قرأت عمود رشيد نيني ليوم 5 يوليوز كعادتي، ووقفت فيه على تجن واضح على حزب العدالة والتنمية وقيادييه، وخاصة على الاخ مصطفى الرميد، وكان يمكن اعتبار الامر عاديا وتحليلا ، من متتبع لو كان اعتمد معطيات صحيحة، اما الانطلاق من معطيات خاطئة واستنتاج خلاصات بلغة يقينية، فهو امر لا يصح، خاصة من انسان لا ينفك عن ادعاء الموضوعية والصدق، حتى وان بدا مؤخرا يميل اكثر الى الضرب تحت الحزام، كلما اختلف مع احد، وهو امر لا نرضاه له ابدا، ونريده ان كان صادقا،ان يبقى قلما مسلطا على الحق وليس غير الحق ، وتنويرا له ان كان يود معرفة الحقيقة، لأن معرفتها متاخرا خير من جهلها بالمرة، أقول له اولا الامر الذي تدخل فيه الرميد ليس تافها وانما متعلق بدولة المؤسسات، التي هي من صميم عمل السياسي والبرلماني خاصة، فالكل يعرف كيف تتعامل الدولة واجهزتها مع مبادرات الوافد الجديد، وكيف تمنع وتضيق على مبادرات العدالة والتنمية، وهو ما يشعرنا اننا لا نعامل كباقي الاحزاب، وهذا ليس طموحنا ولا رغبتنا بل هو الحقيقة، وهو ايضا اكده بكون الدولة طلبت منا ولم تطلب من الاخرين تقليص مشاركتهم في بعض المحطات الانتخابية، حتى وان كان ليس كل ماذكر صحيحا، ففي 2002 اتخذنا القرار في المجلس الوطني بعدم تجاوز الثلثين في تغطية الدوائر في اطار المشاركة المتدرجة في الحياة السياسية، وبدون طلب من احد، وتفاديا لاية رجة غير محتملة، نعم تدخلت الداخلية في الانتخابات الجماعية 2003 بعد الاحداث الارهابية، وطلبت تحديد نسبة التغطية في المدن الكبرى الست في 50 في المائة وحددت المقاطعات التي على الحزب ان لا يترشح فيها، وهو ما سبق للحزب ان اخبر به الراي العام ورغم ذلك، ورغم حساسية الظرفية العصيبة، فقد تركت قيادة الحزب القرار الاخير لاخوة تلك المدن، فمنهم من رفض الامر وقاطع الانتخابات كما حدث بطنجة، ومنهم من قبله وتصرف كما سمحت به الظروف كالمدن الاخرى، اما في الانتخابات الاخرى فلم يطلب من الحزب اي تحجيم لمشاركته، أما عن قضية ضغط الداخلية على الحزب لتغيير رئيس الفريق الرميد فقد حدث فعلا، ولكن قيادة الحزب اتخذت موقفا رافضا وبالاجماع ، ومع اصرار كبير وتشبث قوي للمرحوم الخطيب، غير ان الرميد ومن تلقاء نفسه وحتى لا يكون سببا في اصطدام الحزب مع الدولة وفي نفس الظرفية العصيبة لما بعد احداث 2003 قدم استقالته مباشرة لرئيس مجلس النواب الراضي، ووضع الحزب امام الامر الواقع، اما قوله بان الحزب وقع مدونة الاحزاب سنة 1997 امام البصري فحسب علمي ليس هناك شيء اسمه مدونة الاحزاب، واستغرب، وعلى ما يدعيه من ضبط والمام ان يقع في هذا الخطا، كانت هناك مدونة سلوك قبل انتخابات 1997 الجماعية ولم يوقعها حزبنا انذاك لانه ببساطة لم يشارك في تلك الانتخابات، اما خلاصته بأن حزب العدالة هو كباقي الاحزاب، فامر يفنده الواقع، والا لماذا تسلط عليه كل هذه الاضواء داخليا وخارجيا، فهو متميز بمرجعيته وديمقراطيته الداخلية ومناضليه وصدقيتهم وأخلاقهم،ومشروعه، ولا ننتظر شهادة التميز من احد غير الشعب وصناديق الاقتراع، التي تعبر عن التميز افضل تعبير، الا يكفي نيني انه الحزب الوحيد الذي لا يعرف الرحل في البرلمان، ولا تسيل لعاب مناضليه على المناصب، الا يكفيه تميزا رفض برلمانييه الحج على نفقة الدولة وارجاع الرميد لاموال للبرلمان ، الا يكفيه نظافة ايادي منتخبيه، الا يكفيه تميزا الالتفاف الواسع لجماهير واسعة من الشعب المغربي عليه، الا يكفيه تميزا ان كل القوانين تفصل احتياطا منه وكل الحراك السياسي يقع بسببه. كان بودي ان اتوسع في الامر اكثر ولكن اعتقد ان المقام لا يسمح باكثر من هذا، فإني اربأ بنيني ان يفتح جبهة اخرى من جبهاته الكثيرة والمتناسلة، فسيكون فيها خاسرا مؤكدا، وستفقده الكثير مما تبقى له من مصداقية، إن كان بقي منها شيء أصلا، ولن تضر حزبنا في شيء بل ستزيده اشعاعا وتالقا، فلن يفعل معول نيني اكثر مما فعلته معاول كثيرة قبله، وفي الأخير فإن حزب العدالة والتنمية بقوة مؤسساته وكفاءة أطره أكبر من ان يلقنه نيني او غيره ما يجب عليه أن يفعله أو ان يتركه والسلام على من اتبع الهدى. *عضو الكتابة الجهوية لفاس وعضو المجلس الوطني السابق وعضو المكتب الاقليمي بتاونات ومستشار جماعي لحزب العدالة والتنمية ما في كل مرة تسلم "الجرة" رشيد نيني - المساء ( 5 يوليوز 2010) واقعتان، كان بطلاهما برلمانيان، كشفتا عن وجود خلط حقيقي في فهم وظيفة النائب البرلماني ووظيفة البرلمان ككل. الأولى كان بطلها النائب مصطفى الرميد، رئيس فريق العدالة والتنمية بالبرلمان، والثانية كان بطلها البرلماني الاستقلالي الطيب المصباحي، الذي يمثل منطقة فكيك في مجلس النواب ويشغل منصب أمين لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية بمجلس النواب. الأول هدد بتقديم استقالته من البرلمان لأن وزير الداخلية لم يرد على مكالمته عندما اتصل به لكي يعرف أسباب عدم الترخيص لقافلة طبية كانت تريد تنظيمها جمعية يرأسها ابن عم الرميد في سيدي بنور. فيما الثاني استعمل صفته البرلمانية لتهديد موظفة بسيطة في قسم الموارد البشرية بوزارة التعليم وشتمها أمام زملائها. الأول استعمل حصانته البرلمانية لكي يهدد البرلمان بالانسحاب منه بسبب عدم رد وزير الداخلية على مكالمته، والثاني استعمل حصانته البرلمانية لكي يهدد موظفة في وزارة التعليم بسبب عدم قدرتها على إجبار رئيسها على الحضور لاستقبال سعادته. في كل برلمانات العالم الديمقراطي، عندما يريد برلماني طرح قضية أو مشكلة يواجهها منتخبوه الذين منحوه أصواتهم، فإنه يستدعي الوزير المسؤول عن القطاع للحضور إلى البرلمان، ثم يوجه إليه سؤالا. والوزير مجبر قانونيا على تقديم جواب إلى النائب. أما عندما يستعمل البرلماني هاتفه للاتصال بالوزير من أجل طرح مشكلة تواجهه، فإننا هنا نصبح أمام تداخل للسلطتين التشريعية والتنفيذية. والحال أنهما سلطتان منفصلتان لا تجتمعان إلا تحت قبة البرلمان من أجل الدفاع عن برنامجهما السياسي. وإذا كان هناك من سؤال يجب أن يوجهه النائب البرلماني إلى ممثلي السلطة التشريعية فتحت قبة البرلمان وليس عبر الهاتف. ولو أراد كل وزير أن يتلقى مشاكل البرلمانيين يوميا عبر الهاتف لاحتاج وزراء الحكومة إلى ساعات طويلة للرد على مكالمات النواب. وقد فهم نائب فكيك هذه الخلاصة بشكل متأخر عندما انتهى من شتم الموظفة بوزارة التعليم ونعتها هي وزملاءها بالكلاب، وذهب إلى مقر البرلمان حيث التقى لطيفة العابدة، كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، في اجتماع مع إحدى اللجان البرلمانية، فطرح عليها مشكلته. أولا، كيف يسمح برلماني لنفسه بمرافقة أستاذ إلى وزارة التربية الوطنية من أجل التدخل لصالحه لدى الوزارة للحصول على ترقية؟ هل وظيفة البرلماني هي أن يتدخل لناخبيه لدى الإدارات المركزية التي يشتغلون معها للحصول على ترقيات؟ ألا توجد نقابات تمثل رجال التعليم وتدافع عن مصالحهم؟ ألا توجد مساطر إدارية معروفة يتتبعها رجال التعليم للحصول على ترقياتهم وتعويضاتهم؟ إن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه هذا البرلماني الاستقلالي لا ينحصر فقط في كونه برر شتمه وتحقيره لموظفين عموميين أثناء أدائهم لواجبهم بتعرضه للاستفزاز، وإنما أيضا في كونه أراد استعمال سلطته كبرلماني للتدخل لصالح أحد ناخبيه في قضية ليست من اختصاصه، وهذا اسمه الشطط في استعمال السلطة. والحال أن الحصانة البرلمانية التي «يتمتع» بها سعادة النائب المحترم تعفيه من الذهاب إلى وزير التعليم وتعطيه الحق في استدعائه إلى البرلمان وطرح مشكلة هذا الأستاذ أمامه على شكل سؤال. هذا إذا كانت مشكلة هذا الأستاذ تستحق، أصلا، أن يطرح بشأنها سؤال في البرلمان، خصوصا إذا عرفنا حجم المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها منطقة فكيك التي لا نكاد نسمع بشأنها أي سؤال في البرلمان. لكن صاحبنا عوض أن يحترم المؤسسات ويعرف حدود سلطته فضل أن يلعن والدي موظفة بسيطة ويصفها بالكلبة فقط لأنه برلماني، معتقدا أن «ضربه» لألفي كيلومتر من فكيك إلى الرباط، من أجل السؤال عن مشكلة أستاذ، يعطيه الحق في شتم موظفة رفضت إعطاءه رقم هاتف رئيسها المباشر. لقد كان الرميد صادقا عندما قال إن بطاقة برلماني لم تعد تفيد سوى في خرق القانون. ولعل الرميد يعرف أكثر من غيره أن ما قام به عندما أعلن عن تقديمه استقالته ثم تراجع عنها يعتبر خرقا للقانون. فالنائب الذي يصل إلى البرلمان بفضل أصوات ناخبيه ليس لديه الحق في التخلي عن هؤلاء الناخبين في وسط الطريق، بسبب حادث تافه كان يمكن حله داخل البرلمان وليس على صفحات الجرائد. فالواجب والمسؤولية يحتمان على ممثل الأمة أن يدافع عن ناخبيه حتى آخر يوم في ولايته التشريعية. ولعل الورطة التي وضع فيها الرميد نفسه هي أن البرلمان الذي انتقده ووصف بطاقته بكونها لم تعد تصلح لشيء، هو نفسه البرلمان الذي سيعود إليه بعدما عدل عن استقالته. وإذا كان البرلمان لا يصلح لشيء، فلماذا سيقبل الرميد بالعودة إليه مجددا.. هل تغير شيء تحت قبة البرلمان في ظرف يومين حتى يقرر سحب استقالته والعودة إلى مقعده النيابي ليتابع لعب دور «الكومبارس» الذي قال، قبل يومين، إنه يرفض الاستمرار في لعبه؟ لو كان الرميد يريد تقديم استقالته، فعلا، من البرلمان لكان قدمها في اليوم الذي استدعت فيه وزارة الداخلية سنة 2002، حينما كان الهمة كاتبا للدولة فيها، الدكتور الخطيب وسعد الدين العثماني وبنكيران والرميد وطلبت منهم تحجيم مشاركة الحزب في الانتخابات، وانصاع الحزب لأوامر الداخلية و«قزب» أجنحته بمحض إرادته. لماذا، إذن، قبل حزب العدالة والتنمية ألا تتعامل معه الداخلية مثلما تتعامل مع الأحزاب الأخرى وأن تفرض عليه قيودا وشروطا لا تفرضها على الآخرين، ثم ينتظر مرور كل هذه السنوات لكي يأتي اليوم ويطالبها بأن تتعامل معه على قدم المساواة مع بقية الأحزاب؟ لو كان الرميد يريد تقديم استقالته، فعلا، من البرلمان لكان قدمها عندما طلبت الداخلية من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إبعاده عن رئاسة الفريق النيابي في البرلمان سنة 2007، ورضخت الأمانة العامة للقرار، وتم إبعاد الرميد عن رئاسة الفريق. ألم يكن تخلي حزب العدالة والتنمية عن دعم الرميد والتشبث به رئيسا للفريق النيابي بتوجيه من الداخلية كافيا لجعل هذا الأخير يفكر في مغادرة البرلمان احتجاجا على تدخل الجهاز التنفيذي في الجهاز التشريعي بهذا الشكل الفج؟ ألم تشترط الداخلية على حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2009 ألا يتجاوز عتبة 40 في المائة من الترشيحات، وخضع الحزب لهذا الطلب دون مناقشة؟ وحتى عندما أقيل بلكورة، عمدة مكناس، من طرف الداخلية، بعد تقرير اتهمه بالفساد المالي، لم نسمع الرميد أو غيره يهدد باستقالته. لقد كان على الرميد، وهو يرى حزبه وأعضاء أمانته العامة يطبقون تعليمات الداخلية، أن يقدم استقالته فورا ليس فقط من البرلمان وإنما من الحزب برمته. لكنه فضل البقاء. واليوم، وبسبب مشكلة تافهة، يعلن عن تقديم استقالته من البرلمان، ثم يعود بعد يومين إلى التراجع عنها بحجة أن زملاءه في الحزب لم يساندوه في قراره. إن قرار الاستقالة يكون دائما شخصيا ولا يعني سوى صاحبه. وكل من يربط استقالته بشرط أو قيد فإنما يحاول أن يضغط من أجل أن يفاوض لكي يربح سياسيا. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد هذه العاصفة التي تشبه زوبعة في فنجان، هو ماذا ربح الرميد سياسيا؟ أعتقد أنه خسر سياسيا أكثر مما ربح. وخوفي أن يقع له، بسبب هذه الزوبعة، ما وقع لذلك الأبكم الذي كان عندما يدخل إلى البحر لكي يسبح فيه يبدأ في القيام بالعزف على الكمنجة بيديه المرفوعتين خارج الماء حتى يظن الناس أن «الجرة» تجرفه وأنه يغرق. وفي كل مرة كانوا يبتلعون الطعم ويسبحون نحوه لإنقاذه كانوا يكتشفون أنه كان يمزح، فيعودون أدراجهم تاركين الأبكم وراءهم يسبح ساخرا من غبائهم وهو «يضرب الجرة» بيديه. إلى اليوم الذي كان فيه البحر مكدرا وكانت «الجرة ديال بصح» قوية جدا، فبدأ الأبكم «يضرب» الكمنجة بيديه المرفوعتين في الهواء حتى يراه الناس فيفهموا أنه يصارع «الجرة» ويهبوا لإنقاذه. لكن المصيبة هي أن الجميع ظن أن الأبكم «يطنز» عليهم مجددا، فتركوه يصارع الأمواج وحيدا إلى أن أخذته «الجرة» نحو الأعماق ولم يظهر له أثر. فما كل مرة تسلم «الجرة». ولو أن الرميد يأتي غدا ويعلن عن نيته تقديم استقالته فإن أحدا لن يصدق كلامه. ببساطة، لأنه لوح بنفس «الكمنجة» سابقا دون أن ينجز تهديده. إن الاستقالة لا تصلح للتهديد. فإما أن يقدمها السياسي ويغادر الساحة مرفوع الرأس، وإما أن يمتنع عن التلويح بها و«يلصق» فوق مقعده إلى أن تنتهي ولايته. وحتى نكون واضحين، يجب أن يعرف الجميع أنه عندما وقع كل الزعماء السياسيين سنة 1997 على مدونة الأحزاب تحت أنظار إدريس البصري، أعلن حزب العدالة والتنمية أنه حزب ملكي يحترم المؤسسات، مما يجعل منه حزبا عاديا مثل بقية الأحزاب. فلماذا، إذن، يلجأ في كل مرة إلى لعب دور الضحية مادام يقبل شروط اللعبة. إذا كان قادة الحزب يعتقدون أنهم مستهدفون، فلماذا لا يشرحون للرأي العام من هي الجهة التي تستهدفهم، ولماذا. وإذا كانوا، فعلا، يعتقدون أنهم مستهدفون خلافا لبقية الأحزاب فلماذا لا يقدمون استقالتهم جميعا احتجاجا على هذه «المؤامرة»؟ اطمئنوا، فلا أحد في العدالة والتنمية سيقدم استقالته، لأن الأمر، في النهاية، ليس سوى خبطة إعلامية لتلميع صورة الضحية التي يجيد الحزب تمثيل دورها.