أجرى المدرب الوطني السابق بادو الزاكي حوارا مع جريدة "الهداف" الجزائرية ، تطرق فيه لجدل تعيين مدرب جديد للمنتخب الوطني، وأيضا للقاء المرتقب بين المغرب والجزائر في تصفيات كأس إفريقيا 2012، وأشياء أخرى تكتشفونها في هذا الحوار الذي تعيد "هسبريس" نشره نقلا عن جريدة "الهداف" الجزائرية. الجميع يعتبرك أحسن مدرب حاليا في المغرب، لكن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لا تريد منحك منصب مدرب المنتخب المغربي، لماذا هذه المعارضة التي لم نستطع فهمها في الجزائر؟ الشرح الذي يمكنني تقديمه يمكن أن يكون ذاتيًا، لأني لست أنا من يرفض قيادة المنتخب المغربي، هناك مسؤولون في مناصب معينة وهذا السؤال يجب أن يطرح عليهم، اسألوهم لماذا لا يريدون الزاكي في المنتخب؟ المشوار الذي قضيته في المنتخب كان ناجحا بشهادة الجميع، يجب رؤية فقط كيف كان المنتخب المغربي وكيف أصبح اليوم، فليتساءلوا كيف أصبح منتخبنا بعد رحيلي وماذا حقق أيضا، الإجابة لسوء الحظ محزنة، بالمشاكل، النتائج السلبية إضافة إلى الانشقاقات داخل التشكيلة، إذن هذا السؤال ينبغي أن يُطرح على الآخرين، لأنه من جهتي أنا دائمًا مستعد لتلبية نداء الوطن. لماذا غير مرغوب فيك إلى هذه الدرجة في بلدك؟ لست مرغوبا فيّ كما تقولون، أظن أني شخص محترف كثيرا، بالنسبة لعقلية هاوية، هذا كل ما في الأمر. تعني مسيّري الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ، أليس كذلك؟ نعم أتحدّث عن المسؤولين، لو تستطلعوا رأي الشعب المغربي من الشمال إلى الجنوب، الجميع يقف إلى جانبي، حتى البرلمان طالب بعودة الزاكي إلى العارضة الفنية المغربية، فلتسألوهم لماذا يبحثون عن مدرب يقبض 250 مليون سنتيم في الشهر ليؤهلهم إلى كأس إفريقيا، في الوقت الذي كان التأهل إلى منافسة “الكان“ شيئا عاديا في عهدي، عندما كنا نؤهل المنتخب إلى “الكان“ لم نكن ننتظر حتى التهاني من أحد، الأمر كان طبيعيا جدا، لأنه عندما يكون لديك فريق قوي ولاعبون كبار لا تحتاج إلى أمور خارقة للعادة لتحقيق النتائج الإيجابية، النتائج تأتي من تلقاء نفسها. ألم تكن عودتك إلى الوداد البيضاوي وإحرازك لقب البطولة إشارة إلى من لا يريدك لتثبت لهم أنك دائما أفضل مدرب في المغرب؟ أتعلمون، لم يبق لدي ما أثبته أو أبرهن عليه لأي أحد، لست بحاجة إلى ذلك لأدرب، مشواري كلاعب معروف سواء في النادي أو في المنتخب، وحتى في الأندية الأجنبية، كما أني برهنت على كفاءتي كمدرب في كل المستويات، ليس لدي ما أثبته الآن، إذا عدت إلى الوداد البيضاوي فهذا لأن هذا الأخير هو فريقي دائما، في هذا الفريق تكوّنت وصورة “الواك” هي التي تناسبني كثيرا، إضافة إلى ذلك فالفريق كان يعاني لكن في ظرف سنتين من العمل أصبحنا أبطالا في المغرب، في الوقت الذي كانوا يجرون وراء اللقب منذ زمن طويل، قيمة الزاكي لم تتغيّر. لكن لماذا غادرت الوداد بعد إحرازك اللقب؟ أتعلمون، هذا أريد الاحتفاظ به لنفسي، لو كان الأمر يتعلّق بفريق آخر لكنت منحتكم إجابتي وبكل التفاصيل، لكن بما أنه الوداد، الفريق الذي ترعرعت فيه، فأفضل ترك كل شيء عندي، مثلما نقول نحن في المغرب، يجب ترك وسخ المنزل في المنزل، لنقل أنه كانت هناك أمور لا تسير كما ينبغي. الجزائر والمغرب سيتواجهان قريبا في إطار التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، كيف كان شعورك لمّا تلقيت خبر وقوع المغرب مع المنتخب الجار الجزائر؟ في البداية أود القول أن كلا الفريقين لديهما تاريخ مجيد في كرة القدم، إنها مباراة ديربي حقيقي بين جارين، يمكننا القول أنهما فريقان متساويان من حيث المستوى، لكن التأهل سيكون لصالح الفريق الذي يكون أكثر تحضيرا، إضافة إلى ذلك في هذه المجموعة سيكون هناك فريق واحد متأهل بين الجزائر، المغرب، تانزانيا وإفريقيا الوسطى، من البديهي أن المرتبة الأولى ستُلعب بين الجزائر والمغرب، فيما يخص الجزائريين، كل شيء أصبح واضحا اليوم، الأمور محددة، وكل شيء أصبح عاديا، عكس ما يحدث للمنتخب المغربي الذي أصبح يسجل غيابه حتى في تواريخ الفيفا للعب المباريات الودية، وهذا سيؤثر على لياقة اللاعبين، وعلى انسجامهم فيما بينهم في الآجال القريبة، على الأقل فيما يتعلق بالتأهل إلى كأس إفريقيا للأمم، أكيد أن الأفضلية ستكون لمنتخب بلادكم في هذه التصفيات، مسؤولو الكرة المغربية مطالبون بالتحرك في أسرع وقت قبل فوات الأوان. ما الذي منع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من انتداب مدرب طيلة هذا الوقت؟ أفضل عدم الحديث عن هذا الأمر بصفتي كنت مدربا سابقا للمنتخب المغربي وعملت فيه لمدة طويلة، بطبعي لا أحب الحديث عن مثل هذه الأمور وعندما أجد شيئا لا يعجبني أدير له ظهري وأحوّل وجهتي للجهة المقابلة، كل ما يهمني هو حالة المنتخب المغربي ولا شيء غير ذلك. لا أحب الدخول في جدل عقيم لأن هذا الأمر من شأنه أن يضر بصورتي وبصورة كرة القدم المغربية خاصة، كل ما يمكنني قوله هو أن الأمور ليست بيدي، لذا لا أستطيع أن أغير شيء. البعض يخشى أن يتكرر السيناريو الذي حدث بين الجزائر ومصر، في مواجهة الجزائر والمنتخب المغربي، ما رأيك؟ لا أعتقد أن الأمر سيكون مماثلا لأني أعرف تقاليد البلدين في كرة القدم، بلدينا بعيدان عن كل هذه الأمور عندما تكون المواجهة بينهما وتاريخ المواجهات بين المنتخب الجزائري ونظيره المغربي حاضر من أجل التأكيد على ذلك، فهل تتذكرون فوز الجزائر ب1-5 في المغرب؟ رغم الهزيمة صفق الجمهور المغربي مطولا على الجزائريين رغم أن الوضعية السياسية في ذلك الوقت بين البلدين لم تكن على ما يرام. تقاليد الشعبين والعلاقة التي تربطهما أقوى من أن تتضرر بلقاء في كرة قدم، ولا يمكن أن نعيش ما حدث بين الجزائر ومصر، وسواء تعلق الأمر بالجزائر أو بالمغرب الروح الرياضية كانت دائما حاضرة بين المنتخبين، أما فيما يخص النتيجة فالأمر يحسم في غالب الأمر بعامل الحظ، لأن المنتخبين يلعبان بنفس الطريقة تقريبا والشعبان يتقاسمان نفس الثقافة والتقاليد، لذا لا يمكن أن نحضر مرة أخرى لسيناريو مماثل لذلك الذي حدث في القاهرة. لكن هناك احتمالا أن يكون هناك بعض المتعصبين الذين سيحاولون إثارة منافسهم خلال التصفيات القادمة، ما الذي يمكنك أن تقوله لهؤلاء؟ لا يمكنني حتى أن أتصور حدوث هذا الأمر بين شعبينا، سواء تعلق الأمر باللاعبين، الجماهير أو الصحفيين، لا يوجد أحد لديه هذا الحقد اتجاه الآخر في كرة القدم، الكل واعي بأن الأمر يتعلق بلقاء في كرة قدم والأفضل سيفوز، وأفضل مثال يمكن أن أقوله لكم، هو ما حدث في اللقاء الذي فازت به الجزائر ب5 أهداف في الدارالبيضاء، أنا أتذكر هذا اللقاء جيدا لأني كنت في دكة الاحتياط، ولم أستطع أن أنسى كيف أن جماهيرنا تعاملت بكل روح رياضية مع الجزائريين، فلو كان جمهورنا متعصبا مثل ما تتصورون فالأمور كانت ستمر بطريقة مغايرة، لكن لحسن الحظ أن شعبينا يحترمان بعضهما كثيرا ويحبان بعضهما. وكيف عشت تلك الخسارة ب1-5 في الدارالبيضاء وأمام جماهيركم؟ صراحة، تمنينا أن نكون مكان الجزائريين ذلك اليوم. خيبة الأمل كانت عظيمة في صفوفنا فقد تأسفنا كثيرا لهزيمتنا أمام جماهيرنا وبنتيجة ثقيلة جدا. قيل لنا إنه حين تعرضتم لخسارة 5-1، اشترط المسؤولون في بلادكم أن لا يتم توصيلكم واللاعبون غادروا إلى بيوتهم على متن سيارات أجرة، هل صحيح هذا الخبر؟ غير صحيح على الإطلاق، الناس يتحدثون عن أمور لا معنى لها، أي حماقة؟ كما تعلمون الوضعية بالنسبة إلى السياسيين كانت خيبة أمل بسبب الإقصاء الذي تلا تلك الخسارة، هذا فقط. لقد كان هذا في 1979 في إطار التصفيات المؤهلة للألعاب الأولمبية في موسكو. إضافة إلى طابع الداربي الذي يميز هذه المباراة مثلما هو الحال بالنسبة للجزائر عندما يتعلّق الأمر بمواجهة تونس أو مصر أو المغرب. وهذا يخلق للشعب مناخا خاصا لأن كل فريق يريد الفوز بالمباراة. صحيح أن كل اللاعبين تأسفوا للخسارة التي حرمتنا من الذهاب إلى موسكو، ولكن الجميع نسيها وتجاوزها لأنها جاءت أمام فريق كبير هو الجزائر، والصحافة المغربية كلها أجمعت على أن الفريق الجزائري كان الأقوى منا ويستحق المشاركة في الألعاب الأولمبية. وهناك البعض من اعتبر الخسارة ب 5-1 أقل من النتيجة التي كانت محتملة لأنهم رأوا أنه كان بإمكاننا أن نخسر بنتيجة أثقل، لقد كان الأمر شبيها بداربي بين فريقين جزائريين أو مغربيين في البطولة، فعندما تستيقظ في الصباح ما عليك إلا أن تنسى نتيجة الخسارة. بلغنا أيضا أنه في مونديال 1982 السلطات المغربية منعت الشعب المغربي من متابعة مباريات الفريق الوطني، هل هذا صحيح؟ كل هذا غير صحيح؟ هذه مجرد تفاهات لست أعرف من أين جيء بها أيضا هي الأخرى، ولكن من الجيد أنك سألتني حتى أوضح للجميع أن هذا الحديث لا أساس له من الصحة. وأقسم أن كل المغاربة كانوا مع المنتخب الجزائري في مونديال 1982. ولقد اهتززنا مع كل هدف في مرمى ألمانيا مثلما كان الحال معكم في مشاركتنا في كأس العالم. وهل تعلم أن من روى لنا هذه الأمور مغاربة وليسوا جزائريين؟ إذن هذا يدخل في تخيلات الشعب، وحتى تعلم أن عدم نقل التلفزيون المغربي لمباريات الجزائر كان بسبب الأموال وحقوق البث لا غير. وبلا شك أن حقوق المباريات كان أكثر من قدرة المغاربة وهذا ما حدث. إن المغاربة كانوا متعطشين لمتابعة مباراة الجزائر أمام ألمانيا والدليل هو سعي المغاربة لاقتناء بطاقات اشتراك القنوات التي تبث مباريات الجزائر، ولكنهم لم يحصلوا عليها بسبب الإقبال الكبير وفي المغرب الجميع يقف وراء الفريق الجزائري، وصراحة من يروّج لمثل هذه الإشاعات يريد إفساد تاريخ الشعبين والروابط التي تربطنا منذ قرون. هل لنا أن نعرف الأوقات التي طلبتك فيها فرق جزائرية؟ لدي صديقي عبد الكريم مدوار الذي تربطني به علاقة صداقة ولكن الأمر لم يكن يتعلّق بتولي تدريب فريقه، وأصارحكم لم يكن يوما موضوع حديثنا. ولكن منذ سنتين على ما أعتقد رئيس وفاق سطيف اتصل بي وعرض علي فكرة تدريب فريقه. ولكنني رفضت العرض لسوء الحظ بسبب التزاماتي الخاصة في المغرب، ولا يمكنني التدريب في الخارج لأنه يتحتم علي أن أسيّر الأمور كلها بنفسي. هل لك ابن يلعب كرة القدم سيكون خليفتك؟ لدي ابن عمره 12 سنة ولكن لا أعتقد أنه سيكون لاعب كرة قدم. إنه مدلل ووالدته هي التي تتولى أخذه إلى التدريب على متن السيارة، وهو يعيش في ظروف ممتازة. وأيضا لهذه الأسباب لن يكون لاعب كرة قدم، فالطفل الذي تأخذه أمه للتدريب في الوداد في السيارة ويتدرب لمدة ساعة ويمتلك خمسة أنواع من الأحذية وثلاثين بدلة ويقضي وقته في المدرسة لا يمكنه أن يكون لاعب كرة قدم. ليس كما كنا نحن في الماضي نقضي ساعة في المدرسة و18 ساعة في لعب كرة القدم بأقدام حافية وسروال ممزق (يتحسّر أكثر)، لهذا السبب فإن ابني لن يكون لاعب كرة القدم. الجزائر موجودة في هذا المونديال... أريد التحدث عن سعدان خاصة عن العمل الذي حققه مع هذا المنتخب. ولكن من سوء حظه أنه جزائري. فلو كان الأمر يتعلق بمدرب أجنبي في مكانه وحقق هذه النتائج وتأهيل المنتخب إلى كأس العالم وإخراج الكرة الجزائرية مما كانت عليه أكيد أنه كان سينصّب له تمثال في أجمل الساحات العامة بالعاصمة. ولكن بما أنه جزائري فإن الناس يقزّمون إنجازه في المنتخب. إنه نكران الجميل ذلك الذي يطغى على العالم العربي والأفارقة. أتمنى يوما أن يعترفوا بأننا نملك كفاءات قادرة على تحقيق نتائج مماثلة، في وقت نمنح الملايين لمدربين أجانب نتائجهم غالبا سلبية.