بالغطاء الخلفي للكتاب، تبالغ منشورات Grasset عندما تعلن أن “الأمير الأحمر” (بمعنى الاشتراكي) يضرم النار بالقصر!! وهي مبالغة ولاشك بالرغم من أنها لا تقلل من فائدة الكتاب. مع إقصاء الأمير مولاي هشام وضمان حرية التوزيع لكتابه داخل المملكة، يجعلني أعتقد أن القصر المغربي (بمشواره) يقيم الدليل على أن بجعبته أسهما متعددة تمكنه من التكيف مع مستجدات العصر. لكنني أخشى أن تقود هذه المبالغة – من قبل الناشر والكاتب أيضا – القراء إلى الاهتمام باللهب ليفوتهم الانتباه لما هو أساسي وجوهري. الكتاب كله حذاقة ويفي بما تعهد به مؤلِّفه : فهو مكتوب بكل إتقان، من دون زخرف، ويتطرق بالضبط إلى الموضوع المعلن عنه بعنوانه وبمقدمته. ويصادف القارئ المتمعن دررا وعبارات لغوية شيقة من شأنها أن تُسعد محبي لغة موليير و فولتير. في "يومياته" هذه ، يصور لنا الكاتب حياة مغربي، له طبعا امتيازات أمير، ولكنه عاد في آخر المطاف : إنه غير راض عن واقع بلاده، متمرد على محيطه، قلبه متجه شيئا ما نحو اليسار ... ولكنه، على الرغم من ذلك، لا يجرؤ على تعرية الجذور التي تغذي بنسغها المر أبناء جلدته وعمومته بالمغرب كما بشبه الجزيرة العربية. فتحكم الراوي من قصته يمكنه من الإقدام على مراوغات فكرية بارعة : بشأن الحريم الملكي، أولئك المسجونات والمستعبدات جنسيا، المحرم عليهن الزواج بعد وفاة سلاطينهن، يكتب “الأمير المنبوذ” المنحدر من سلالة النبي ما يلي :« Mais mon père tenait à veiller au bien-être de ces concubines turques et d'autres femmes liées à Mohamed V ou à ses prédécesseurs. Elles avaient côtoyé les sultans de manière intime – il fallait donc protéger leur honneur. » (p. 29) "كان والدي حريصا على ضمان رفاهية السراري التركيات وغيرهن من النساء اللائي كانت لهن علاقات بمحمد الخامس أو بسابقيه على العرش. كن قد عاشرن السلاطين – لذا بات من اللازم حماية شرفهن" ( ص 29 ). لقد قرأتم جيدا : "الشرف" ! خدعة لغوية ليس بأحسن منها ما ورد بالقرآن من “ترقية” لأرملات النبي التسع إلى رتبة "أمهات المؤمنين" كي يعلن للملإ، بلا حيا وبلا حشما، أنه قد حرم عليهن الزواج بعد وفاته. على عكس ما قد يتصوره المرء فإن التعسف بالأراضي الإسلامية محكم التنظيم، منذ مكة ونبيها وصولا إلى الرباط وذريته الحاكمة هناك : فالأمير المنبوذ يخبرنا أن كل شيء كان مغشوشا بالثانوية الملكية كي يحصل ابن عمه، ولي عهد الحسن الثاني، على الرتبة الأولي (ص 42-43) . وفي ظل التعسف الحاكم نجد كل شيء مقلوبا رأسا على عقب. يخبرنا الأمير أن والدته كانت تحاور علال الفاسي (رائد وطني متدين) بمنزلهم دونما حاجة إلى الاختباء وراء ستار... ولما يدخل علينا "الإشتراكيون" ، وكأنما "يخرج السيجار والكحول من العدم، كما في سنوات الحذر بأمريكا. ويُطْلب من أمي أن تختفي وراء البردة – ذلكم الحجاب الذي يمثل التفرقة بين الرجل والمرأة". Puis, lorsque les « cocos » arrivaient, « Comme au temps de la prohibition, l'alcool et les cigares surgissent de nulle part. Ma mère était priée de disparaître derrière le purdah – le « rideau » qu'est la ségrégation entre hommes et femmes … ». رغم أن “الأمير المنبوذ” يدافع عن وجهة نظر مختلفة، فإنه مع ذلك يحاول إعادة استغلال الماضي وموتاه، ويقدمهم فدية لبعضهم البعض. بالذاكرة المغربية، على ما أعتقد، ليس هناك من فرق في القسوة وسفك دماء الأبرياء بين عمه الحسن الثاني ووزيره بالداخلية، الجنرال أوفقير. لكننا نرى الكاتب يحاول إعادة صياغة واقعة فاشلة معروفة - تنم مما لا شك وعي لاشعوري للجنرال بخطيئته - ليكتب : "لم يعد الجنرال يطيق المحسوبية ، والفساد، والأجواء الخامجة. لقد خطط بعناية للهجوم على الطائرة الملكية ولم يكن ليفشل (ذلك المخطط) لولا بركة الحسن الثاني." ( ص 61 ). « Le général ne supporte plus le clientélisme, la corruption, l'atmosphère délétère. Il a minutieusement préparé cet attentat contre l'avion royal que l'incroyable baraka de Hassan II a fait échouer » لسنا في حاجة إلى التدليل على نقص مهول في حرفية الجنرال وطياريه الحربين القاصفين، عدة مرات، لطائرة ركاب دون النجاح في إسقاطها. لذا، لا يسعنا سوى التنبيه إلى أن كلمة "بعناية" ليست هنا في محلها. أما "البركة" فالكل يعلم أنها قادرة على تبرير 'كل شيء' و 'لا شيء' في نفس الوقت، لذا يمكن اعتبار اللجوء لاستعمالها كذر للغبار بعين القارئ. ولربما نفهم المقصود من هذا التحايل الحذق في بضع صفحات تالية حيث نكتشف توزيع الأدوار داخل العائلة الملكية، خليفة الله في أرضه : "كان والدي يعلم ... كذلك أن (أخاه) الحسن الثاني ينتقم شخصيا من عائلة خادمه السابق (أوفقير) وأرسل طيلة عدة سنوات غذاء وكساء وكتبا للمسجونين في خفاء بتوسط أحد مساعدي الملك وكذا العقيد الشنا الذي هو أب زوجة أوفقير. ولقد وبخ الحسن الثاني مرات عديدة أبي وبشدة على هذا التحدي لسلطته." (ص 64 ). « Mon père savait… aussi que Hassan II se vengeait personnellement sur la famille de son ancien « connétable », puisque ce fut par l'intermédiaire de l'un des aides de camp du roi et du père de l'épouse d'Oufkir, le colonel Chenna, que mon père envoya pendant des années des vivres, des vêtements et des livres aux « disparus ». Plus d'une fois, Hassan II lui a vertement reproché ce défi à son autorité. » (p. 64). أُذَكر الذين لربما نسوا هذه الواقعة الهمجية أنه كان بالأسرة المسجونة المنتقم منها أطفال صغار. من خلال هذا الوصف المزدوج الأوجه لربما قد ينقاد القارئ للتمييز، داخل العائلة الحاكمة، بين رحمان رحيم (أب الكاتب) ومنتقم جبار قهار مهيمن مسيطر ومتكبر (الحسن الثاني، عم الكاتب). لكن العربي يعلم حق العلم أن المسلمين أجمعين يقدسون ويهابون ويتقون الواحد الأوحد الذي لا يتجزأ والذي رغم ذلك لا يتردد في وصف نفسه بكل هاته الصفات التي يعتز بها المسلمون كأسماء حسنى. بعبارة أخرى : العنف المقدس والأعمى، مثله كمثل كل خلفائه على أرض المشرق والمغرب الإسلامي : وحش ذو وجهان أو بالأحرى ذو أوجه متعددة ترعب وتهيب العالمين ليختلط عليهم الأمر أمام تقلبات ألوانها وأحوالها وخطاباتها. كل هذا يقودني إلى الاعتقاد بأن الأمير مولاي هشام سيظل، كوالده، جزءا لا يتجزأ من النظام الموحد رغم أن له أوجها متعددة. أوجه مهمتها البلبلة كي يتعسر التمييز ولا يفهم المغاربة ولا العرب ولا العجم جوهر منظومة الحكم الإسلامي. جوهر لا يخشى التناقضات فيتقلد الأسماء المواتية لكل المناسبات وبالتالي لكل مكان ولكل زمان. رغم كل هذا لا أعتقد أن هنالك حتمية تاريخية عربية أو إسلامية كما خيل لأسلافنا منذ الهجرة وإلى الآن : نعم يمكن للأمير المنبوذ ولكل المسلمين التنديد ثم التنصل رسميا من تقديس غول ووحش متعدد الرؤوس يدعى “الله” والذي هو اسم آخر ل"العنف الأعمى الذي يسحق العديد من الأبرياء بما فيهم أطفاله". ويتضح هذا العنف الأسطوري في قصة يرويها الأمير عن عمه الحسن الثاني الذي حدثه عن مولاي إسماعيل، أحد أعنف أسلافهما : " - تقول الأسطورة إن الأميرة لالة ياقوت، ابنة مولاي إسماعيل، دفنت حية كجزء من هذا السور لأنها رفضت الزواج برجل كان قد اختاره أبوها السلطان كحليف سياسي. ويقال أن صرخاتها ما زالت تسمع بأواسط الليل. لذا أمرت بترميم هذا الجذار. فلو انهار وعثر الناس على رفاة الأميرة فسيكون ذلك أمرا خطيرا جدا". فأجبته : "- وإذا لم يعثروا على رفاتها فسوف يدركون أن ذلك مجرد أسطورة." فأجابني الحسن الثاني : "نعم، وسيكون ذلك أسوأ" "مفاد هذا أنه لا يهم أن تكون القصة صحيحة أم خاطئة، فالأسطورة تقدم لنا في كل الأحوال درسا في الحكامة. لذا يتوجب علينا حماية ذكراها المتجذرة بالخيال العام. فالجريمة التي ارتكبت ضد فرد (بريء) تتحول إلى ضمانة للاستقرار السياسي." (ص 156-157 ) . « La légende veut que la fille de Moulay Ismaïl, Lalla Yaqout, ait été emmurée ici pour avoir refusé d'épouser l'homme que le sultan avait choisi pour elle dans le cadre d'une alliance politique. On dit que, le soir, on entend ses cris. J'ai donc restauré ce mur car, si jamais il s'effondrait et qu'on trouvait ses restes, ce serait très grave. - Mais si on ne la trouvait pas, lui fais-je remarquer, on se rendrait compte que ce n'est qu'une légende. » Il me répond : « Oui, et ce serait encore plus grave. » Ce qui veut dire : vraie ou fausse, cette légende est une leçon de gouvernance qui, en tant que telle, doit être protégée pour traverser le temps. Ancré dans notre imaginaire collectif, le crime commis contre un individu peut se muer en gage de stabilité. » (pp. 156-157). يوضح هذا الاقتباس المطول أن القدسية المرتبطة بملوك المغرب والتي لا يمكن المساس بها، ليست شيئا آخر سوى ذلكم "العنف الأعمى القادر على التضحية بالأبرياء، بما فيهم فلذة كبده". فالحسن الثاني تجرأ على نعت ظلم أهله وعنفه وانتقامه الأعمى والوحشي من أهل مخزنه المقربين إليه ب "الحديقة السرية". نعم هذا هو سر الحكم وأساس “العمران” إلى حد الآن بالبلدان الإسلامية. لذا يبدو لي أن بناء أسطورة عصرية اسمها "الأمير لمنبوذ"، وارث لأخ ظلمه الحسن الثاني، هو جزء لا يتجزأ من "الحكامة" الجديدة للقصر بأهله ومشواره، لكل دوره في مكانه. وفي بعض صفحات الكتاب يخيل لنا وكأنما يكتشف الأمير أشياء أساسية وهامة : "في ذلك المساء، فهمت أن النظام الملكي المغربي يمزج بشكل جوهري الدين بالقرابة وبالسياسة. فهذه العناصر منفصلة وملتحمة في نفس الآن - ثالوث توحيدي رغم تناقض الكلمتين" (ص 185). « Ce soir-là, je comprends que la monarchie marocaine mêle de façon consubstantielle le religieux, la parenté et la politique. Tout cela est inséparable en même temps que distinct – une vraie hypostasie. » (p. 185). وكأنما يجهل أميرنا المغربي ثالوث "الله - الوطن - الملك" الخاتم للنشيد الوطني ؟! ولنذكر أن كلمة “نشيد” خلال العصور القديمة، التي ما زالت حاضرة ببلاد الإسلام، كانت تعني قصيدة مدح تألف تكريما لرب أو لبطل أو لحاكم يدمج اسمه بطقوس العبادة. ولكن مؤلف '”يوميات أمير منبوذ” لا يقدم لنا أي تعهد جديد يدلنا على أنه قد أعاد النظر في الركيزة الأولى، الأساسية والجوهرية، لهذا الثالوث، مما قد يشعرنا بأمل في تغيير جدي لأحوال المغاربة والمسلمين الذين خانهم “تقدميون” آخرون خلال عقود سبقت. بدلا من ذلك، يحاول الأمير أن يبيعنا بسعر زهيد فكرته القائلة بأن البيعة (من دون شَرْية متكافئة) الموروثة عن النبي هي بمثابة "طقس روحاني يأخذ على عاتقه الجانب السماوي”. « un rituel mystique qui prend en charge le divin. » لينتهي به الأمر إلى الاستنتاج التالي : " يمكننا اليوم أن نعيد تشكيل الحكامة السياسية المثالية في سياق الإسلام." (ص 215-216 ). « Aujourd'hui, il est donc tout à fait concevable de requalifier, de nouveau, la forme idéale de la gouvernance politique dans le cadre de l'islam. » يا سلام ! هذا هو الغلط القاتل بعينه لأن كلمتا " الله " و " العنف الأعمى " كيف - كيف كما يقول المغاربة وكما بينت التوضيحات السابقة، بمعنى أنه لا فرق بينهما البتة.أما الباقي فهو مجرد تكرير وإعادة استثمار لنفايات، ميدان يتفوق فيه أميرنا المنبوذ بمساعدة بني أخواله وخالاته بمنطقة الخليج وبالجزيرة العربية.