كثيرا ما يتردد بين الطرقيين وبين الباحثين أن الطرق الصوفية تتخذ من العمل السياسي موقفا محايدا ولا شأن لها إلا بالتربية والتزكية ويعتبر د.طه عبد الرحمان - من أتباع الشيخ حمزة البودشيشي - "التسييس" بمقتضاه العلماني - لأنه مبدأ مستمد من حركات غير دينية - آفة تضيق أفق دعوة الإحياء الإسلامي إن لم يخرج إلى نقيض مقصود الداعية الذي حاصر الدعوة بتسيسه ! والجدير بالذكر أن بعض الطرق الصوفية كالبودشيشية تعتبر إصلاح الوضع العام رهينا بإصلاح المجتمع و"وصله مع الله" بوساطة شيخ التربية "الداعية إلى الله بالحال قبل المقال"،"القطب الرباني" و"الغوث الصمداني" و"المأذون من الله ورسوله" وغير ذلك من المقاييس التي لا تتعلق إلا ب"الشيخ المربي" و"العارف بالله" ! وقد تكون حركة إسلامية ما ذات ثقافة صوفية كجماعة العدل والإحسان لكنها من منظور الطرق الصوفية حركة تسييسية تحاصر الدعوة بما اقتبسته من مبدأ التسييس من الثقافة العلمانية دون أن تتفطن له، ويروج بين مريدي الطريقة البودشيشية أن الشيخ عبد السلام ياسين انتحل "المشيخة" ويدعي "المعرفة بالله" وهو الذي "لم يذق في الطريقة شيئا" أي عندما كان مريدا للشيخ العباس البودشيشي فانقلب على ابنه حمزة بعد توليه كرسي التربية وأسس جماعته أو حركته التسييسية ! وانطلاقا من هذه النقطة بالذات تتضح وظيفة الطرق الصوفية في مواجهة القوى الإسلامية المناوئة للنظام ، هذا فضلا عن تدخل الولاياتالمتحدة بعد أحداث 11 شتنبر للحد من المد الإسلامي بشقيه المعتدل والمتطرف وذلك بالإستفادة من أدبيات هذه الطرق وترويجها وتشجيعها كما تبينه مبيعات الكتب الصوفية في الغرب ومنح الحرية للصوفية في إقامة طقوسهم وحضور بعض الأجانب في مواسم هذه الطرق كما هو الحال بالنسبة للسفير الأمريكي السابق بالمغرب "توماس رايلي" الذي حضر وعقليته لزيارة الشيخ حمزة في المولد النبوي عام 2006 وكذلك نظره السفير الأمريكي في مصر و كذا حضور المستشار الثقافي في السفارة الأمريكية في القاهرة لإحدى مناسبات المولد النبوي! والأنظمة العربية في الآونة الأخيرة أولت الإهتمام بعد صدور تقرير مؤسسة "راند" التابعة للبنتاغون-الذي صنف الإسلاميين إلى متشددين ومعتدلين والصوفية على رأس المعتدلين- للطرق الصوفية وعينت عددا من مريديها في مناصب الدولة ففي المغرب مثلا تم تعيين أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف رغم عدم تخصصه في العلوم الشرعية وإنما في التاريخ والذي بدوره عين عددا من "إخوانه في الطريق" في وزارته، وفي مصر عين أحمد الطيب خلفا لطنطاوي شيخا للأزهر والذي عين أيضا عضوا للمجلس الأعلى للطرق الصوفية بالتعيين وشيخ "الطريقة الأحمدية الخلوتية" خلفا لوالده مؤسس الطريقة الخلوتية، والجدير بالإشارة، وهنا نقطة إلتقاء الأزهر مع دار الحديث الحسنية، أن الولاياتالمتحدة ألحت على تعديل مناهج التعليم الديني فكانت استجابة الأنظمة بتعيين مريدي الطرق الصوفية على رأس أهم مؤسسات التعليم الديني، ويذكر أنه دخلت منظمات غربية إلى الأزهر بدعوى التعاون، وفي دار الحديث الحسنية بالرباط والتي خرجت مئات من المتخصصين في الشريعة، عين الأكاديمي الأمريكي "كامبييز كانيبا سيري" مديرا للشؤون الأكاديمية والذي ترك المنصب بعد الضجة الإعلامية عائدا إلى واشطن ليشغل منصبا بوكالة الإستخبارات الأمريكية المركزية "سي أي إي" ! هذا كله في ظروف معاناة المسلمين من بطش الولاياتالمتحدةالأمريكية ! فتأمل !..فإذن الطرق الصوفية لها بعد استراتيجي في السياسة الدولية بتدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، هذا فضلا عن تحول التدين عند هذه الطرق إلى موالد وموائد وأوارد وخضوع للشيخ والتزام ب"إشاراته الربانية " و "تخطيطه الإلاهي" ، ولاشك أن لهذا تأثيرا وانعكاسا على السلوك السياسي للأفراد ! فكم ستبتهج الأنظمة حين يغرر بثلة من الشباب ويقذف بهم في أتون الأوهام ليساقوا بعد ذلك إلى صناديق الإقتراع، وإن لم يساقوا فقد كفيت شر سلوك سياسي واع ..نحن نتحدث هنا عن إيديولوجيا سياسية خطيرة تتبناها الطرق وتقدمها قربانا للأنظمة والحكومات ! إن الطرق الصوفية خاصة التي استقطبت شريحة واسعة من الشباب كالطريقة القادرية البودشيشية التي ينتمي إليها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وتحتضنها "إمارة المؤمنين" تقوم بدور التنشئة السياسية للمريدين وهي لذلك قناة من قنوات التنشئة السياسية فضلا عن التعليم والأحزاب. والزوايا عموما تدخل في حقل سياسي كقناة تواصلية للنسق السياسي المغربي، فلأن الزاوية تعبر عن ثقافة سياسية فهي تندرج ضمن مستوى "التحكيم" إلى جانب المستويين السياسيين الآخرين وهما مستوى "إمارة المؤمنين" حيث يعبر "العلماء" عن نمطه السياسي ومستوى "الدولة الحديثة" حيث الأحزاب والنقابات، والملك له القدرة على خلق التعايش بين هذه المستويات دون أن يسمح باختلاطها أو امتزاجها بينما الملك حاضر في جميعها. وحسب الدكتور محمد ضريف " نجد الملك يتصرف أحيانا في إطار حقل الدولة الحديثة مثلا كرئيس دولة ومرة أخرى كأمير المؤمنين ومرة ثالثة كحكم ". إن الطرق الصوفية تنتج قيما سياسية عليها تنشئ مريديها كحب الوطن والتسامح والتعاون وأيضا تزكية الحكومات والأنظمة والخضوع للشيخ والتسلط والإنعزال عن مشاكل الحياة، والممارسة الحياتية السلبية، ويشير تاريخ علاقة المتصوفة بالسلطة السياسية إلى أنهم كانوا مداهنين لها أكثر مما كانوا معارضين لها أو منددين لظلمها وطغيانها ! [email protected] http://elmeskaouy.maktoobblog.com face book : hafid elmeskaouy