تعد أغلب وسائل الإعلام محل إستغلال من طرف الجهات المحتضنة لها من حيث التوجيه العام المصلحي الهادف. فتجد إعلام الدولة ديموقراطية كانت أو ديكتاتورية تقيده سلوكيات تخدم مصالحها بحيث يتم تناول المواد الإعلامية بطريقة أحياناً تبرر توجهات النظام و أحياناً تروج لإديولوجيته و أحياناً أخرى تحارب التيارات المهددة له، وهكذا بالنسبة لإعلام الحركات السياسية و المنظمات المختلفة والشخصيات الغنية و غير ذلك. و إذا كان هذا الأمر في حد ذاته له تأثير على حيادية الإعلام، فإن هناك ما هو أخطر. و الأمر هنا يتعلق بوجود اعلاميين مثل الطفيليات التي لا تنحشر في موضع إلا وتركت فيه الضرر. وعلى هذا النحو تجد من الإعلاميين من يتطفل على مواضيع دون سابق بحث أو دراية مخلفين اضراراً جسيمة على مستوى ثقافة الجمهور. و في هذا المطلب مثالان على ذلك من الإعلام العربي – لغةً- الزاخر بهذه النماذج. من برنامج”في الصميم” يقف حسن معوض خلف محطتي بانوراما و ام بي سي اف ام الإذاعيتين التين يتابعهما كثير من المستمعين في السعودية، والإعلامي المذكور بحسب جريدة الشرق الأوسط حمل تجربة 25 عاما في اذاعة بي بي سي العربية في لندن، لينقل تلك التجربة البريطانية إلى العرب مخلفاً جيلا عربيا كاملا تثقف من برامجها 1. وهو الآن مقدم لبرنامج بيبيسي العربية "في الصميم". ولعل الحوار الذي اداره مع المفكر المغربي إدريس هاني حول التشيع في المغرب2 كان بمثابة الإنتحار الأكاديمي أمام متتبعي الحوار من أهل الإطلاع. أقول الإنتحار الأكاديمي لأن زلات الأكاديمي ليست كزلات السياسي، فالخطأ السياسي له بعد برنامجي بينما الخطأ الأكاديمي له بعد تكويني، ولا عيب في سقوط برنامج سياسي ما ولكن العيب في سقوط التكوين الأكاديمي و ضعف المؤهل العلمي. ولكي نكون أقرب إلى صورة إعلامي يتحدث فيما لا يفهم، لا بأس في عرض بعض ما صدر من حسن معوض من أخطاء تدل على جهله بموضوع يحاور فيه مفكراً من أهل الإختصاص. ففي سياق التحدث عن التشيع بالمغرب و في وقت كان السيد إدريس هاني يقول : "فيما يعنيني لا آخذ سنتي إلا من علي بن أبي طالب و من أهل البيت" قاطعه مقدم البرنامج المذكور بالقول:"يعني يعني لما ذكرت علي بن أبي طالب يعني لا تأخذها من النبي محمد ..السنة ؟" موحياً للمشاهدين فرضية كون الشيعة لهم سنة غير سنة رسول الله ص. و الأمر كما لا يخفى عن الجميع انما هو كون الشيعة يأخذون سنة رسول الله ص من علي ع و أهل البيت ع. فكيف خفي عن إعلامي أحاديث علي ع التي يرويها عن النبي ص وكيف خفي عنه شهادة الشيعة برسالة محمد ص في الصلاة قبل الشهادة بولاية علي ع ؟ وهل لهذا الإعلامي إطلاع على كتب الشيعة قبل تناول الحديث عن التشيع ؟ كيف يكون الأمر إذا سأل إعلامي سلفياً عما إذا كان يأخذ سنته من عمر و ليس من الرسول؟ فمعلوم أن الشيعي يأخذ سنة النبي من أهل بيت النبوة و السني يأخذها من الصحابة... و الذي زاد الطين بلة هو دخول حسن معوض الذي لا يفقه حتى العموميات في المذهب الشيعي إلى خصوصيات محملاً سمعته ما لا طاقة لها به. و زاده سوءاً سؤاله عن ولاية الفقيه في قوله :" أين يوجد الولي الفقيه الآن ..بالنسبة للشيعة.. للمواطنين الشيعة في العالم ؟ أليس في إيران ؟"، في تصريح لا يقبل التأويل بأن إعلامياً له 25 سنة أو أكثر يعتقد أن كل الشيعة في العالم يقلدون الولي الفقيه في إيران! و إن كل الشيعة في العالم يؤمنون بولاية الفقيه. و العجب هو أن اذاعة هذا الإعلامي نشرت عشرات المرات أخباراً عن الشيخ منتظري الذي له مقلدين من الشيعة 3 ينتقد فيها ولاية الفقيه. فهل قام هذا الإعلامي بإخراج منتظري و اتباعه من التشيع؟ كيف صار هذا الرجل إعلامياً وهو قاصر عن معرفة الأخبار المتداولة في موضوع ولاية الفقيه ؟ هذا وقد أعرضت عن التساؤل عما إذا كان هذا الإعلامي قد سمع بشورى الفقهاء لأني أشك في معرفته لصاحب أكثر من 1200 كتاب ومجلد المرجع الراحل الكبير السيد محمد الشيرازي طيب الله ثراه، فكيف بمعرفته لفكره ! إنه وبهذا يتبين أن حسن معوض أدار حواراً دون المستوى المطلوب. وهذا فيه خرق واضح لمهمة بببيسي المعلنة، والتي تتحدث عن الإلتزام بالإغناء والإخبار و التعليم والترفيه. و المثال الذي تم التطرق إليه لم نجد فيه سوى عكس ذلك من افقار و تعتيم و تجهيل و تبئيس . و لا زال الأمر مستمراً.. من برنامج "حوار " يعد مصطفى العلوي صاحب تجربة أربعين سنة بالإذاعة والتلفزة المغربية. بدأ بقراءة الشعر والقصة والمسرح على أثير الإذاعة قبل أن يمر إلى تقديم نشرة الأخبار الرئيسية ومنها إلى تغطية الأنشطة الملكية وصولا إلى برنامج "حوار"4. في إحدى حلقات برنامج "حوار " عن الحقل الديني في المغرب 5 قال مصطفى العلوي كلاماً عن التشيع لا يليق بأهل الخبرة في ميدان الصحافة. و هو أشبه بالكلام الذي يدور في المنتديات وغرف الدردشة. و منه أنقل ما قاله لوزير الأوقاف المغربي السيد أحمد التوفيق : " الفكر الشيعي السيد الوزير..الخطورة ديله -أي خطورته- تكمن في إستعمال التقية..المتشددين السلفيين هدوك -أي هؤلاء - ظاهرين"، حيث أجابه الوزير قائلاً :" و مهما تكن عند امرئٍ من خليقة...وان خالها تخفي علي الناس تعلم" فتابع العلوي قائلاً عن الشيعة :" مدعومين بإمكانيات مالية و إعلامية كبيرة السيد الوزير"، وبعدها تابع الوزير قائلاً بأنه سيكون هناك تعايش مع كل هذا. فالملاحظ هو محاولة هذا الإعلامي تمرير فكرة مفادها أن الشيعة المغاربة أخطر من السلفية لأنهم يستعملون التقية. و المشكل هنا يكمن في كون هذا الإعلامي كصاحبه الأول غير مطلع على الأخبار المتداولة. فأنا أتسائل ما إذا كان مصطفى العلوي في عطلة خارج المغرب حينما كانت التحقيقات تجري على قدم وساق في حق المواطنين المغاربة الشيعة في مارس 2009 . فلو كانوا في تقية لما تمكن الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الاصولية محمد ضريف أن يتحدث عن واقع التشيع في المغرب، ولما تمكن أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية من إدلاء تصريح لجريدة "الشرق الأوسط" عن وجود المئات على حد علمه من المجموعات الشيعية 6. ثم كيف كان بإمكان الدولة التحقيق مع عدد كبير من الشيعة لو لم يكونوا معروفين في المجتمع؟ هذا إذا كان العلوي يقصد شيعة المغرب، أما إذا كان يقصد شيعة العالم، فهو في تناقض لأنه قد تابع بالقول بأن لهم إمكانيات إعلامية، وفي هذا اشارة خاصة إلى الفضائيات بإعتبارها المنفذ الأوسع الذي يطل منه المغاربة على التشيع العالمي . فلا يمكن الجمع بين القول بالتقية من جهة وبالإعلام من جهة اخرى لأن المتقي في شيء ما لا يطلع الناس عليه في الإعلام . أما إذا كان الحديث عن الخطر، فلا يمكن لعاقل أن يقول أن الشيعة في العالم يشكلون خطراً. دليلنا على ذلك ثبوت رجوع أعمال الإرهاب المنسوب إلى الإسلام إلى السلفيين عموماً و الوهابيين خصوصاً. وهذا الأمر لا يحتاج إلى دليل لأن الارهابيين الدينيين في المغرب والجزائر كلهم سلفيون، وفي مصر و العراق و إيران وسورية و باكستان والهند كلهم سلفيون. ويبقى من المؤسف طلوع اعلاميين بهذا المستوى على القنوات و هم يسعون في هدم المجتمعات بممارستهم للتضليل. أما بخصوص إمكانيات الشيعة التي صار يضخم فيها العلوي من دون دليل، فإذا كان المقصود الشيعة في العالم، فإننا لم نرصد أمراء شيعة بعشرات القنوات على غرار قنوات الغناء و التطرف الديني البتروليين. وكذلك لم نجد مساجد و مستشفيات و مدارس و جامعات تحمل أسماء الأمراء الشيعة وهذا للإشارة فقط. أما إذا كان الحديث عن إمكانيات الشيعة المغاربة فلا يمكن رصد شيء يذكر ما عدا موقع شخصيات الثقلين الشبه آلي الذي يوثق أعمال الشيعة المغاربة الأدبية ومنتدى واحد. فهل العاقل يدخل هذا مدخل الإمكانيات الهائلة؟ إن مثل هذه الطروحات تدل على عدم أهلية اصحابها لإحتلال مواقع إعلامية ذات صدى في المجتمعات. فمشكل التكوين الأكاديمي و المؤهل العلمي لا يزال حاضراً بقوة في الإعلام العربي. أضف إليه مشكل الأمانة العلمية الذي بإضافته يصير تناول مواضيع إعلامية مهمة بمثابة التطفل عليها، و كما جاء في المقدمة فإن التطفل أصل لظهور الضرر. [email protected] _ الهوامش: 1. الشرق الأوسط /6/17 2004 العدد 9333 2. حوار حول التشيع في المغرب، برنامج "في الصميم" بيبسي العربية 2010. 3. مثالان على تداول الأخبار بأن ليس كل الشيعة يؤمنون بولاية الفقيه :- آية الله منتظري ينتقد خامنئي بببسي العربية 00/08/08 - المرجع الديني منتظري يشكك بشرعية الولي الفقيه في ايران. العربية 31/08/09. 4. المساء : 12/01/ 2009 5.الحقل الديني في المغرب، "حوار " القناة الأولى 2010. 6.جريدة الشرق الأوسط 21/02/08