عرف المغرب مع حلول الألفية الثالثة . شأن العديد من الدول، تحولات وانتقالات تختلف حدتها وقوتها ، حسب سياقاتها،كما انخرط المغرب بوعي وبمسؤولية في دينامية الدمقرطة والتنمية المستدامة.وهو انخراط يضعه أمام رهانات متعددة تستدعي تفكيرا هادئا ومتبصرا في آفاقها المستقبلية حيث يتقاطع فيها المحلي مع الإقليمي وكذا العالمي، رهانات ما فتئت تلقي بظلالها على ربوع العالم. ولذلك يعد رهان التنمية أكبر تحد يواجه مغرب اليوم ، بحكم ما راكمه من سلبيات الماضي ،وبحكم ارتباط هذا الرهان باستحقاقات أخرى تتمثل في إرساء قواعد وأسس دولة الحق والقانون وترسيخ المجتمع الحداثي الديمقراطي ، الذي يضمن حقوق الأفراد والجماعات . كالحق في العيش الكريم و في التعبير والاختلاف..... لتحقيق العدالة الاجتماعية. إن الأمر لايتعلق هنا فحسب باستكمال الانتقال الديمقراطي.بل بتحقيق هذا المشروع المجتمعي وتأمينه ضمن سياق أوراش كبرى تهم قطاعات عدة كمدونة الأسرة ، وكذا حقوق الإنسان والمصالحة مع سنوات الرصاص ( هيئة الإنصاف والمصالحة) وإصلاح الترسانة القانونية وجعلها مواكبة للقوانين الكونية والمخطط الاستعجالي للتعليم (الخريطة الصحية) مشروع إصلاح القضاء والتخطيط لضمان استقلاليته وبالتالي نزاهته وأخيراً وليس آخر زيادة تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية............الخ. إن ربح رهان التنمية رهين بانخراط المغاربة بكل شرائحهم وانتماءاتهم فيه.ومن أجل تمكين المغرب من ذلك لابد من طرح قضية الشباب كطاقة فاعلة وكفئة مستهدفة في نفس الوقت . فالاحتفال سنة 2010 بالسنة الدولية للشباب والذي هو الاحتفال من أجل بناء المستقبل الذي هو صانعه "قوة الأمة في قوة شبابها" ، وفي عملية البناء هذه يصارع إكراهات وأزمات حاضرة بآليات مستحدثة قد تفتح إمكانيات جديدة و ايجابية في المستقبل وبمعطيات قد تعوق فرص التحديث وتحول دون تسريع إيقاع البناء من أجل المستقبل. فالشباب فئة اجتماعية تمتلك العديد من المقومات والخصائص أهمها ميزة الاندفاع والعطاء المتواصل حين تتوفر الشروط، كما أن العكس صحيح تتميز حين تتراكم عوامل الإخفاق .وفي بلادنا وخاصة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي طالت فئة الشباب هذه والتي تمثل قرابة ثلثي ساكنة المغرب انتكاسات وتهميشا مما حال بينها وبين الحد المطلوب من العيش الكريم ، ومجال التربية والتكوين والخدمات الاجتماعية ، والحرية في ثبات الذات وتأكيدها وتحرير الشباب من البطالة التي أفرزت ظاهرة الهجرة والمميتة ، فكانت الشبيبة بذلك ورقة خارج التنمية بل إنها لا تذكر ولا توظف إلا في مواسم الانتخابات كأبواق ومجال للدعاية والسبب راجع بالأساس إلى اختلاط الأوراق أمامها وانتشار اليأس في صفوف المتعلمة منها بسبب انتشار الفساد (الرشوة –الزبونية-استغلال النفود...). ويمكن كذلك تلخيص العوامل المسببة لبطالة الشباب في عدم ملائمة التكوينات المتوفرة لحاجات عالم الشغل بالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي والذي يبقى غير قادر على الرفع من الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني .بالإضافة إلى ضعف محدودية البرامج المقدمة من الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات والتي لم تستطع منذ إحداثها إلى توسيع مستوى مجال خلق المقاولات الصغرى والمتوسطة من طرف الشباب حامل الشهادات . لقد أشار تقرير 50سنة من التنمية البشرية أن المغرب الراهن ورش مفتوح لرهانات متعددة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية فان هاته الرهانات لن تنجح إلا بمشاركة وتفعيل دور الشباب في النشاط السياسي والجمعوي. فانتخابات 2007 أثبت أن مقاطعة أغلبية الشباب المغربي ظاهرة بررها أغلب المهتمين بأنها تعبير صريح عن موقف وليس مجرد إهمال نتيجة غياب واضح لأي إستراتيجية تخص الشباب. فعزوف هذه الشريحة الهامة عن العمل السياسي راجع لتراكمات كثيرة على جميع المستويات تتطلب مجهودات كبيرة للتغلب عليها. فنفور الشباب من العمل السياسي واكبه بروز الانخراط القوي للشباب في جمعيات المجتمع المدني ، باعتبار هاته الأخيرة تلامس قضاياهم ومشاكلهم مما يساعدها على التأثير في واقعهم وتخصص حيزا كبيرا من برامجها التكوينية لمحاور متنوعة خاصة الجمعيات الهادفة التي تركز على سبيل المثال على كيفية تكوين قيادة تشاركية- إدارة فريق عمل- التواصل التدبير الإداري والمالي- صياغة المشاريع و المرافعة وتأسيس مشاريع مدرة للدخل... دون إقصاء والمساهمة في تكوين معارفهم وتنمية قدراتهم وتأطيرهم والدفاع عن قضاياهم و بناء شخصيتهم وتشبعهم بقيم المواطنة و التضامن والالتزام والترسيخ لقيم التطوع والمسؤولية وفسح المجال أمام إبداعات الشباب وهوايتهم بشكل ايجابي. في غياب سياسة وطنية فعالة للشباب من الجهات الوصية. إن الشباب اليوم يحتاج إلى تجديد المرجعيات المجتمعية التي يقع عاتق بلورتها على المؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وجمعيات وإعلام وأحزاب سياسية وأندية ودور الشباب.... وبالتالي فتساؤلات الشباب يجب أن تؤخذ على محمل الجد وذلك أن كل إغفال لها، أو تعامل معها بنوع من اللامبالاة قد يساهم بالدفع بهذه الشريحة الاجتماعية نحو ضروب التطرف والعدمية، أو امتطاء قوارب الموت أو سقوط في استهلاك المخدرات..... أمام هذا الواقع وأمام هذه التحديات الكبرى وفي ظل عولمة كاسحة فان شبيبتنا مدعوة اليوم لانخراط القوي في الأحزاب السياسية والجمعيات للتعبير عن آرائها كي تمارس كينونتها وتحقيق انسانتيتها ومواطنتها و المشاركة الفعالة في تدبير الشأن المحلي وتأسيس منتديات وشبكات و مجالس محلية وجهوية ووطنية للشباب والانخراط القوي في تدبير الشأن العام لسماع صوتها كما نأمل بتأسيس برلمان الشباب للاستماع لأسئلتهم ومشاكلهم والدفاع عن قضاياهم . لأنني مقتنع أنه لايمكن لأي مجتمع أن يربح رهاناته في الحاضر والمستقبل في غياب سياسة واضح للشباب واستثمار طاقة هاته الفئة الحية بشكل ايجابي لبناء مغرب الغد مغرب الأمل.لأن مستقبل المغرب في شبابه. *طالب باحث [email protected]