جرت العادة أنه عندما يتقدم شاب لخطبة فتاة ، يتم الاتفاق على قيمة الصداق المقدم للعروس، على اعتبار ما حدده الشرع في هذا المجال، كقيمة نوعية تقدم للعروس، باعتبارها مقدمة على تحمل مسؤولية بيت ومن ثمة أسرة. وبالتالي ستصبح الراعية والساهرة والمربية، لما سيجود به بطنها من ذرية ،إن شاء الله . فإن أحسنت القيام بالدور ، فبه ونعمت. وإن أساءت، فتتحمل مسؤولية ذلك ، وتبعاته عبر الأجيال القادمة. وكما قال الشاعر : الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق. فكيف يحتفل المغاربة بالأعراس ؟ وما هي طقوسها ؟. وما العراقيل التي تحول بين الشباب وبين تأسيس بيت الزوجية ؟. قديما كان الاحتفال بالزيجات عن طريق القيام بطقوس بسيطة ، تتجلى في قراءة فاتحة الكتاب، بحضور أولياء أمور العروسين، رفقة الأهل و الأحباب، وإشهار الأمر في المحيط ، ثم القيام بحفل بسيط توزع على إثره كؤوس شاي، وتناول وجبة كسكس.. ، بعد أن يكون فقهاء مسجد الحي أو الدوار قد أكملوا قراءتهم لما تيسر من الذكر الحكيم .على إثر ذلك ينفض الحفل ،ويصحب العريس عروسه إلى بيت الزوجية حيث يبتدىء مشوار حياة انتقالية ، من عالم العزوبية إلى عالم الزوجية . كما يمكن إدخال العلاقة بين زوجي المستقبل في إطار التنافر ، بحيث لم يكن يعرف أحدهم الآخر، إلا بمتدخل أجنبي قد تكون الخاطبة، وهي امرأة مختصة في هذا المجال، يعرفها كل من يقطن بمحيط حيها أو دربها ، وقد تكون أم العريس قد شغفتها فتاة بحسن جمالها، وطيب معاملتها، وحسن سلوكها ، والمعدن الأصيل لنسبها.. في حمام الحي أو عن طريق مجال استخباراتي من نساء الحي . فتعقد العزم محملة بقوالب سكر، وتتوجه إلى دار العروس طالبة راغبة. هكذا كانت البداية ، وكان معها عش الزوجية ينعم براحة البال وطمأنينة النفس رغم شح المدخول وإكراهات حياة الرفاه . فالحياة كانت بسيطة في كل أمورها واحتياجاتها بساطة المواطن نفسه داخل بوتقة مجتمعية تؤمن بالتضامن والتكافل..ولها قناعة يقينية مستمدة من إيمانها القوي بما جاء به ديننا الحنيف في مجال العلاقات الاجتماعية و السلوكيات والعبادات... ماذا إذن عن طقوس الأعراس اليوم ؟. الكل يجمع بأن الحال ليس هو الحال ، وأن التطور الذي عرفه المجتمع المغربي في شتى المجالات والمناحي انعكس بدوره على الحياة الخاصة للأفراد و الجماعات. فالفرد كان لا يطيق العيش خارج "سربه" أسرته لتعوده على هذا النظام التكتلي الذي له من الحسنات ما يعضد أفراد الأسرة، ويجعلها تتضامن وتتكافل فيما بينها في السراء والضراء ، مما يخفف العبء، ويخلق جوا من الطمأنينة والسكينة والهدوء على المستوى النفسي والجسدي والفكري.. أما اليوم فأصبحت الفردانية سيدة الموقف نتيجة التأثر بالرياح الآتية من الغرب ، وأصبح معها البحث عن الذات في خضم التيارات الكثيرة والمتصارعة سواء على مستوى الفرد مع نفسه ، أو معه ومع أسرته، أو معه ومع مجتمعه. ماذا إذن عن المثبطات التي تعرقل مسيرة تأسيس عش الزوجية ؟. لقد أصبح المواطن يعيش نتيجة الوضع العام المتردي الذي يعرفه المجتمع نتيجة ارتفاع نسبة ازدياد متواترة وخاصة من الفتيات، ونتيجة بطالة ذوي الكفاءات من الحاصلين على الشواهد العليا ، ونتيجة الأمية التي ضربت أطنابها في مجموع مستويات الأعمار، ونتيجة أيضا سرعة الحركية التي تعرفها ميادين المال والأعمال والتي تدخل في العنوان الكبير وهو: الاقتصاد..واعتمادا أيضا على التوجه الدولي العام على المعرفة والاقتصاد باعتبارهما بوابتا الألفية الثالثة للنهوض بالمجتمعات من براثن الأمية والتخلف والجهل..وتغيير أنماط عيش ساكنة الكرة الأرضية على خلفية عولمة التوجهات الكبرى لدول العالم الحليفة والصديقة، و حتى العدوة ،بضخ الأموال في صناديقها الإنمائية للمبادرة في فتح الأوراش الكبرى المنتظرة لإعادة ترتيب البيوت الداخلية لكل مجتمع ، وكل وطن عبر نهج سياسة الاستهلاك بطرق علمية تتوخى الوصول إلى الأهداف المرسومة انطلاقا من تغيير برامج ومناهج التربية والتكوين لتساير الوضع المرغوب والمرجو لتحقيق الأهداف. هذا وغيره كثير مما أعاد خلخلة البنى المجتمعية، وعلى رأسها كيفية بناء عش زوجي ، واختيار رفيقة العمر التي ستوافق على امتطاء صهوة جواد الحياة الزوجية، انطلاقا من محددات متوافق بشأنها. لقد تغير الحال كما أشرنا، وأصبحت الزيجات لا توافق على إبداء الرأي من قبل الأهالي، نتيجة" التحرر" الذي خلفته رياح الغرب، ومعها الوضع التعليمي والتربوي السائد في المدارس والجامعات، حيث بدأ الشاب /الشابة يعتبر نفسه لم يعد قاصرا في اتخاذ قرار بشأن حياته، وأنه أصبح بفعل توفره على حد أدنى من الثقافة، يمكنه من وزن الأمور بكل عقل وروية..فالاختلاط في المؤسسات التعليمية وفي أماكن العمل الوظيفية، وفي المنتديات والملتقيات والجمعيات والأحزاب و..و... ضيق الهوة عن تلك التفاوتات التي كانت بين الشاب و الشابة في فترة من الفترات، وخلق شيئا من الحميمية للتعرف عن كليهما بطريقة مباشرة لا تحتاج إلى وسيط ، مما سهل عملية انتقاء زوج/ ة المستقبل عن قناعة ، وعن اقتناع بالمشترك بين الطرفين في كل ما يتعلق بحياتهما المستقبلية انطلاقا من قرار القيام بفرح العرس أو عدمه ، إلى الترتيبات الأخرى المتعلقة بالسكن، هل تتم بالتوافق مع أسرة كليهما، والإقرار بالتعايش مع الجو الأسري الذي تنعم به كل من أسرة العريس أو العروس ، أو من البداية التوافق على بناء عش أسري لبنة لبنة بعيدا عن كل تيار خارجي سواء كان الأسرة أو غيرها ؟. كما أن هناك العديد من الفتيات ممن كانت تحلم بفارس أحلامها وهو يحملها على براق محلقا بها في الأجواء، وملبيا لطلباتها فقط بأمره ليلبي بقوله : " شبيك لبيك كلشي بين يديك". فترى نفسها ممتطية سيارة "لاموزين" الفارهة رفقة عريسها، ومرتدية لباس العروس المذيل بأجنحة بيضاء، في طريقها إلى القاعة المخصصة للحفل، والتي يؤثثها الحضور المتنوع والمتميز، وفرق الفلكور تستقبل وطأة قدميها على البساط الأحمر بالنفير والطبل، ومطربون و مطربات يحيون حفلها التاريخي بأغاني " اداها و اداها والله ما خلاها "، وأسر العريسين ينعمان بالتبريك والتحايا ، والتقاط صور للعروسين رفقة الحضور عبر تقنية التناوب، وتقمص دور عارضة أزياء في ارتداء ألبسة العروس المتداولة في مجموعة من الأقطار تحت إشراف نكافة ، والحضور يتناول الحلويات ويشرب الأعاصير.. ويترفه بفعل الحفل البهيج . وعند استيقاظها تصطدم بصخرة الواقع التي تعيد لها عقلها، وتشد حبل تفكيرها بما يتطلبه الوضع الحقيقي . كم من فتاة كان يعتبر جمالها الذي أنعم الله به عليها نعمة ، فلم تعرف كيفية الحفاظ عليه فانقلب عليها نقمة ، لعدم حسن تصرفها،وانعدام معاملتها بالحسنى، حيث أصبحت من خلاله تلاعب وتتلاعب بالشباب الذين كان لهم حسن النية في الارتباط بها، اعتقادا منها بأن جمالها سيدوم، وستتزوج من الغني الذي سيوفر لها كل كماليات العيش الرغيد، ولكن مع توالي الأيام والسنون، تصبح تقلب في أجندتها القديمة، بعدما فعل الزمن فعلته، باحثة عمن تقدم لها في السابق فلم تجد الأثر لأي منهم، على اعتبار أن قطار الحياة السريع مرة في يوم من الأيام من هنا ، ولن يعيد الكرة . فتعيد القهقرى للندم بحسرة على ما فوتته من فرص ذهبية على نفسها. فتربط مصيرها بالعزلة، أو بالزواج من شخص يعاني الإدمان..فتبحر معه في بحر من المشاكل لا شط له. وهناك توجه آخر خلق نوعا من الزيجات الوظيفية حيث يعقد شاب موظف قرانه على شابة موظفة، لتمتعهما باستقلالية مادية ، مع بعض التحفظات بشأن الأزواج الذين و اللاتي مازال ارتباطهم / ن بذويهم، عن طريق خصم مبلغ شهري يصرف لهم ، بعد الاتفاق عليه بين الطرفين ، إلا أنه مع مرور الزمن يصبح هذا الالتزام في خبر كان نتيجة الظروف الاقتصادية التي يفرضها الواقع والتي تجعل أسعار المواد الغذائية في ارتفاع صاروخي ، والزيادة في الأجور ضرب من الخيال، فترتبك ميزانية الأسر بفعل الوضع المفروض ، وتبتدىء المشاكل في التناسل لتقوض مضاجع كل أسرة حديثة لم تنعم بالاستقرار لسنوات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن نسبة الملتحقات بالوظائف العمومية في السنوات القليلة الماضية أصبح يفوق الملتحقين من الشباب بنسب كبيرة ، كما أن نسبة ازدياد الفتيات كما أشرنا سالفا أصبح مضاعفا بالمقارنة مع الأطفال، فبنظرة مسحية لمؤسسات الدولة ، والمؤسسات الخاصة تلحظ أن نسبة الموظفات تفوق بكثير نسبة الموظفين وهذا بدوره عطل عجلة دوران تأسيس أسر جديدة ، نتيجة العطالة التي خيمت على الشباب ، ونتيجة أيضا الإكتفاء الذاتي بالنسبة للموظفين ، الذين يعتبرون أن أجرهم الشهري لا يمكنهم من فتح بيوت ،وتحمل مسؤوليات..، لذا يتم الانكفاء على أنفسهم ، والاكتفاء بحياة العزوبية إلى أجل غير مسمى. وفي هذا الإطار بدأت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني تشتغل على هذا التوجه، تارة بلبوسات أيديولوجية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المتعاطفين والملتحقين ب "الحزب" أو المصوتين بمنظور مستقبلي يتوخى الرؤية المستقبلية في تحديد التوجهات، وتحقيق الأهداف. وتارة أخرى بمعطف التضامن و التكافل مع الجيل الجديد الذي أدار ظهره لمؤسسة الزواج، لانعدام الإمكانيات والمتطلبات التي من شأنها يمكن فتح بيت، وتحمل مسؤولياته كاملة. كما لا ننسى المواسم المشهورة لمثل هذه التظاهرات والتي تدخل في نفس الإطار، أي التخفيف عن عرسان المستقبل متطلبات الزواج من مهر وصداق وشيء من هذا القبيل، فتتكفل جهة ما ( كالقبيلة أو الجماعة القروية أو..) بتنظيم أعراس جماعية، الهدف منها تخفيض مؤشر العنوسة وخلق رواج تجاري نظرا لأن المنطقة التي تقام بها مثل هذه التظاهرات تعاني الفاقة والفقر، وأيضا إشهارها عبر هذه الوسيلة انطلاقا من وسائل الإعلام التي تتابع الحدث وتغطي أحداثه، بجلب الأنظار من السياح بالداخل والخارج ، وهذا بالضبط ما كان لموسم إملشيل الذي أصبحت شهرته تفوق القارة العجوز ، بل تعدتها إلى أمريكا والدول الإسكندنافية.. حيث كل سنة يكثر المقبلون على الزواج ، ويكثر معهم السياح و الزوار لمتابعة الطرق التقليدية لمراسيم الزواج المفعمة بالتراث المحلي سواء على مستوى الموسيقى أو الطبخ أو الأهازيج أو الأفراح ، مما يخلق المتعة والنشاط لكل من يحضر هذا الملتقى. فهل الوضع المجتمعي وخاصة الاقتصادي للفئات العمرية من الشباب و الشابات يسمح باتخاذ مثل هذه الخطوات التي لا تكلف الكثير، بالمقارنة مع الأعراس الفردية الباذخة ؟. وهل الدولة ستشجع مثل هذه المبادرات، إضافة إلى المحسنين والميسورين و..و.. لفك عقدة إنشاء أسرة من قبل شاب/شابة مقبل على الزواج بتشغيله /ها ، إن لم يكن له/ها عمل، ومنحهما بيتا للاستقرار وبداية المشوار ؟. وهل مثل هذه الزيجات يكتب لها النجاح والاستمرارية ؟. وهل الزواج بالطريقة التقليدية يعمر على الطريقة المستحدثة ؟. كيف ؟ ولماذا ؟..؟؟؟. هذه أسئلة وغيرها كثير تطرح لإماطة اللثام عن موضوع شائك يدخل في صلب حياة الشبيبة التي تفكر في عقد قرانها، لتأسيس بيت الزوجية ، وعيش حياة هنية ، ملؤها الحب والاحترام والتقدير ، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة كما يقال، فما الحل ؟.