للأخلاق دور أساسي وحضاري في تقدم الشعوب ونهضتها، ولقد أكدت التجارب الإنسانية والأحداث التاريخية على أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب وتقدمها ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة والسلوك الاجتماعي السليم.. وأن انهيار القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها وفساد سلوكها، ومتناسب معها.. فبين القوى المعنوية وفضائل الأخلاق ومحاسن السلوك تناسب طردي دائما ؛ لذا حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق" وجميع العبادات والطاعات التي فرضها الله على عباده المؤمنين تؤدي في النهاية إلى تزكية النفوس وطهارتها من الدنس والحقد والغل والنميمة والكذب والزور والبهتان..قال تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وقد جاء في حديث قدسي يرويه لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب " فالمسلم الشرير الذي يؤذي جيرانه حكم عليه الإسلام حكما قاسيا فيقول فيه الرسول (ص) : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله ،قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" أي شروره. وورد عن رسول الله (ص) أن رجلا قال له: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال:"هي في النار" وفي هذه الإجابة تقدير لقيمة الخلق العالي في الإسلام ، روى مالك:أنه بلغه عن يحيى بن سعيد : أن عيسى عليه السلام مر بخنزير على الطريق، فقال له: ا نفذ بسلام!فقيل له: تقول هذا لخنزير؟!فقال:إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء!. ومن أجل ذلك وسع ديننا الإسلامي في دلالة ومفهوم الصلاح والصدقة فقال (ص) :"تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة،وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ،وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصرلك صدقة"، كما أن الإسلام اعتبر الحبّ قيمة جليلة عُليا وهدفاً سامياً في حياة البشر ، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه ، وتكوينه في النفس البشرية ، وإشاعته في المجتمع ، وبناء الحياة على أساس الحبّ والمودّة، وبه يسعد الفرد والأسرة والمجتمع، وعلى هذا يمكن القول الإسلام هو الحب، والحب هو الإسلام ، وهو المقصد الذي يريد الله تحقيقة في دين الإسلام، هو الحب.. حبّ الله ، وحب رسول الله ، وحبّ الخير ، وحبّ الإنسان، وحب النباتات والحيوانات وجميع ما خلق الله في الكون حتى الكلاب والخنازير والقطط والعصافير والحشرات.. نالها هذا الحب في شريعة الإسلام، ولذلك كثر الحديث عن الحيوان وحقوقه في كثير من الأ حاديث النبوية الشريفة ومجالات التشريع الإسلامي، حتى إن عددًا من السور في القرآن الكريم جاءت بأسماء الحيوانات، مثل: سورة البقرة، والأنعام، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل... يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا ، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السّلام بينكم". وجاء في الحديث الشريف ونصّه : (مِن كتاب المحاسن) ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له ، قال لزياد : "ويحك هل الدِّين إلاّ الحبّ ، ألا ترى قول الله عزّ وجلّ : إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم . أوَلا ترى قول الله عزّ وجلّ ، لمحمّد : حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم . وقال : يحبّون مَن هاجر إليهم . فالدِّين هو الحبّ ، والحبّ هو الدِّين". و يقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وجاء عن سيدنا المسيح عليه السلام: "إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لان من لا يحب اخاه الذي ابصره كيف يقدر ان يحب الله الذي لم يبصره". (يوحنا 4:20) . أين نحن أيها الملتزمون من هذه الأخلاق الكريمة والتعاليم النبوية الشريفة ؟ ، وما قيمة لحانا في وجوهنا ؟ وما الفرق بينها وبين لحية فيدل كاسترو وكارل ماركس، ونفوسنا تقطر سما وحسدا وبغضا على عباد الله المؤمنين، ناهيك عن سفك دماء بعضنا بعضا أمام أعين العالم "وكاميرات" رب العالمين .؟! إذا لم يكن قلب المسلم محلى بمحبة إخوانه وأصدقائه وعائلته وأمه وأبيه وجيرانه وأبناء وطنه وحيه ومدينته وولي أمره وجميع مخلوقاته، فما قيمة التزامنا إذن بسنته صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يتعلق بتربية اللحية وجعلها هي محور الدين وركنه الركين وحالقها كافر في نار الجحيم..؟! علما أن رجال الدين اليَهود يُربّون لحاهم، وكذلك بعض الفرق الدينية المسيحية، وأكثر المُلحدين اشتهروا بطُول اللحى، بل أنَّهم جَعلوها عَلامة تَميّز، لا عَلامة تَقوى ووَرع ومخافة الله !! هذا وقد ذهب صاحب كتاب "اللحية في ضوء الكتاب والسنة" أن اللحية في ديننا الإسلامي واجبة وحالقها كافر بقَوله: "..ويُحرَّم حَلق اللحية، ولا يَفعل الحَلق إلَّا المُخنَّثون من الرّجَال".. ص27..!!. هذا الحُكم الخطير والبعيد كل البعد عن فهم الإسلام ومقاصده وأولوياته أَورث شَيئاً من رَدّة الفِعل في الشارع الإسلامي أيام الجهاد الأفغاني )الفترة الذهبية لأصحاب اللحى الطويلة(؛ ممَّا حَدا بأحدهم إلى جَمع مَا قِيل فِي ذَم اللحى.. ومن ذَلك ما رُوي عن الإمام مَالك أنَّه قَال: قَرأت في بَعض الكُتب "لا تَغرّنكم اللحى، فإن التّيس لَه لحية!! وقال أبو عمر بن العَلاء: "إذا رَأيت الرَّجُل طَويل القَامَة، صَغير الهَامة، عَريض اللحية، فاقضي عليه بالحُمق، ولَو كَان أميّة بن عبد شمس" !!. وقال هشام بن عبد الملك: "يُعرف حُمق الرَّجُل بخِصال أربع: بطُول لحيته، وبَشاعة كُنيته، ونَقش خَاتمه، وإفرَاط شَهوته"!! . وفي سياق ذم صاحب اللحية الطويلة كتب أحمد شوقي الفَنجري مَقالاً بعنوان: "أصحاب اللحى في خدمة الشّعب" قَال فيه: "الكَثير من الموظفين، وخاصّة أصحاب اللحى الطَّويلة والبَارزة، ومنهم مَن يَعمل في مَراكز خِدمة الجَمَاهير في مُختلف مَصالح الدّولة، أو في شَركات تَوظيف الأموال التي نَهبت الكثير من أموال المُسلمين، تَراهم يُغادرون مَكاتبهم، ويَتركون المُواطنين يَقفون بالطَّوابير الطّويلة، ويَهربون مِن العَمل بحِجّة صَلاة الظّهر.. فإذا اعترض النَّاس بأنَّ الأذان بَاقِ عليه وَقت طَويل، قَالوا: إنّهم يُريدون الوضوء. ونَسألهم: يَا جَماعة الخير.. ألا يُوجد بينكم فَرد وَاحد مُحتفظ بوضوئه مُنذ خُروجه من البيت؟! قَالوا: بَلى، ولكنَّنا نُريد أن نُجدِّد وضوءنا..!!حسنا ،ماذا بقي ؟ بقي القول هَذا شَأن اللحية.. فَمَاذا أنتُم فَاعلون؟!!. ومما أود الوصول إليه أن اللحية لا تقدم ولا تأخر في صدق الرجل وإخلاصه وأمانته في عمله، أو تزيد أو تنقص في مخافة ربه ومراعاة حقوق عباده من مخلوقاته ، وإنما الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث.. كم من مسلم عفا عن لحيته في وجهه لحاجة في نفس يعقوب..؟ !! وكم من ملتح يأكل أموال الناس بالباطل ويمشي بين الناس بالنميمة، بالإضافة إلى الكذب والسرقة والزنا والارتشاء وشهادة الزور والتطفيف في الكيل والميزان وأكل مال اليتيم والمسكين، وغالبا ما يتم هذا عن طريق المساعدات الخيرية التي يقدمها أهل الخير والمحسنين إلى الجمعيات الإسلامية، فيتلقفها هذا الملتحي بصدر رحب وانشراح ، ومن ثم يحولها إلى جيبه وجيوب محبيه ومناصريه، طبعا وكل هذا يتم باسم قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلى هذا أسأل نفسي أولا، وإخواني من المشايخ والدعاة ورؤساء الجمعيات الخيرية ثانيا، والمسلم الملتزم عموما، وأصحاب اللحى الطويلة على الخصوص، ما قيمة لحانا في وجوهنا؟؟ إذا لم نجسد عمليا أخلاق نبينا الكريم والاقتداء به في سننه الظاهرة والباطنة ؟ فالمسلم اليوم بأخلاقه السيئة ومعاملته المشينة وسلوكه المثير للجدل أصبح يقلق راحة دول العالم، مما جعل العالم كله يعادينا، ويعادي ديننا..!! فإسلامنا العظيم لا ينحصر في شخص معين، أو جماعة معينة أو لباس محدد، فهو بحر لا ساحل له وأرض طيبة خصبة واسعة جدا لا تنحصر في بعض الأمور، وإنما تشمل جميع مناحي الحياة الإسلامية الطاهرة، يقول تعالى:" إنما حرم ربي الفواحش ماظهرمنها ومابطن، والإثم والبغي بغيرالحق" يقول الدكتورمحسن عبد الحميد في كتابه (منهج التغييرالاجتماعي في الإسلام) : "وليس المقصود بالفواحش والمنكرات في الإسلام الانحرافات الجنسية فحسب، وإنما المقصود بها تلك الانحرافات التي تقع فيها الغرائز الحيوانية بأنواعها، فالانحرافات الجنسية وشرب الخمر، وأكل مال اليتيم واللحوم المحرمة،والقتل والسرقة، وقطع الطريق، وأكل أموال الناس بالباطل في مختلف مظاهرالنشاط الإنساني، يدخل جميعها في باب الفواحش والمنكرات. وليس ذلك فحسب؛ بل هنالك مجموعة من الانحرافات السلوكية والنفسية تدخل في باب المنكرات أيضا.فالنفاق وشهادة الزور والكذب والغيبة والنميمة وقطع صلة الرحم، والإفساد بين الناس والرشوة والغش، مظاهرأخرى لمجموع المنكرات التي حرمها الإسلام " . ولإبن خلدون رحمه الله دراسة عظيمة في مقدمته جعل دورالأخلاق أساسي جدا في قيام الدول وسقوطها، خاصة قيم الحرية والعدالة والتعاون والشورى والإيثار والعدل..إن كثيرا من هذه القيم الأخلاقية اختفت من حياة المسلمين وفي مقدمتهم أصحاب اللحى الطويلة، الذين يحسبون ويظنون أن تطبيق الشريعة الإسلامية مختزلة في قطع رؤوس المرتدين ، ورجم الزناة والسكارى من المسلمين، وقطع أيدي السارقات والسارقين..!! مما جعل الغرب ينظر إلى الإسلام نظرة سلبية سوداوية قاتمة، معتبرا إياه دين دموي بربري شرس المسلك ، بعيد كل البعد عن المدنية والحضارة ، لاهم له إلا إراقة الدماء وقطع الرِؤوس وهذه النظرة – للأسف- ترسخت في عقول الدول الغربية يصعب تغييرها في خضم جحافل من الدعاة والشيوخ والوعاظ والخطباء مازالوا بعد يغردون على منابرهم يوم الجمعة بقطع رؤوس الكفار والمشركين والملحدين ، وكل من يخالفهم الرأي حتى ولو كان من مشايخ المسلمين..! ونحن في ميدان العلوم والتكنولوجيا الحربية فقراء ضعفاء عيال عليهم ..فما دامت الأمة المسلمة عاجزة عن استخراج بركات الله ، من أرض الله لن تؤدي رسالة الله على أحسن وجه ، ورحم الله إبن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس) إذيقول:"وقد ظهرت في حقب التاريخ الإسلامي فرق وطوائف وتيارات إٍسلامية أوصلت المسلمين على هذا الفهم الجزئي لمعنى الصلاح..فقد لبس إبليس على الكثيرمن أفرادها فتركوا العلم وانقطعوا للتعبد، ولبس عليهم في تضييق دائرة الحلال في الحياة، من المطعم والملبس والنكاح، فتبتلوا ولبسوا الثياب الرثة ، وتركوا التجمل والتنظف ، وركنوا إلى التواكل، وترك الأسباب، وأهملوا التكسب والتداوي..." . تأسيسا على هذه التصورات، والأسئلة المحورية التي طرحت على الملتزمين وأصحاب اللحى الطويلة والقصيرة والمتوسطة في هذا المقال البسيط أقول: أن الله سبحانه وتعالى أكد في كتابه العزيز وقال : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". ويقول نبينا الكريم: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "، وعلى هذا الأساس يتضح أن اللحية وحدها لا تكفي في بناء الإنسان وتقدم الأوطان، مع أنني شخصيا من المناضلين والمناصرين لأصحاب اللحى بشروط: أن لا تترك شعثة مبعثرة، دون تشذيب أو تهذيب، ولا تمنح لها الحرية كاملة، بحيث تصبح تخيف الأطفال، وتقلق راحة الزوار، فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، فمن الشباب من يظن أن أخذ أي شيء من اللحية حرام، فنراه يطلق لها العنان حتى تكاد تصل إلى سرته، ويصبح في مظهره كأصحاب الكهف: "لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا" . صدق الله العظيم . مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل