ثرثارون في عالم الغيب خرس في عالم الشهاد يقف المسلمون اليوم في حيرة من أمرهم لايعرفون ماذا حصل بهم حتى غادوا في مؤخرة الركب الحضاري ؛ بل هم في تراجع مستمرنحوالهلاك والدماروالشتات والطائفية البغيضة ..تباعدت أمصارهم بعضهاعن بعض بحدود وهمية صنعها الاسعماربذكاء وخبث مع سبق الاصراروالترصد ..!! مزقتهم مراكب القومية والبعثية والاشتراكية والماركسية اللينينية التي ركبوها أيام زمان؛ عهد شقائق النعمان ، المشفوعة بنغمات عود فريد الأطرش، وألحان الموسيقار رياض السنباطي وأغاني كوكبة الشرق السيدة أم كلثوم والقائمة تطول في هذا المضمار..هذه هي مرحلة من مراحل الخمسين والستين والسبعين، نطويها بسلبياتها وأحزانها وآمالها ومشاكلها ،وندخل في مرحلة "الصحوة واليقظة والرشد" –كما قالوا لنا زعماء وشيوخ تفسيرالأحلام- تحت خيمة الصحوة الإسلامية المباركة المحصنة بأوتاد الحركات الإسلامية المعاصرة . لكن - مع الأسف الشديد- فبنظرة سطحية بسيطة لصحوة وتدين هؤلاء تجد الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في تصرفاتهم وسلوكياتهم وأفكارهم وأفعالهم البعيدة كل البعد عن الهدي النبوي ومقاصد ديننا الإسلامي، والذي غالبا مايشحنون من قادتهم بأفكارمثالية "طوباوية" وأحلام وردية وخرافية، بعيدة كل البعد عن فقه الواقع وتطورات الزمان والمكان ، فنوعية هذا الفقه المثالي العاطفي الأعرج الذي أصبح يسيطر على عقول شبابنا الإسلامي اليوم، أسقطهم كالخرفان أمام المدرسة العلمانية الغربية المعرفية والعلمية، واستراتيجياتها المحكمة المتقنة في تسيير العالم وقيادته والتحكم في مصالحه العليا عن بعد؛ والمشكل كما أقول دائما في بعض كتاباتي، يكمن في عدم فقه هؤلاء لكتاب الله المسطور(القرآن) وكتاب الله المنظور(الكون) ؛ وإلى أيامنا هذه نجد من هؤلاء القوم من يذهب بعيدا بتحريفاته لمعاني القرآن الكريم، معتبرا الأمة الإسلامية، هي أمة أمية بنص القرآن (هوالذي بعث في الأميين رسولا منهم..)لايجب عليها أن تضيع وقتها في طلب العلم والمعرفة، وبلاد الإسلام ترزخ تحت مخالب الاستعمار..!! متناسيا هلاء أن أول ماخلق الله "القلم" وأول كلمة أنزلها على قلب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم "إقرأ" وهذه دلائل قاطعة، وإشارات واضحة على ماللعلم من قيمة في منظومتنا الإسلامية وجذورنا التاريخية ، وفي هذا السياق يقول الإمام الشافعي رحمه الله : "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ،ومن أرادهما معا فعليه بالعلم ". فتقدمنا وتنمية أوطاننا وعزتنا وتغلبنا على من عادانا تكمن في العلم والتعلم، لافي الشعارات والتظاهرات والاعتصامات والتمنيات والأحلام والخرافات ، فالمعجزات انقطعت بموت الأنبياء ، والسماء لاتمطرذهبا ولافضة..!! وأول عملية على درب الإصلاح والتصحيح نحوالتقدم والرقي تنطلق من نفس الإنسان نفسه، مصداقا لقوله تعالى: "إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .." لهذا المسؤولية كبيرة اليوم أمام العلماء وأصحاب الفكروالثقافة في ترشيد وتوجيه أبناء الجماعات والحركة الإسلامية إلى طريق الخيروالصلاح والفلاح ، وإن تقاعسوا عن دورهم التوعوي والتثقيفي فستكون النتائج كارثية وسلبية جدا على واقعنا ومستقبلنا وأوطاننا، وحتى أرواحنا التي أصبحت مهددة ومستباحة من هؤلاء، وخاصة لمن يخالفهم في توجهاتهم وأفكارهم.. نظرا للأمية الفقهية بالعلم الشرعي الإسلامي الرشيد بمعناه العام . وهذا ماجعل مفهوم العبودية عندهم تضيق وتنحصرفي محراب الصلاة ، على حساب محراب الحياة ..!! ودفعهم إلى طلب الشهادة في سبيل الموت ، وعدم اندفاعهم إلى الجهاد في سبيل الحياة؛ علما أن الحياة عند الله أغلى من الموت ؛ لأن فيها تتحقق مدى استجابة المسلم لأوامرالله ونهيه، المتجلية في الحياة والموت (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وشهادة لاإله إلا الله في عالم الشهادة مرة واحدة، أفضل من مائة ألف سنة تحت ثرى المقابرفي عالم الغيب..!! فزعماء وشيوخ أبناء الحركات الإسلامية المعاصرة أطنبوا في التحدث عن ثقافة الموت وعذاب القبر، والحساب والميزان ، والناروعذاب جهنم ..!! فلاغرابة وأنت تتجول على أبواب مساجد المسلمين في الدول العربية والإسلامية تحييك في ساحاتها الآلاف المؤلفة من الأشرطة المجهولة النسب والمصدر، تصب جلها في عالم الشعوذة والدجل ولحظات سكرات الموت ، والنتيجة هي تحريف سنة رسول الله (ص)، والاسترزاق بدين الله تعالى (ولاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا). صحيح أن الموت حقيقة لامفرمنه ويجب الاستعداد له بالأعمال الصالحة الطيبة الخالية من الكبروالنفاق والأنانية ؛ لكن نحن خلقنا الله تعالى لنحيا ونعيش ونشيد ونبني ونعمرالكون بالمشاريع النافعة.. وأن نكتشف ونفقه مكنونات خلقه، على أرضه وفي سمائه وبحارة، وفي شتى مجالات الحياة البشرية ، من معرفة في الطب والفلاحة والهندسة والزراعة والفزياء والكمياء..يستفيد من هذه العلوم والمعارف الأجيال القادمة ؛ بغية تقدم ألأمة الإسلامية إلى الرقي والازدهاروالأمان والسعادة.. يحضرني في هذا الصدد فقرة رائعة للداعية محمد الغزالي في كتابه: (مشكلات في طريق الحياة الإسلامية) إذ يقول: "..ومن المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالابالدنيا ،عجزة في الحياة ، والصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح، وإبرة الخياط، وقلم الكاتب، ومشرط الطبيب، وقارورة الصيدلي، ويصنعها الغواص في بحره، والطيارفي جوه، والباحث في معمله..ماتقول في فتيان يريدون إشعال معارك ضارية من أجل قضايا جزئية خلافية تتعلق باللباس ونحو ذلك ، وقد تأتي في نهاية سلم الأولويات ، إن دين الله لايقيمه ولايقدرعلى حمله ولاعلى حمايته الفاشلون في مجالات الحضارة الإنسانية الذكية ، الثرثارون في عالم الغيب، الغرس في عالم الشهادة ". فعدم فقه أبناء الحركات الإسلامية للقوانين الشرعية والكونية والمنهج الإسلامي القويم هو الذي ساهم ومازال يساهم في إيصال بلاد الإسلام والمسلمين إلى ما هي عليه من التخبطات والهموم والمشاكل في مقدمتهم مشكلة الإرهاب والتطرف الديني والعنف الأعمى ، وإلى ذلك يذهب الأمير "شكيب أرسلان" رحمه الله تعالى: (فقد أضاع الاسلام جاحد وجامد؛ أما الجاحد فهو الذي يأبى إلا أن يفرنج المسلمين وسائر الشرقيين، ويخرجهم عن جميع مقوماتهم ومشخصاتهم، ويحملهم على إنكار ماضيهم..أما الفئة الجامدة التي لا تريد ان تغير شيئاً، ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول تعليم الإسلام ظناً منهم بأن الاقتداء بالكفار كفر، وأن نظام التعليم الحديث من وضع الكفار..) وهناك جوانب كثيرة متعددة أدت بشباب المسلمين إلى ضيق معرفتهم برسالة الإسلام ومقاصده وأهدافه وشمولية العباة والأعمال الصالحة والجهاد في سبيل الله تعالى ، مما أدى إلى بروزسلبيات قاتلة ومفاهيم عرجاء للدين ، تكاد تعصف بالصحوة الإسلامية إلى مكان سحيق نجملها في: تقديس الفرقة والمذهب والزعيم على حساب الوطن والدين هذه آفة خطيرة أبتلي بها المسلمون منذ زمان ، ويكررها أبناء الحركة الإسلامية اليوم ؛ بحيث قدسوا المذهب والطائفة والزعيم ، لهذا تراهم يستشهدون بكلامه في دروسهم وحلقاتهم ومواعظهم أكثرمما يسشهدون بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبآيات الذكرالحكيم ، وتحولت المذاهب الفقهية إلى أحزاب سياسية إيديولوجية كل حزب بما لديهم فرحون ؛ بعدما كانت المذاهب والمدارس الفقهية خادمة للشريعة الإسلامية ، إلى مخدومة من قبل جحافل من العلماء المتعصبين لها ، يكفرون الناس حسب البعد والقرب منها ، هذا مما أدى إلى ظهورفقه جديد وسط أبناء الجماعات الإسلامية لايستند إلى الدين الإسلامي بشئ ؛ بقدرماهوتحريفات وتأويلات بعيدة كل البعد عن ضوابط وقواععد الشرح والتفسيرلأحاديث سيد المرسلين رسول الله (ص) فضلوا وأضلوا الشباب معهم ، ومن خالط هذه الجماعات سيرى العجب العجاب ؛ بحيث يحلون لأنفسهم مايحرمونه على غيرهم ، ومن هذه العجائب يحرمون دفع الزكاة على فقراء المسلمين ؛ اللهم إذا كان هذا الفقيرالمسلم ينتمي لصفوفهم وجماعتهم ويؤمن بأفكارهم ، وهكذا في الزواج، يمنع الشاب المنتمي للحركة الملتزم بقواعدها وقوانينها الزواج من أي فتاة مسلمة خارج عن الجماعة أوالتنظيم..؟؟!! وبهذا يكونون قد أضافوا للأصناف الثمانية المحددة في القرآن الكريم التي تجب في حقهم الزكاة ، صنف جديد..!! كما أضافوا لأركان الزواج المعروفة في كتب الفقه الإسلامي ركنا جديدا سموه بركن "الإنتماء للجماعة" وفي هذا السياق يقول إبن قيم الجوزية رحمه الله في إعلام الموقعين:" لقد ظلت الأمة تدورمع الدليل والبرهان، وتقف عند الحجة والاستدلال، وظهرت منذ القرن الرابع الهجري خلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، وجعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورؤوس أموالهم التي بها يتاجرون، وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)" والغريب في الأمرهوأن كل حركة وجماعة تعتقد اعتقادا جازما بأنها على الحق وعلى طريق الإسلام الصحيح، وما سواها هو الضلال البعيد..!! إنها فتنة العصرحقا، فإذا لم يقم العلماء وأصحاب الرأي والفكروالمؤسسات العلمية والإعلامية في تصحيح الخطى وترشيد القوم، وتجديد المسار،واستشراف المستقبل ، أكيد سنجد أوطان المسلمين في يوم من الأيام في حرب دروس بين أبنائها وأحزابها وطوائفها يقتلون بعضهم بعضا على أتفه الأسباب ، وقد بدت ملامحها في البلاد العربية هذه الأيام. لقد تحدث الدكتورمصطفى السباعي رحمه الله عن هذه الظاهرة معلنا خطورتها على الدين والدنيا في كتابه القيم (أخلاقنا الاجتماعية) فقال:" مامن شك في أن العلة هي الجهل بالدين..إن الفرق بين الدين والطائفية هو فرق بين العلم والجهل ، والحق والباطل، والخيروالشر،والإيمان والعصيان، الدين إخاء وتعارف ولقاء، والطائفية عداء وتقاطع وجفاء، الدين حب ورحمة وسلام ، والطائفية كره وقسوة وخصام، الدين وفاء وحسن خلق وطيب نفس وسماحة يد، والطائفية غدروسوء خلق وخبث نفس وقذارة يد.." . ولذلك فالحاجة ماسة لتجفيف هذا التعصب المذهبي الأعمى ، كما هي الحاجة ماسة إلى كشف زعماء هذه الطوائف والحركات ووضع انحرافاتهم وخزعبلاتهم أمام مرآة الشريعة الغراء، التي تتبرأ ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ؛ بغية مصالحهم الشخصية الضيقة ، ولخدمة أجندة أجنبية بغيضة..نحن نعلم بأن هذا الكلام يقلق هؤلاء المرضى والحمقى ؛ لكن نتمنى لهم الشفاء العاجل بإذن الله تعالى ، والعودة إلى دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عودة صادقة مخلصة ، لأن الدين الإسلامي علمنا أن نبرز الخلل للضالين والمنحرفين، وأن نبين لهم طريق الله المستقيم ،صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والساكت عن إبرازالحقيقة لهؤلاء شيطان أخرس ، وخاصة إذا كان من أهل العلم في الدين . انعدام القيم الأخلاقية والفهم المنقوص لكلمة الصلاح للقيم الإنسانية والأخلاق الإسلامية دورأساسي وحضاري في تقدم الشعوب ونهضتها، ولقد أكدت التجارب الإنسانية والأحداث التاريخية على أن ارتقاء القوى المعنوية للأمم والشعوب وتقدمها ملازم لارتقائها في سلم الأخلاق الفاضلة والسلوك الاجتماعي السليم.. وأن انهيار القوى المعنوية للأمم والشعوب ملازم لانهيار أخلاقها وفساد سلوكها، ومتناسب معها.. فبين القوى المعنوية وفضائل الأخلاق ومحاسن السلوك تناسب طردي دائما ؛ لذا حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق" وجميع العبادات والطاعات التي فرضها الله على عباده المؤمنين تؤدي في النهاية إلى تزكية النفوس وطهارتها من الدنس والحقد والغل والنميمة والكذب والزوروالبهتان..قال تعالى: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وقد جاء في حديث قدسي يرويه لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع النهارفي ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب " فالمسلم الشريرالذي يؤذي جيرانه حكم عليه الإسلام حكما قاسيا فيقول فيه الرسول (ص) : "والله لايؤمن، والله لايؤمن، والله لايؤمن، قيل من يارسول الله ،قال: الذي لايأمن جاره بوائقه" أي شروره. وورد عن رسول الله (ص) أن رجل قال له: يارسول الله إن فلانة تذكرمن كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غيرأنها تؤذي جيرانها بلسانها قال:"هي في النار" وفي هذه الإجابة تقديرلقيمة الخلق العالي في الإسلام ، روى مالك:أنه بلغه عن يحيى بن سعيد : أن عيسى عليه السلام مربخنزيرعلى الطريق، فقال له: انفذ بسلام!فقيل له: تقول هذا لخنزير؟!فقال:إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء!. ومن أجل ذلك وسع ديننا الإسلامي في دلالة ومفهوم الصلاح والصدقة فقال (ص) :"تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة،وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ،وإفراغك من دلوك في دلوأخيك لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصرلك صدقة". فأين أبناء الحركات والجماعات الإسلامية وأبناء الصحوة عموما من هذه التعاليم النبوية الشريفه، الذين اختزلوا دين الإسلام كله في قص الشارب والعفوعن اللحى ، ولبس القصيرمن السروال..!! وعليه ما قيمة أشعاروجهك الطويل أيها المسلم الملتزم؛ إذا لم يكن مشفوعا بطهارة القلب وسلامته من الحسد والبغض والكراهية على عباده المؤمنين..؟! وإذا لم يكن قلبك محلى بمحبة إخوانك وأصدقائك وعائلتك وأمك وأبيك وجيرانك وأبناء وطنك وحيك ومدينتك وولي أمرك..! فما قيمة لحيتك إذن في ميزان تطبيق السنة الصحيحة الظاهرة والباطنة ..؟! وما الفرق بينها وبين لحية "فديل كاسرو"و"ماركس" الشيوعي..؟!! إن الأخلاق في الإسلام منطقة واسعة جدا لاتنحصرفي بعض الأمورالمعينة ، وإنما تشمل جميع مناحي الحياة الإسلامية الطاهرة، يقول تعالى:" إنما حرم ربي الفواحش ماظهرمنها ومابطن، والإثم والبغي بخيرالحق" يقول الدكتورمحسن عبد الحميد في كتابه (منهج التغييرالاجتماعي في الإسلام) : "وليس المقصود بالفواحش والمنكرات في الإسلام الانحرافات الجنسية فحسب، وإنما المقصود بها تلك الانحرافات التي تقع فيها الغرائز الحيوانية بأنواعها، فالانحرافات الجنسية وشرب الخمر، وأكل مال اليتيم واللحوم المحرمة،والقتل والسرقة، وقطع الطريق،وأكل أموال الناس بالباطل في مختلف مظاهرالنشاط الإنساني، يدخل جميعها في باب الفواحش والمنكرات. وليس ذلك فحسب؛ بل هنالك مجموعة من الانحرافات السلوكية والنفسية تدخل في باب المنكرات أيضا.فالنفاق وشهادة الزوروالكذب والغيبة والنميمة وقطع صلة الرحم،والإفساد بين الناس والرشوة والغش، مظاهرأخرى لمجموع المنكرات التي حرمها الإسلام " . ولعالم إبن خلدون رحمه الله دراسة عظيمة في مقدمته جعل دورالأخلاق أساسي جدا في قيام الدول وسقوطها، خاصة قيم الحرية والعدالة والتعاون والشورى والإيثاروالعدل..إن كثيرا من هذه القيم الأخلاقية اختفت من حياة المسلمين وفي مقدمتهم أبناء الحركات الإسلامية، الذين يحسبون ويظنون أن تطبيق الشريعة الإسلامية محصورة ومختزلة في قطع رؤوس المرتدين ، ورجم أجساد الزناة والسكيرين ، وقطع أيادي السارقات والسارقين..!! فالمفهوم الأعوج الذي فهمه هؤلاء من رسالة الإسلام وسنة النبي العدنان؛ لاكما يفهمه أهل العلم والعرفان، فشباب الصحوة والجماعات الإسلامية بتلاوينها وأطيافها الإيديولوجية ، المتطرفة منها والمعتدلة، يهتمون بعود السواك وبقص الأظافروشعرالعانة ، أكثرمما يهتمون بتشييد المصانع وتأمين حوائج الفقراء واليتامى والمساكين؛ مما جعل الغرب ينظرإلى الإسلام نظرة سلبية سوداوية قاتمة، معتبرا إياه دين دموي بربري شرس المسلك ، بعيد كل البعد عن المدنية والحضارة ، لاهم له إلا إراقة الدماء بسيف الله المسلول أوبخنجرمعوج مكسور..!!. وهذه النظرة – للأسف- ترسخت في عقول الدول الغربية يصعب تغييرها في خضم جحافل من الدعاة والشيوخ مازالوا بعد يغردون على منابرهم بقطع رؤوس الكفاروالمشركين والطغاة والملحدين..ونحن في ميدان العلوم والتكنولوجيا الحربية فقراء ضعفاء عيال عليهم ..وجوائز((نوبل)) للسلام تقسم كل عام بين علماء الفزياء والكمياء والطب والهندسة والفلك ولاتجد ثرثارا واحدا من أبناء الجماعات الإسلامية شملته هذا الجائزة منذ تاريخ تأسيسها ..!! في الحقيقة إن الحركات الإسلامية مادامت عاجزة عن استخراج بركات الله ، من أرض الله لن تؤدي رسالة الله على أحسن وجه ؛ نظرا للبؤس الفقهي الكوني والشرعي ، وعليه عندما يقرأ شباب "الصحوة الإسلامية" قول الله عز وجل :"ولقد كتبنا في الزبورمن بعد الذكرأن الأرض يرثها عبادي الصالحون" تتبادرإلى أذهانهم وتفسرعند شيوخهم وزعمائهم - مزيدا للتعمية والتخلف عن الركب الحضاري- كلمة الصلاح بقيام الصلاة ،وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، أما مايتعلق بحقوق العباد والكون والطبيعة والحيوان والعمران..، فأمرها متروك إلى المشركين والوثنيين وأعداء الدين ، الذين يطلبون منا مشايخنا الأفاضل- بدون حياء- عبرشاشات الفضائيات العبارة للقارات محاربتهم بقشورالرمان والتين..!! ورحم الله إبن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس) إذيقول:"وقد ظهرت في حقب التاريخ الإسلامي فرق وطوائف وتيارات إٍسلامية أوصلت المسلمين على هذا الفهم الجزئي لمعنى الصلاح..فقد لبس إبليس على الكثيرمن أفرادها فتركوا العلم وانقطعوا للتعبد، ولبس عليهم في تضييق دائرة الحلال في الحياة، من المطعم والملبس والنكاح، فتبتلوا ولبسوا الثياب الرثة ، وتركوا التجمل والتنظف ، وركنوا إلى التواكل، وترك الأسباب، وأهملوا التكسب والتداوي، ومارسوا الوحدة والسياسة..وأسقط بعضهم عن نفسه التكاليف، وداعى وقوع الكثيرمن الكرامات، وآمن بكثيرمن الخرافات والخزعبلات " ضيق الفهم لبعض المصطلحات ك "الفقه" و"الإنفاق في سبيل الله " عندما جاءت رسالة الإسلام وبزغ نورالقرآن ، وبدأ الوحي يتقطرعلى فؤاد النبي (ص) قطرة قطرة ، حسب السؤال والأحوال والزمان والمكان والمقام.. فهم الصحابة الكرام الوحي والنص القرآني والكلام النبوي بعمق وبصيرة ثاقبة ، ولهذا رضي الله عنهم كانوا لايفرقون بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ولايبخسون العمل لدارالفناء (ولاتنس نصيبك من الدنيا) كما لايهملون استعدادهم لدارالبقاء ، فإذا قمنا بتدبرلكثيرمن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، نجد أنها لاتفرق بين عالم الغيب وعالم الشهادة ، ومنها قوله تعالى :(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) . وفي قوله تعالى:( من عمل صالحا من ذكرأوأنثى وهو مون فلنحيينه حياة طيبة..) وهنالك مقولة للإمام علي عليه السلام يقول فيها : (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، و أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ؛ لذا لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس وقال:(اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل) أوعندما قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" كان يعني الفقه هنا وكما فهمه الصدرالأول من جماعة المسلمين بمفهومه العام، يشمل جميع مناحي الحياة الإسلامية ، من فقه في الأنفس والآفاق ، والجبال والبحاروالجغرافيا ، وفقه سياسي واجتماعي..غيرأن مفهوم الفقه عند المسلمين وعبرتاريخهم الطويل ظل يضيق رويدا رويدا حتى أصبح محصورا في زاوية الحيض والنفاس ، والاستنجاء والاستجمارثم استقرفي آخرالمطاف ببرامج تسمى "ركن المفتي" بعدما بوب في بطون الكتب الصفراء والبيضاء عند باب : (فقه العبدات) هذا الجمود والفهم العقيم لرسالة السماء أدى بتهميش الأمة وتخلفها عن الركب الحضاري والإنساني..بالإضافة إلى انعدام دورالعلماء والجماعات الدينية في إيجاد حلول ناجعة لما تتخبط فيه أوطاننا الإسلامية، من تخلف وفقروجوع وجهل..!! مما دفع بالكثيرمن أبناء الحركات الإسلامية إلى الترامي في أحضان الإرهاب والتطرف وقتل الأبرياء ، بحثا عن حياة سعيدة مريحة في عالم غيبي افتراضي فقدوه في حياتهم اليومية..!! يقول صبيح صاحب كتاب (الاقتصاد في الاعتقاد): "إن نظام الدين لايحصل إلابنظام الدنيا..فنظام الدين بالمعرفة والعبادة، لايتوصل إليها إلابصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدرالحاجات، من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن..فلاينتظم الدين إلابتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلافمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة، وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يفرغ للعلم والعمل ؟ وهما وسيلتان إلى سعادة الآخرة.."؟؟ وفي هذه الأجواء المظلمة القاتمة والجهل المركب الخطيربمعرفة مقاصد وأبعاد الدين الإسلامي تجاهل الكثيرمن شباب الصحوة الإسلامية جل فروض وواجبات سنن الله المنشور،التي تتماشى جنبا إلى جنب مع فرائض وواجبات كتاب الله المسطور. كما تعرض مفهوم "الفقه" للإجحاف والحيف ، تعرض كذلك مفهوم "الإنفاق في سبيل الله" إلى التضييق والاختزال والانزواء في زاوية مظلمة ..! فترى شباب الإسلام والمسلم عموما سخيا كريما في المساهمة في إعماربيوت الله تعالى ، بخيلا شحيحا في إعماربيوت الفقراء والأرمال واليتامى والمساكين..؛علما بأن كفالة يتيم واحد ترقى بصاحبها وتوصله إلى جوارالنبي (ص) في الجنة. يقول (ص): "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" فشباب الجماعات والحركات الإسلامية فرسان في قيام الليل ، جبناء وضعفاء في إقامة مرافق عامة اجتماعية وتربوية وتعليمية وصحية، من مدارس وجامعات وساحات خضراء ، ومؤسسات فكرية وثقافية واجتماعية ، ترعى الفقراء والمرضى وأصحاب العاهات..ونحن هنا لاننكر المساهمة في إنشاء المساجد وقيام الليل ؛ بل نكراننا هوإخراج المصالح العامة وخدمة الصالح العام من دائرة "في سبيل الله" وهذا ضعف في فهم الدين وأهداف ومقاصد رسالة الإسلام الخالدة. العزوف عن اتخاذ أسباب النصروالتمكين تصاب بالدهشة وأنت تسمع بعض شيوخ الجماعات الإسلامية في أشرطتهم المبتورة أودروسهم ومواعظهم التي يخيل إليك بأن أصحابها يعيشون خارج التاريخ البشري ، أويعيشون في جزرالوقواق ، لاتسمع فيها إلاخريرالمياه وزقازيق الطيور، أفكارهم بعيدة كل البعد عن العقل والنقل معا ؛ربما لايؤمن بها إلامن أصابته لوثة تجعله يرى الأشياء بمنظورأعوج، ومن هذه الأفكارأن الأمة الإسلامية اليوم لايمكن أن تنتصرعلى أعدائها وأن تصل إلى العزة والتمكين في الأرض؛ إلاإذا وصل عدد المصلين في صلاة الفجر، نفس عدد المصلين في صلاة الجمعة ، وكأن النصرهدية يمنحها الله تعالى لمن يصلون الفجرفي جماعة مساجدهم؛ أويعطيه لصاحب لحية سوداء طويلة عضونشيط في مقرات أحزابهم؛ حتى لوكانت قيم الظلم والقهروالاستغلال والغش والتدليس والنفاق وشهادة الزوروأكل مال اليتيم والفقيروالمسكين ، والتطفيف في الكيل والميزان، والسعي بين الناس بالنميمة والهمزواللمز.. والتخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي تعشش بين جدران ذويهم وجماعتهم وأوطانهم وبلادهم..؟!! ويزيدون في تعمية مريديهم وضحاياهم بالاستشهاد ببعض الأحاديث والآيات القرآنية يزكون بها آراءهم كوقله تعالى: "ولوا أن أهل القرى آمنوا والتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ..) وقوله : (إن تنصروا الله ينصركم .." وقوله :"إن الله يدافع عن الذين آمنوا.." وقوله تعالى:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه " ومشكلة هذه الجماحات والحركات ومن يدورفي فلك مدرستهم من أبناء المسلمين، يفهمون التوكل على الله بمفاهيم عجماء ، وبعقول خرساء، وبآذان صماء..!! . فمفهوم التوكل كما قرره الإسلام، وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهمه المسلمون الأولون ، لايتنافى مع اتخاذ الأسباب الكونية ،والسعي في مجالات الحياة ، فعلى المسلم الذي فقه سنن واقعه أن يسلك الأسباب والوسائل التي وضعها الله في ملكوت السماوات والأرض ..فمثلا عندما حرم الله سبحانه وتعالى بعض الأضعمة والأشربة لضررها ، وإذا كان هذا الأمرلايمكن أن يعلم إلا باستخدام المختبرات والبحوث والتحاليل لتلك الأطعمة، فلاضيرمن استخدامها ؛ بل تصبح من الواجبات ، لأن بدونها لاتتحقق العبودية لله كاملة ، ولايدخل المسلم في زمرة المؤمنين الصالحين إلاباكتسابها ؛ لهذا علماؤنا رحمهم الله تعالى وضعوا لذلك قاعدة: "مالايتم الواجب إلابه فهوواجب". فالمنتمون إلى الإسلام بحق ووعي وفقه، يعتبرون الدنيا ميدان تنافس في عمارة هذا الكون بالخيروالأمن والسلام والاستقرار..فالطائرة والسيارة والغسالة والثلاجة والكناسة وأدوات الزينة ، وأدوات الترفيه ،وألأثاث واللباس ، وماهنالك من مخترعات ومنتجات وأدوات ،التي تنتجها المصانع عبرشرق الدنيا وغربها ، ماهي إلاوسائل وأدوات مسخرة للإنسان لينعم فيها وبها ، كماسخرلنا باقي مخلوقاته من طيروحيوان..وسورة النحل أبلغ تعبيرفي هذا الباب حيث يقول تعالى:(والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس، إن ربكم لرؤوف رحيم، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين، هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون، ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون، وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، وما ذرأ لكم في الأرض مختلف ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يذكرون، وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون..) . فهل فهم أبناء الصحوة وزعماء الجماعات الإسلامية من كتاب ربهم هذا المعنى، وشمروا عن سواعدهم للإعماروالإبداع والتخطيط والإنتاج في صفحات كتاب الله المنظور؟ الذي نحن في هذا الميدان عيال لارجال..!! كم من صناعة عسكرية ومدنية تتعلق بالذهب الأسود واستخراجه وتكريره لانعرف منها أي شيء؟!! ولولا الغرب وأمريكا على الخصوص، لكانت هذه النعم ماتزال تحت الثرى لايستفيد منهاأحد ؟!،ولبقينا إلى اليوم نصلي في مساجدنا ونقرأ كتاب ربنا بالقنديل والشمع..!! ولوأرادت أوروبا أنتقتل جميع المسلمين وبدون دبابات ولاطائرات ولاجيوش؛ بل بشئ بسيط يمكن أن تفعله هووضع السم في علب الأدوية المصدرة إلى العالم الإسلامي ؛ لأن علماء وشيوخ المسلمين ومريديهم ليس لهم الوقت الكافي لتعلم هذا الفن العظيم ؛ نظرا لمشاغلهم في التخطيط لإقامة الدولة الإسلامية عبرجماجم وتكفيرالأمة الإسلامية. الفظاظة وغلظ القلب والجنوح إلى التنطع والتشدد الفظاظة والشدة والتنطع والغلوهي سمة من سماة أبناء الجماعات الإسلامية اليوم ، فمقياس الالتزام عندهم هوتقطيب الجبين، ونتف شعرالعانة، وقص الشارب، والميل إلى تحريم كل شيء ،وجعله هوالأصل ؛بينما الإسلام الذي فهمناه وتعلمناه من شيوخينا في جامعة القرويين بالمغرب، وماجاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، من قيمه وأصوله وأركانه الذي بني عليها التيسيرلاالتعسير،وأن تنطع هؤلاء في المسائل الخلافية وإثارتها بين العامة وعلى صفحات الجرائد ومواقع الشبكة العنكبوتية دليل جهل بالإسلام، وبأحكامه ومقصاده وعدم فهم الواقع. ومما يؤكد أن هناك علاقة حميمية بين قلة المعرفة والفقه والتنطع والتشدد حديث رسول الله (ص) الذي قال فيه:" إن الله لم يبعثني معنتا ولامتعنتا، ولكن بعثني معلما وميسرا" فمدارس ومناهج التيسيردائما ارتبطت بالفقهاء والعلماء الكبار، ولذلك كان حبرهذه الأمة وترجمان القرآن ومن دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين ومعرفة التاويل، وهوإبن عباس رضي الله عنه، هو أفقه الصحابة ورائد هذه المدرسة..ولوسلك أبناء الصحوة والحركة والجماعات الإسلامية في دعوتهم طريق اليسروالعفووالتسامح والصبر،والابتعاد عن التطرف والعنف، لجذبوا العقول والقلوب إليهم ، لأن من طبيعة البشر يميل إلى من يعطف ويحن عليه..مخطئ من يعتبر الحلم عجز ، وأن العفو ضعف ، وأن البسمة خنوع وإذلال، وخفض الصوت دروشة، فهذه حجج يلجأ إليها اللائمون، ويتبجح بها الجاهلون والحمقى ، والذي يريد أن يسبر روح الحقيقة وأن يتفحص ماهيه الأمور، يجد أن ضبط النفس عند الغضب والاحتكام إلى العقل في ثورة الانفعال هو شارات القوة ، ومن مقتضيات البطولة في حياة الإنسان عامة، والمسلم خاصة ، روى مالك في موطئه أنه عليه الصلاة والسلام قال :" ليس الشديد بالقوة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". فقد أكد القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، أن الفظاظة وغلظ القلب ... تسبب النفور، وتورث العداوة، وتقضي على روح تقبل الخير في الناس ، وتؤخر مسيرة النصر ، وتفجر طاقة اليأس ، وصدق الله العظيم إذ يقول :" فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك،فاعف عنهم، واستغفرلهم ..". روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" بال أعرابي في المسجد ، فقام الناس ليوقعوا فيه ، فقال ( ص) دعوه وأريقوا على بوله سجلا ( دلوا ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولن تبعثوا معسرين ". في هذا السياق يقول الأستاذ طه العلواني في كتابه (إصلاح الفكرالإسلامي):"..حين يضعف الفقه عند المتدين فإن العاطفة تحتل المساحة الشاغرة، ومن ثم يندفع الشباب بحسن نية، وبدافع الحرص على الإسلام وعلى تطبيق أوامره واجتناب نواهيه، يندفع إلى معاملة الفرعيات كالأصول، والوسائل كالمقاصد، ويحرص على التفسيرالتآمري وتضخيم المنكرات، ويميل إلى تفعيل سد الذرائع أو فقه الطوارئ بصورة مضخمة، ويميل دائما إلى الأحوط من الأقوال، ولايكتفي بنفسه، بل يدعوغيره إلى ذلك، بكل ماأوتي من قوة، وهذا كله يساعد على توسيع دائرة التعسير،وتضييق دائرة التيسير.." وحين ندرس تاريخ الجماعات والحركات الإسلامية عبرتاريخ الأمة الإسلامية، نجد هذا المرض والعقم الفقهي والمعرفي للدين الإسلامي بدأ مع الشجرة الملعون لجماعة (الخوارج) فقد كانت أزمتهم وانحرافهم، ليس فيما يتعلق بأداء الواجبات من صلاة وزكات وصيام ونحوذلك ؛ بل إنحرافهم وتنطعهم أتى عن طريق فكرهم الأعوج والأعرج، مع ضعف البصيرة لحقيقة الدين ، ولنصوص القرآن الكريم ، فقد كانوا يقرأون بدون تدبرويحفظون بدون وعي ، لذا كفروا أكثرالمسلمين والصحابة على الخصوص ، ومن بينهم سيدنا الإمام علي رضي الله عنه. يقول شيخ الإسلام إبن تيمية في الخوارج: "لاريب أن الخوارج كان فيهم من الاجتهاد في العبادة والورع، مالم يكن في الصحابة، كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لما كان على غيرالوجه المشروع أفضى بهم إلى المروق من الدين.." مع الأسف الشديد مازال هذه العرق لشجرة "الخوارج " ساريا في بعض الجماعات والحركات الإسلامية المعاصرة إلى حد اليوم..!! طبعا لأن العرق دساس كماجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس". الشيخ الصادق العثماني www.islambr.com.br