يُصادف السادس من يونيو من كل سنة حدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، قد يظهر الحدث متعلقاً بعدوان متغطرس ضد سيادة دولة ما، إلا أن ما تمّ توثيقه، يؤكد أن الأمور كانت أبعد من ذلك، وأن إسرائيل لم تكن لتجد الطريق سالكة للهجوم، إلا بسبب انقسام الصف العربي، خاصة داخل لبنان التي كانت مسرح معارك بين عدة أطراف استنجد البعض منها بالكيان الإسرائيلي لتحقيق النصر على مناوئيه. الأكيد أن قصة الاجتياح تعود إلى سنوات النكبة الأولى عندما اعترفت الأممالمتحدة بدولة إسرائيل وما تلاها من حرب بين دول عربية وإسرائيل سنتي 1948 و1967، إلا أن تقريب المعطيات يُرجع هذا الاجتياح إلى المواجهات الدامية بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية المسلحة في إطار ما يعرف بأيلول الأسود لسنة 1970، وذلك عندما طرد الملك حسين هذه التنظيمات من أراضي الأردن، بعدما ساءت العلاقة كثيراً بين الاثنين، وكثُّرت الاشتباكات بين الأمن الأردني والفصائل الفلسطينية. رحلت غالبية الفصائل الفلسطينية المقاتلة إلى لبنان، وتعزز وجودها هناك بفضل اتفاق القاهرة الذي مكّنها من الشرعية وسمح لها بالعمل الفدائي ضد القواعد الإسرائيلية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، إلا أن الخلاف بدأ يتسلل مرة أخرى بين الفلسطينيين وبعض التنظيمات اللبنانية. تصاعد الخلاف ليتحوّل إلى حرب أهلية مميتة اختلطت فيها التنظيمات ضد بعضها البعض، لكن بشكل عام المواجهة كانت بين الميليشيات المسيحية اللبنانية والميليشيات الفلسطينية المقاتلة. كانت الأولى مدعومة من الحكومة اللبنانيةوسوريا وحتى إسرائيل، بينما كانت الثانية مدعومة من الحركة الوطنية اللبنانية. يقسم البعض القتال بين حكومة يمينية ساعدتها سوريا وإسرائيل ومعارضة يسارية كانت ترتبط بشكل كبير بالقضية الفلسطينية. قُتل الآلاف من الجانبين خاصة بعد تطور القتال إلى مواجهات بين المسيحيين والمسلمين، وتطورت الأمور أكثر حتى داخل حلفاء الميليشيات المسيحية الذين انتظموا داخل الجبهة الوطنية، فقد غيّرت سوريا من موقفها وهاجمت القوات اللبنانية التي كانت تدعمها في البداية، وقامت إسرائيل بالدفاع عن هذه القوات. استمرت الأجواء في الكثير من التوتر المشحون بين الأطراف هناك لا سيما مع الاغتيالات المتعددة لقياديين من الجانبين، في وقت كانت ترى فيه إسرائيل أنه لا محيد عن تصفية الفصائل الفلسطيينة المقاتلة، ورغم الهدنة الموقعة بين الاثنين سنة 1981، إلا أن إسرائيل خرقتها أكثر من مرة. حاولت المملكة العربية السعودية إنقاذ الوضع من مزيد من الانفجار بمبادرة في السنة ذاتها، إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية رفضتها وكذلك فعلت إسرائيل، لتستغل هذه الأخيرة محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا من أحد الفلسطينيين، وتقصف بيروت قاتلة مئة شخص، وبعد رد منظمة التحرير الفلسطيني بقصف إسرائيل، أعلنت إسرائيل بداية الاجتياح يوم 6 يونيو سنة 1982. لم يكن وراء عملية الاجتياح سوى أرييل شارون، صاحب التاريخ البشع في قتل الفلسطينيين، حيث كان حيئنذ وزيراً للدفاع الإسرائيلي في حكومة مناحيم بيغين. لم تتوقف أهداف العملية التي منحتها الولاياتالمتحدةالأمريكية الضوء الأخضر في نزع سلاح منظمة التحرير الفلسطيني، ولكن كذلك إخراج القوات السورية من لبنان، وتنصيب حكومة لبنانية مسالمة لإسرائيل. قاومت منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الفصائل اللبنانية ومعها قوات الجيش السوري هذا الاجتياح، إلا أن قوة العتاد الإسرائيلي ساهم في وصول القوات المجتاحة إلى العاصمة بيروت في ظرف ثلاث أيام، وبعدها بخمسة أيام، وبالضبط في 14 يونيو، تتمكّن القوات الإسرائيلية من الدخول إلى شرق بيروت، لتحاصر غربها حيث تتواجد الفصائل الفلسطينية، ويستمر الحصار الذي منعت فيه إسرائيل كل أنواع المعونات الإنسانية إلى غاية نهاية شهر غشت من السنة نفسها. كانت نتائج الاجتياح الإسرائيلي كبيرة، فقد تمّ ترحيل آلاف المقاتلين الفلسطينيين من بيروت إلى دول عربية متعددة، وتجاوز عدد القتلى 30 ألف من المدنيين، وبعد نهاية الحصار تمّ اغتيال بشير الجميل أياماً قليلة بعد انتخابه رئيساً للبنان بسبب مواقفه المنحازة إلى إسرائيل، فضلاً عن انعقاد قمة فاس في 6 شتنبر 1982 التي أقرّت مشروع السلام مع إسرائيل. ومن نتائج هذا الاجتياح كذلك، أن استغلت إسرائيل خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، ومنحت لميليشيات لبنانية يقودها حزب الكتائب اللبناني، فرصة الانتقام لمقتل بشير الجميل، ليتم ذبح أزيد من ثلاثة آلاف مدني بمخيمات صبرا وشاتيلا، غالبيتهم من الفلسطينيين. لم يتم تقديم المتسببين بالمجزرة إلى العدالة، وساهمت إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة في عرقلة جهود التحقيقات، كما مُنح أرييل شارون، بعد مرور سنوات على هذه الواقعة، فرص شغل مناصب أكبر داخل الدولة الإسرائيلة، في تغاضٍ واضح عن مسؤوليته المباشرة في توفير الغطاء لمن قام بالمجزرة المروّعة. وبعد مرور ثلاثين سنة على الاجتياح، لا زالت التوافقات اللبنانية هشة خاصة مع استحضار اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني في سنة 2005، إلا أن نقطة الضوء هي تمكّن تنظيم للمقاومة، هو حزب الله، من إجبار إسرائيل على مغادرة الجنوب اللبناني سنة 2000، وتكبيده لها لخسائر مهمة في محاولتها الثانية اجتياح لبنان سنة 2006.