شكلت زيارة العاهل المغربي محمد السادس إلى تونس، حدثاً مغاربيا فهو أول زعيم عربي يقوم بزيارة رسمية لبلد انطلقت منه رياح التغيير والربيع العربي في العام 2011، وأول زيارة لما بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع زين العابدين وأول زيارة بعد إقرار الدستور التونسي الجديد الذي توافقت عليه جميع القوى السياسية التونسية، وأول زعيم عربي يخطب تحت قبة البرلمان الذي يحمل حاليا اسم المجلس التأسيس. في تونس استعمل العاهل المغربي، في خطابه في المجلس التأسيسي، عبارات خاطب فيها التونسيين باسمه وعبارات أخرى خاطب التونسيين بصفته ملكا للمغرب، ليؤكد بلغة صادقة على الشراكة المغربية التونسية من أجل المستقبل المشترك للاستجابة لتطلعات الشعوب وليس الأنظمة، في الفضاء المغاربي الموحد، كما أرسل الملك محمد السادس رسائل واضحة وقوية في نفس الوقت للجوار المغاربي المنغلق منذ سنوات طويلة، ما تسبب في جمود سياسي واقتصادي، ليس في مصلحة المغاربيين، كشعوب متطلعة إلى الأفضل. وبعد انتهاء الأنشطة الرسمية في زيارته إلى تونس، قام محمد السادس بمبادرة مان لها وقعها القوي في نفوس التونسيين، في سابقة أخرى من نوعها، بنزوله إلى الشارع التونسي للقاء التونسيين مباشرة، ودون بروتوكول، ودون تردد في السماح لهم بتوثيق لحظة لقاءهم بالملك في صور تغزو حالياً مواقع التواصل الاجتماعي، في أسلوب تواصلي جديد، يعتمده الملك في كل زياراته إلى الخارج منذ سنوات. وشكلت الزيارة الرسمية للملك محمد السادس إلى تونس، انزعجا للجزائر، المفضلة لخيار الدولة المهُيمنة في الاتحاد المغاربي، لتنطلق "حروب الإشاعات" بوجود خلاف بين الملك المغربي والرئيس التونسي، إلا أن هذه الإشاعات لم تجد لها صدى، بل أثبتت أن هنالك من يبحث عن تدمير "للمستقبل المشترك"، ومن لا يزال يفكر بمنطق بالأبيض والأسود، فإما أن يقوم فضاء مغاربي وفق رؤيته أولا لا مغرب عربي واحد، مع الوقوف في وجه تطلعات الشعوب المغاربية. فمنذ وصوله إلى الحكم، في نهاية تسعينيات القرن الماضي، اعتمد محمد السادس اتجاه الدول المغاربية سياسة "القلب المفتوح" و"اليد الممدودة"، و"التجاوب مع المبادرات الصادقة"، ليأتي الربيع العربي فينجح في إحداث تغييرات في تونس وفي ليبيا، ولتتحول هذه الدول إلى "سياسة للتقارب" مع الرباط، وإلى دول تبحث عن مصير مغاربي مشترك، إلا أن عدم حدوث أي إصلاحات أو تغيير في كل من موريتانياوالجزائر، جعل والجمود والتصعيد، من قبل الجزائر، نعوتا صالحة لتوصيف العلاقات بين المغرب مع الجار الشرقي. وفي نزاع الصحراء الغربية، كانت الجرأة أسلوب تدبير للملف، من طرف الملك محمد السادس، من خلال اقتراح المغرب في سابقة من نوعها، في السياق العربي والإفريقي، حلا بمنطق رابح رابح، عبر حكم ذاتي موسع تحت سيادة الرباط، إلا أن الجزائر لم تسمح للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف، لاتخاذ قرار بشأن مستقبلهم، والعودة الى وطنهم النغرب، فقدر الشعوب المغاربية أن تنتضر وقتا أطول لتحقيق تطلعاتها.