تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لشبان جهاديين من جنسيات مغربية ، جزائرية ، تونسية وسورية يقاتلون في صفوف "داعش" اعتقلتهم عناصر "جبهة النصرة" وقد أنزلت لهم سراويلهم في إهانة إليهم بتجريدهم من رجولتهم قبل أن تجهز عليهم . ما يثير في الفيديو ، ليس عملية قتل الأسرى التي تحرمها كل الأديان وتمنعها كل القوانين ، كيف لهذه التنظيمات الإرهابية أن تصون دماء الأسرى وأعراضهم وقد تشكلت على عقائد سفك الدماء والتمثيل بالقتلى ؛ بل ما يثير ويؤثر في النفوس السليمة هو التضليل العقائدي الذي سقط ضحيته الشباب فتحولوا من أناس عاديين يحبون الحياة إلى قتلة وقد انتزعت من قلوبهم كل رحمة . إنهم شباب من كل الجنسيات وكل الثقافات سقطوا ضحية التغرير العقائدي الذي تَجنَّد له وتخصص فيه شيوخ ودعاة ينأون بأنفسهم عن روائح البارود وفظاعة الدماء والأشلاء وينعمون بملذات الحياة الدنيوية ، فيما فتاواهم كلها شرعنة للقتل وترغيب في الإرهاب باسم "الجهاد" ضد المسلمين . فمصر الشر هم هؤلاء الشيوخ المتطرفون الذين يشيعون ثقافة القتل ويحبون سفك الدماء إلى النشء مستغلين كل الوسائل والأساليب التي تساعدهم في فرص وصاية على عقول الضحايا وغسل أدمغتهم وأفئدتهم من كل قيم الخير والتسامح والاختلاف والحب والرحمة ليحولوهم إلى سفاحين وقتلة تشمئز النفوس السليمة من كل جرائمهم . ويتساوى في اعتناق عقائد الكراهية والقتل من تربون في بيئة إسلامية والذين تربوا في بيئة غربية بانفتاحها الثقافي وقيمها الإنسانية . فعقائد التطرف تفعل فعلها في عقول الشباب أيا كانت بيئاتهم الثقافية والاجتماعية . فقد كتبت صحيفة التايمز البريطانية في تقريرا لها أن أشد المسلحين عنفا ضمن الجماعات “الإرهابية” الأكثر عنفا في سوريا، المتهمة بقطع الرؤوس والصلب يحملون الجنسية البريطانية. وضع يدفع لمساءلة الحكومات العربية والغربية عن مسئولياتها في التغرير بالشباب عبر السماح لشيوخ التطرف بالإفتاء والحركة والاستقطاب . فلا يخلو مسجد من الدعاء بالنصر "للمجاهدين" في سوريا ومشارق الأرض ومغاربها ، ولا تخلو خطبة أو موعظة من التحريض على القتال في سوريا . وهذا ما اعترف به بيان مغاربة عادوا من القتال في سوريا حين أقر أن (فتاوى العلماء المتقاطرة.. كانت من أول ما شجعنا على عبور الحدود نحو المشرق خصوصا مؤتمر مصر الذي خرج بقرارات تدعو إلى النفير..". فمصدر الإرهاب الأول والأخير ، هم شيوخ التطرف وأمراء الدم الذين يهيجون مشاعر الغضب في قلوب الشباب ويحببون لهم القتل و"الشهادة" ويكرهون لهم "التخاذل" والتقاعس عن "نصرة" المسلمين في كل مكان . لهذا وجب تجريم فتاوى التكفير والتحريض على "الجهاد" ومحاكمة كل الشيوخ والدعاة الذين يفتون بها أو يروجون لها . فهؤلاء جميعا شركاء في العمليات الإرهابية ؛ بل إن الانتحاريين والجهاديين هم قبل أن يكونوا إرهابيين هم ضحايا هؤلاء الشيوخ التكفيريين . وطالما ظل شيوخ التطرف ينعمون بالحرية ، فإن أفواج الجهاديين والإرهابيين ستزداد رغم كل الإستراتيجيات الأمنية التي وضعتها الحكومات لمحاربة الإرهاب . لهذا يبقى الحل الأنسب لإسكات دعاة التكفير والتحريض على "الجهاد" هو تجميعهم من كل الدول وإرسالهم إلى جبهات القتال ليكونوا نموذجا في "الصمود" وليعطوا الدليل على أنهم يطلبون "الشهادة" فعلا وليس قولا . إن اعتقال الشيوخ يحولهم إلى أبطال أسطوريين ويجعلهم أيقونات "الجهاد" ونماذج يتمثلها الشباب المغرر بهم . لكن إرسالهم إلى مناطق التوتر ووضعهم في الخطوط الأمامية يواجهون أسلحة من غرروا بهم وأضلوهم وحرضوهم على "الجهاد" . إن هذا الإجراء سيجعلهم يدفعون ثمن فتاواهم ويقدمون العبرة لغيرهم . ولا يكفي إرسال الشيوخ إياهم إلى مناطق التوتر ، بل إرفاقهم بأبنائهم الراشدين يقاتلون إلى جنبهم ويتنافسون في حمل السلاح وفي طلب "الشهادة" . فلن يقدر خطورة فتاوى "الجهاد" إلا من اكتوى بنارها . فكل الأمهات بكين أبناءهن "الجهاديين" الذين قضوا في عمليات انتحارية أو مواجهات مسلحة ، إلا شيوخ التطرف والإرهاب يظلون في مأمن من الجوع والخوف و"الاستشهاد" رغم إلحاحهم على طلب الشهادة وأنها "ذروة سنام الإسلام" وأسمى فرائضه . على الحكومات ، إذن ، تلبي رغبة الشيوخ والدعاة في طلبهم "الشهادة" وتقدمهم وقودا لفتاواهم حماية لأمن الأوطان واستقرارها . وكما أن مكافحة الأمراض تبدأ من الأسباب ، فإن محاربة الإرهاب يجب أن تنطلق من الأسباب الفكرية/الفقهية التي يبثها الشيوخ. أن آفة الإرهاب ، ليس في الفقر ولا في الأوضاع الاجتماعية ، بل آفته في الخطاب الديني والثقافة التي أطرته وأنتجته . خطاب لازال أسير حقب تاريخية (غزو التتار والحروب الصليبية) طواها النسيان ولم يطوها الفقهاء . ظلت تلك الحقب تأسر الفكر والاجتهاد والإفتاء . فكل الفقهاء والشيوخ يفكرون من داخل بنياتها الفكرية والنفسية والذهنية ويشكلون وعيهم وفهمهم للدين وللعالم وفقها .