ليس من حق السيد أحمد احرزني،أن يلفظ من قول،يشيد بالحكومة،وليس من حق أي مواطن،أن يذكر محاسن حكومته في البلدان العربية،والإسلامية،وإلا نعت بالخيانة،والانتهازية،فدائما حكوماتنا هي أسوء الحكومات، ويستتبع ذلك أن المناضل يجب أن يضل مناضلا إلى آخررمق ،فحرام عليه الملبس الأنيق، وسيارة تخفف عنه وعثاء السفر، ومنزلا يأوي إليه ،كما عليه أن ينكر كل ماحققته الحكومة،وعليه أيضا أن يصف المسؤولين بأقبح النعوت، كلما قال،أو صرح،علنا،وفي نفسه. إن نظرية ( ولو طارت معزة) المستحكمة في بعض العقول ( المناضلة العربية) ،فتحت الأبواب على مصراعيها لكل لوبيات العالم كي ينفذوا ليكرسوا واقع التفرقة بين الحكام،والمحكومين، وبين الحكام أنفسهم،وبين شعوب وشعوب،ومن هنا كان واقع حالنا،لاتلمه روابط،غير روابط التوجس والتشكيك،والخوف من كل مسؤول،بتأطير نظري مفاده أن كل مسؤول متهم حتى تثبت تهمته. من هنا لايمكن استبعاد أثر العلاقة المتوترة بين الشعوب والحكام، على ماتجده إسرائيل من حرية التصرف تجاه كل بلد عربي أو إسلامي،وقبلها بعض أوجل الدول الغربية، ونتذكر جيدا أن احتلال العراق تم ضمن سياق إيجاد معارضة، موالية للغرب،( مناضلة)،ستملأ الفراغ بعد تقويض الدولة الممانعة لهدر الثروة،وتوجهات الهيمنة،والإذلال، وعندما قضي على الحاكم قضي طبعا على،ونكل بكثير من أبناء الشعب بما فيهم أولئك الذين كانوا يعارضون النظام،ولم ينتظر منهم أحد أن يتزيلوا. قد يبدو دفع الناس إلى فقد الثقة في حكوماتهم،أمرا بسيطا لكنه،ينتج وضعيات سيئة تجعل الحاكم يستسلم لجهات خارجية لتحصين نفسه، مما تخبئه له الأيام،وبالتالي تصبح الديمقراطية بالنسبة إليه وسيلة من وسائل التعاون مع الخارج ضد الداخل، خاصة وأن هذا ( الخارج) يجيز استعمال القوة لإسقاط حاكم عربي وشنقه يوم العيد،لكنه يحرم ذلك إذا تعلق الأمر بحاكم غربي.إذا كنا في المغرب قد تجاوزنا، والحمد لله،مرحلة التوجس بفضل حكمة المؤسسة الملكية،ومناضلين من أمثال بنزكري و احرزني،ومن قبلهم، وكل فئات الشعب،فإن دولا كثيرة من أبناء جلدتنا، لايزالون غارقين في هواجس التربص، والترقب المحفوف بكل أنواع التخوفات من مكائد الإيقاع بين الشعوب والحكام. ولايمكن استبعاد دور ما لتلك الجهات الخارجية في الحفاظ على انعدام الثقة المفضي إلى انعدام الديموقراطية لتبقى نقطة ضعف تسمح بتزكية إسرئيل في العالم العربي. ألا نتنبه إلى الوصف الدائم للمناطق العربية بغير المستقرة،وبالتالي غير الممكن الوثوق بمستقبلها،ويجب أن تبقى كذلك و بكل الطرق،حتى تشرع ترواثها النفطية بدون محاسبة،أو معارضة، إذ إن المعارضة هناك تعني استفزاز الحكم واستعداءه. الوضع عندنا مختلف طبعا،لأن المغرب،استطاع المضي مكسرا ثنائية :إذا كان الحاكم في طريق ،فيجب أن يكون المحكوم في طريق آخر كعلامة دالة على حسن النضال.لكن المشكلة تكمن على مستوى انتقاد الحكومة، الذي لازال محكوما، في كثير من جوانبه ،بهاجس الماضي،الذي يصم كل رأي إيجابي حولها بالمشبوه،وهو ما يفسر ارتفاع مبيعات الصحف المنتقدة للحكومة، والمعرضة بمسؤوليها،وانخفاض مبيعات تلك التي تذكر ماتقوم به الحكومة، أو تلك التي تقوم بتحليل متوازن للأوضاع فتبين الغث والسمين. ومن العجب أنني قرأت لأناس كانوا متزنين في اتقاداتهم،لكن عندما انهالت عليهم أوصاف القراء بالتواطؤ مع الحكومة تراجعوا ليسودوا وجه الحكومة، ويعزفوا على بعض النعرات القبلية القبيحة. قال أحدهم واعتقد أنه بابليون بونابارت: (إن مايخشاه من قلم واحد، لايخشاه من عشرة رجال). ولذلك فإن الاستهانة بالقلم،يفقده المصداقية،ويضر أكثر مما ينفع،وفي بعض الأحيان يجب أن يكتب الإنسان لنفسه قبل أن يكتب للناس،كما قال طه حسين،والمعنى أن يرتقي بالكتابة لتأسيس ثقافة الاقتناع،لا ثقافة الإملاءات ،والانفعال السريع،ولايرفع سقف المطالب المثالية،فكم منهم فعلوا ذلك ولما تحملوا المسؤولية بدا للناس أنهم لم يصلوا بمهامهم لما كانوا يصورون للناس أنه سهل التحقيق. في أوضاعنا الراهنة مطلوب كل التضامن بين الشعوب،والحكومات، وسيادة روح التضامن ،والنصح، والانتصاح، حتى نفوت الفرصة على من تسول له نفسه اقتناصنا في البحار،أو في أي مكان من الدنيا.وما يقال عن حكوماتنا وشعوبنا،يقال عن العلاقة بين دولنا حيث تلقى أمامها كل حواجز منع حتى تصور لوحدة ما.وهذا شأن آخر. خاتمة صغيرة: كل الناس يحبون التعزيز، والنصح، لكن النصح على رؤوس الأشهاد فضيحة، وأمر الناس كأمر الحكومات.