (أردوغان) المزدوجة، فبعد امتداح (أنقرة) لحركة حماس الفلسطينيَّة بأنها الحكومة الديمقراطية لقطاع غزة يجب الآن أن يقوم (أردوغان) رئيس وزراء تركيا بدعوة (حسن نصر الله) زعيم حزب الله اللبناني. وقد أعلن تليفزيون ((NTV التركي عن هذه الزيارة، مضيفًا أن خالد مشعل اقترح اللقاء بين أردوغان ونصر الله لترتفعَ شعبية (أردوغان) في العالم الإسلامي، ويزيد من ضغطِه على إسرائيل، ووفقًا للتقرير فإن حسن نصر الله سيكون في رحلته تحت حراسة فرقة تابعة للحرس الثوري الإيرانى. وقد صرَّح (نجم الدين أربكان) الذي قامتْ منظمته (ميلي جروش) بتنظيم قافلة (أسطول الحرية) إلى غزة معلقًا على المنطقة التجارية الحرَّة الجديدة قائلًا: "هذه الأحداث هي التي اضطرَّت الحكومة التركية إلى تصعيد الحملة ضد إسرائيل" وأضاف قائلًا: "إن المشكلة مع إسرائيل لا يمكنُ أن تُحلَّ بالكلام, ماذا يمكنُنا أن نفعل؟ سوف نؤسِّس الاتّحاد الإسلامي و(الناتو الإسلامي)، سوف نُجلي إسرائيل بجيش إسلامي مشترك قوامه مليار ونصف مسلم". هذه اللهجةُ "المتطرِّفة" أثارت القلق في (بروكسل) حيث يقول (ألكسندر لامبسرورف) خبير الشئون الخارجية في برلمان الاتحاد الأوروبي: "يجب وضع أُسُس جديدة للحوار مع تركيا" في الوقت نفسه تمارس واشنطن ضغوطَها على أوروبا حيث قال (روبرت جانس): "أنا شخصيًّا أرى أنه إذا كانت تركيا قد توجَّهت شرقًا فإن هذا سيكون قبلَ كل شيء بسبب أنها صدمت من البعض في أوروبا الذين يرفضون أن يضمَنُوا لها الارتباط العضوي مع الغرب، خاصةً وأنهم يطلبون ذلك". ّالمقال من مصدرهبالألمانية