على مِنْوال ما قال الشاعر المغترب احمد مطر : "بيتٌ و عشرون راية"؛ واصفا بذلك واقع التّشرْذم الذي يعيشه الوطن العربي، بدوري أبيْت إلا أن أشير إلى إشكال آخر، له بعده الإسلامي عوض القومي. إن الأمر يتعلق بهلال رمضان، حيث يتّضح أن مفهوم "الأمة الإسلامية" كما يقول دكتور هرفي بلوشو : "تبقى مسالة قابعة في أذهان العرب و المسلمين ليس إلا". فهل فعلا "الإختلاف رحمة" كما يذكرون في الحديث الموضوع ؟ أم أن عبارة "صوموا" يقصد بها الأفراد و الجماعات و الأقطار ! أليست "الأمة" مترامية الأطراف ؟ لكن في المقابل لما هذه الفوضى العارمة، بحيث تصوم و تفطر دولة إسلامية بينما تمتنع جارتيها عن الشرق و الغرب ! أمّة مترامية الأطراف أم إختلاف مطالع الهلال ؟ لقد ثار نقاش قديم حول مسالة صيام المسلمين و إفطارهم في شهر رمضان٬ من خراسان إلى المغرب الأقصى، و بقي هذا الجدال دون حسم إلى حد الآن. فسالت نفسي بنفسي : أولا يكون لمسألة التشردم و الإختلاف جذور تاريخية ؟ إنه لا نقاش في قوله تعالى ׃ "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، و لا ضيْر فيما أخبر الصّادق الأمين ׃ "صوموا لرؤيته و افطروا لرؤيته" أي الهلال. بقدر ما تثار الأسئلة حول سبب انشطار المسلمين إلى فريقين أو أكثر، رغم أن الهلال واحد، و هؤلاء المسلمون فوق كرة أرضية واحدة من المفروض !؟ و العيب او العجيب في الأمر أن كل واحد من الفرق أسرع جاهدا يبحث له عن حجج و دلائل لدعم رأيه، مع العلم أن الدين ليس بالرّأي كما يقال و "الحق لا يكون إلا واحدا" كما قال ابن حزم. حقيق انه سبق في علم الله سبحانه٬ و في علم الرسول صلى الله عليه و سلم؛ عن طريق الوحي٬ أن الأمة ستترامى أطرافها شرقا و غربا٬ و لذلك لا يسوغ القول بظهور و استحداث نازلة لم يعرفها الرسول و لا أصحابه في أول وقت الإسلام. فلمّا قال الصّادق الأمين ׃ "صوموا" إنما كان يقصد الأمة جمعاء٬ لأن "الأمة" من الأمّ تحتضن أولادها؛ هى كالجسد الواحد أو "كالبنيان المرصوص"؛ وهو بذلك لا يخاطب الأفراد و لا الطوائف و الجماعات. إنما القول باختلاف مطالع الهلال على اعتبار علمي فلكي، هو في الحقيقة يعتمد شكل الخطاب لا جوهره؛ أي الذي يصوم في الشام ليس له أن يلزم من كان في الحجاز٬ كما قال ابن العباس لمعاوية. إن افتراقنا في فهم هذه الشعائر؛ التي ابتغاها لنا الحقّ سبحانه٬ غيّب لديدنا مقاصد العقيدة و الشريعة التي تنبّه إلى قدرها و فعْلها الآخرون؛ أمثال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسنجر ٬عندما تحدث عن القران الكريم و الجمعة ثم وقفة عرفة. أليس القرآن و وقفة عرفة واحدة !؟ معطيات لابد منها لكل هذه الأسباب قرّرتُ ترك قول ابن العباس لمعاوية؛ ما دام فيه معالم الفتنة التي أوْرثَتْنا تِباعاً أزمة عقل، لأجل إعْمال شيء من العقل مع الإستعانة ببعض المعطيات الضرورية لفهم الإشكال ׃ يوجد بين أقصى الشرق و أقصى الغرب فارق 12 ساعة فقط. من المفروض عندما تطلع الشمس أو الهلال على أنظار الناس في الأرض يتلقّونه تباعا و بانتظام. المسالة العلمية أو الكونية التي تقول باعتماد مطالع الهلال لا تكفي على اعتبار ان كل الشّعائر موحّدة زمانا و مكانا بل و جماعية. ثم القصد في الأخير من هكذا طرح إنما هو وجوب اتباع عاصمة الحزام الإسلامي أي مكةالمكرمة؛ فهي حين تبدأ الصيام أو تختمه؛ لكل جهة في العالم أن تتبعها مع احترام فارق الساعات طبعا و ليس فارق الأيام. هل السّيادة فوق العقيدة ؟ مع اختلاف المطالع و العقول، يثار أيضا مشكل السيادة و الحدود. بحيث نجد مدينتين حدوديتية ملتصقتين، إحداهما تتبع عاصمة البلد و التي تبعد عنها مئات الكيلومترات، لكي تصوم الأخرى مع عاصمتها هي الأخرى رغم أنها تبعد عنها أيضا مئات الكيلومترات ! من الذي ينكّص على الآخر حياته إذن، آالدن أم السياسة ؟ من الذي يتدخل في الآخر، آالدين أم السياسة؟ سؤال طرحه في موضع آخر الدكتور منير شفيق، ربما لأنه يرى الأمور من زاوية و بمنظار غير منظار الفقه الكلاسيكي. هذا و إلي أن يهلّ كلٌّ بهلاله، يبقى أنّ من كان يعبد الله فان الله واحد أحد، و من كان ينتظر الهلال فهو أمارة شاملة جامعة، إذا وُجد لزم امة سيدنا محمد؛ التي يقول فيها قرآنها الواحد ׃ "و أن هذه أمتكم امة واحدة"؛ أمة تقف وقفة عرفة واحدة، "كمثل الجسد الواحد"، فإن لم نتوحّد عقديا كيف للإقتصاد و السياسة أن يجمعنا ؟