هل فعلا العدالة والتنمية على خلاف مع الأصالة والمعاصرة؟ منذ أن دخل مؤسس الأصالة والمعاصرة غمار الصراع الحزبي والانتخابي، دخل في صراع هو وحزبه مع حزب العدالة والتنمية، ومنذ سنة 2007 لم يكف قادة العدالة والتنمية عن التصريح بأن المشروع السياسي لصديق الملك يستهدفهم أساسا. لكن بين الحين والآخر يظهر إلى العلن من المواقف ما ينسف هذه الفكرة، فتثور الشكوك بخصوص العلاقة الملغزة بين ثالوث العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، وكل ما يدخل تحت خانة الفساد والاستبداد. مؤخرا نشر الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بالرحامنة، مقالا يبين فيه أن السياسة، وفق تصور حزبه، لا تعني اجترار الكلام المتداول بخصوص الموقع المميز لدى السلطات الذي يحظى به حزب الأصالة والمعاصرة في معقله، وأوضح أن غريم العدالة والتنمية هو الفساد والاستبداد فقط، دون أن يربط هاتين الصفتين بالبام جريا على عادة قيادات العدالة والتنمية. هذا الموقف خيب آمال الكثيرين، ممن كانوا يعلقون الآمال على العدالة والتنمية، لعله يصطف إلى جوارهم في صراعهم ضد ما يعتبرونه تغولا للبام في منطقة الرحامنة، وفي مدينة ابن جرير تحديدا، وكشف لهم انه لا يعول عليه في حرب انتدب نفسه لها، حسب ما عبر عنه ناشطون سياسيون من ذات المنطقة. بخصوص الأداء الجماعي والسياسي لحزب الأصالة والمعاصرة في معقله، ينقسم الرأي العام إلى فريقين، ولكل بواعثه المختلفة. الأول ينسب كل "إنجاز" من أي نوع للحزب، وللرجة التي أحدثها، وللجدل الذي أثاره منذ أن وفد على الحقل الحزبي المغربي، أما الفريق الثاني فيرى أن هناك كبوات وتعثرات في التجربة تقوضها وتنعش الفساد بمختلف مستوياته وأشكاله، ولعل مظاهر الاغتناء بلا سبب التي يسجلها الساكنة على بعض المنتسبين إلى الجسم الجماعي والسياسي للحزب المذكور تزكي تلك الأطروحات، في حين تدعم التحولات في المظهر العام للمدينة موقف الفريق الأول بشكل أو بآخر، وبصرف النظر عن مصدر تلك التحولات، فهذا الفريق يعتبر أن السياق بأكمله يحسب لحزبهم، وهذه القراءة مقبولة سياسيا، لكن من حيث تقييم التدبير الجماعي فإنها تطرح أكثر من علامة استفهام. وبالرغم من أن هذين الفريقين يتموضعان على نحو غير منظم، بحيث يمكن إيجاد تمثيل لهما ضمن كل مؤسسة حزبية وضمن باقي مؤسسات المجتمع المدني، ويختلف المنتسبون إليهما في مستوى الدفاع عن تصوراتهما. إلا أن حزب العدالة والتنمية يصرف النظر عن كل هذا، ويطفق صامتا عن الانحياز للخطاب الذي يتبناه وطنيا، مما بات معه جليا أن المسألة مسألة شعارات وعموميات، يكذبها الواقع الملموس، بحيث أن العدالة والتنمية يصارع الأصالة والمعاصرة على المستوى الوطني، ويغازله في أكثر الأماكن إثارة للنقاش حول علاقة الحزب بالفساد!. يتمتع حزب الأصالة والمعاصرة بمكانة متميزة ضمن مجاله الحيوي ومعقله، وتأتي تلك المكانة من العلاقة التي يدعيها أقطابه بمؤسسه فؤاد عالي الهمة، وتصديرهم كل قراراتهم ومواقفهم باسمه، الأمر الذي يعطي الحزب إقليميا قدرة التقاط كبيرة وجذب لهرم السلطة عل مستوى الإقليم صوب محور الحزب، إلى الحد الذي يدفع بعض النشطاء كي يعتبروا عامل الإقليم عضوا في الحزب، وليس على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والمكونات. حزب العدالة والتنمية غائب تماما عن المشهد، وأول مرة يعلن فيها موقفا يكون اقرب إلى مواقف بعض الدائرين في فلك الأصالة والمعاصرة. وإذا صعدنا من الميكرو إلى الماكرو، سنكتشف مجددا أن لا صراع بين الحزبين حول قضية الفساد أو غيره، فلا يكاد يميز المرء بين مواقف الحزبين من القصر، بحيث أن حزب العدالة والتنمية الذي أسسه الدكتور الخطيب الرجل المقرب من القصر لا فرق بينه وبين حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه فؤاد عالي الهمة رجل القصر، فلا يتعدى كونه صراع أجنحة داخل نفس المشروع!. فإذا نظرنا إلى هذا الصراع باستحضار الطبيعة البرغماتية لذهنية الإخوان المسلمين، والتي يجسدها دفاع بنكيران عن الملك الذي يفوق من حيث اللهجة أسلوب نخب المخزن أنفسهم، سنكتشف انه صراع ربما حول احتكار مشروع القصر، لكن الفرق الوحيد هو أن حزب الأصالة والمعاصرة كغيره من الأحزاب، هو تجمع لذوي المصالح وليس لذوي العقائد، أما العدالة والتنمية ذو المرجعية الإخوانية، فهو ينتهز الفرص أثناء القرب من القصر، ويخبئ مشروعا أمميا حالما، بمجرد ما تتوافر الشروط لتنزيله سيتخلى عن كل دفاعه المستميت عن الملكية وتقديمها كأفضل ما في المغرب!، وسيعود إلى عباءة الإخوان المسلمين. ليس غريبا ولا جديدا على الإخوان المسلمين تغيير مواقفهم حسب الضرورة، ذات يوم قالوا أن الله مع الملك حينما كان المصريون مع النحاس، فروح المشروع الإخواني ليست هي الحرب على الفساد، ولا إنتاج السياسات والأفكار. هم يتعاملون ببرغماتية وبمنطق التقية، ويتصرفون أينما وجدوا حسب الشروط المحيطة بهم، لذلك قد يستغرب من لا يعلم طبيعة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أن أشخاصا مثل اردوغان وخيرت الشاطر وراشد الغنوشي وعبد الإله بنكيران ينتمون إلى نفس الخط الفكري والسياسي، فروح مشروعهم هي الوصول إلى السلطة ومن ثم إعادة ضبط هوية المجتمع، وإعادة النظر في رغبات الأفراد، مشروع كل همه الصدام مع المجتمع الإسلامي/الجاهلي!. فهل سينجحون في تحقيق حلم حسن البنا وسيد قطب؟، سيما وأن المسلمين حينما يُعييهم الفساد يهرعون إلى رجل "التقوى" ظنا منهم انه "يخاف الله" ولن يسرق قوتهم أو يكذبهم القول. في حين يجزم هذا الأخير أنهم يريدونه لإحقاق شيء آخر يحلم هو به، لذلك لا يتأخر هذا المشروع كثيرا قبل أن ينكشف أمام الناس بأنه كاذب في حربه على الفساد وكاذب في ادعائه "الانتصار للإسلام".