حسب أمين المظالم « Alex Breninkmeijer » فإن النخبة السياسية الهولندية أصبحت عنصرية، وخصوصا ما يتعلق بسياسات الهجرة والاندماج، التي أصبحت تمييزية وضد مصالح المهاجرين، كما أن السياسة الحكومية الهولندية المتعلقة بالهجرة والاندماج، أصبحت منذ بداية الألفية الثانية متشددة ومعادية للمهاجرين. لقد لعبت الأحداث الإرهابية في شتنبر 2001، وكذلك مقتل المخرج الهولندي "تيو ڤان خوخ" « Theo Van Gogh » على يد المغربي محمد بويري، دورا أساسيا في التغيير الجذري الذي حصل على السياسة الهولندية في مجال الهجرة. يقف تقرير "مجلس أوروبا" المنجز في 15 أكتوبر 2013 على حالات حادة من التمييز ضد المهاجرين في هولاندا، والتي تدين السياسة الحكومية في مجال الهجرة والاندماج، التي تخرق وتنتهك حقوق المهاجرين بصفة ممنهجة، حسب التقرير. فمثلا ما يتعلق بسياسات اللجوء، فمسطرة طلب اللجوء والمتسمة بتعقيدها وصعوبتها موجهة لتجريم طالبي اللجوء، وإثبات عدم صحة المعلومات التي يدلون بها، وغشهم، وبالتالي الدفع بهم إلى أن يصبحوا مقيمين غير شرعيين في هولاندا، حتى تتمكن السلطات من اعتقالهم فيما بعد، وطردهم. حسب أمين المظالم كذلك، ففي سنة 2012 أعطى كل من وزير الهجرة والاندماج واللجوء، ووزير الأمن والعدل، ورئيس مجلس دوائر الشرطة، أمرا لإلقاء القبض على 4800 أجنبي، وتم إيداعهم السجن في ظروف صعبة للغاية، دفعت الكثير منهم إلى محاولة الانتحار. كما أن مصلحة الهجرة والتجنيس، تؤثر في الأحكام الصادرة بخصوص حالات المهاجرين المعروضة على أنظار القضاء. في سنة 2010 تم سجن 6100 أجنبي لمدة 76 يوما على الأقل، دون أي محاكمة، بل ودون أي اتهام. فيما يخص المهاجرين المقيمين بصورة قانونية، فالبرامج والسياسات الحكومية، يمكن اعتبارها تمييزية وتخرق الكثير من مواثيق حقوق الإنسان، فالكثير من المهاجرين يفرض عليهم متابعة دروس الاندماج والمواطنة من أجل استيعاب ما يسمونه بالثقافة الهولندية. ويتوقف استفادتهم من عدد من الحقوق، كحق الإقامة، والمساعدة الاجتماعية، والتعويض على البطالة، على نجاحهم في امتحانات دروس الاندماج. حتى أن الحكومة تحاول فرض تعلم اللغة الهولندية على الجيل الأول والثاني، رغم أن أغلبهم أصبح متقاعدا، والكثير منهم أميون أو ذوو مستوى دراسي متواضع. كما يتم بصورة منهجية تجريم المهاجرين، لتسهل متابعتهم قضائيا وطردهم خارج هولاندا. هل يمكن إدراج هذه السياسات في إطار العنصرية؟ يذهب بعض المثقفين الهولنديين إلى نعت وتبرير هذه السياسات بما يسمى "العنصرية الثقافية"، بمعنى القطيعة وانعدام التواصل بين الثقافات المختلفة للمهاجرين وبين الثقافة الهولندية. وهذا الرأي يتبناه « Yanow Vander Haar ». غير أن بعض الأكاديميين الآخرين يعطون تفسيرا آخر للوضع، فهانس سيبرس « Hans Siebers »، وهو أستاذ بمعهد الدراسات الثقافية التابع لجامعة "تيلبورغ" يقوم بتحليل عميق للوضع، ويميز بين مفهوم العرقية والعنصرية في هولاندا، ونظيرتها في دول غربية أخرى كالولايات المتحدة، وبريطانيا مثلا. ففي هولاندا يتم التمييز بين مفهومين: - عرق / عنصرية - إثنية / ثقافة. على عكس بريطانيا مثلا التي تجمع الجانبين في مفهوم واحد. ففي هولاندا يمكن الحديث عن الإثنية الثقافية دون حرج، وهي تدخل في إطار السياسات العامة الرسمية، غير أن مفهوم العرقية التي تحيل على العنصرية، وعلى حمولات قوية مرتبطة بالإبادة التي تعرض لها اليهود في أوروبا، فهي من المحرمات والخطوط الحمراء التي لا يجوز شرعنتها ولا تضمينها في السياسات الحكومية العامة. وهذا الربط بين العرقية، واضطهاد اليهود، جعل منع وحظر العنصرية من الأسس القوية للمجتمع الهولندي. إذن فالتمييز العرقي أو العنصري محظور في السياسات والتصريحات والمواقف والآراء، غير أن إقصاء المهاجرين يتم شرعنته من خلال الترويج لاستحالة التواصل والتعايش بين ثقافتين مختلفتين جذريا. لقد نجحت هذه الأصولية الثقافية في السيطرة على الحياة السياسية الهولندية، وتمكنت من الإفلات من مفهوم العنصرية، وبالتالي من الحضر المفروض عليها. وأصبحت شرعية، وجائزة بل ومطلوبة لحماية الثقافة الهولندية من خطر الثقافات الأخرى، وأساسا الإسلام. ولذلك استطاعت هذه الأصولية الثقافية أن تبني نفسها على أنقاض التعددية الثقافية منذ ثمانينيات القرن الماضي، حينما كان المهاجرون ذوو الثقافات الأخرى يتم قبولهم وتجنيسهم ثقافيا في المجتمع كحاملين لثقافات مختلفة. أما الآن، فيتم التأكيد على أن ثقافات هؤلاء ليست فقط مختلفة، وإنما متعارضة ومتناقضة مع الثقافة الأصلية. ومن هنا اكتسبت الأصولية الثقافية قوتها وشرعيتها في هولاندا، فهؤلاء المهاجرون يعانون من تأخر على مستوى المشاركة الاجتماعية بسبب ثقافاتهم، ومن هنا أصبح تبني سياسات الاستيعاب الإجباري له، بواسطة التعليم ودروس الإدماج والمواطنة، أمرا ممكنا وشرعيا وحتميا. وهذا التوجه يدافع عنه ڤيلدرس بشكل صريح وقوي. إذن، يمكن القول أن الطبقة السياسية الهولندية أصبحت تمييزية على المستوى الإثني الثقافي، فكل الأحزاب السياسية تبنت بشكل أو بآخر هذا التوجه.