1- لا يتعدّى معدل الدخل الأسري (وليس الفردي) في المغرب 5300 درهم في الشهر. وإذا كنا نعلم أن الأسر المغربية تتشكل في الغالب من خمسة أفراد على الأقل فما فوق، فسنكتشف أن الدخل الفردي للمواطن المغربي لا يتعدى ألف درهم في أحسن الأحوال. هذا في ما يتعلق بنتائج آخر إحصائية رسمية للمندوبية السامية للتخطيط، أما تقارير البنك الدولي فتقول بأن ما يقارب ستّة ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع بأقل من دولار واحد في اليوم، ومع ذلك لا تجد الجامعة المغربية لكرة القدم حرجا في التعاقد مع مدرب جديد للمنتخب المغربي، سيتقاضى من أموال فقراء المغرب أكثر من ربْع مليار سنتيم في الشهر! 2- مدرب المنتخب الوطني الجديد إذن، البلجيكي إيريك گيريتس، سيكلف جيوب المغاربة 250 ألف أورو شهريا، أي أكثر من ثلاثة ملايير سنتيم في السنة، في الوقت الذي يعيش المغرب أزمة اقتصادية ومالية خانقة، بعدما استفحل عجز الميزانية وبلغ خمسة ملايير سنتيم، وتعاني الأغلبية الساحقة أو المسحوقة من المغاربة الويلات مع ظروف العيش القاهرة، دون أن تخلف هذه الجريمة الجديدة في حق المال العام أي ردة فعل لا من طرف البرلمان ولا حتى من طرف دعاة حماية المال العام. فلنا ولكم الله ولكم الصبر على هذه النكبة الجديدة أيها المغاربة! 3- إننا لسنا ضد تعيين مدرب للمنتخب الوطني من مستوى عال، ولكننا ضد تبذير المال العام بهذه الطريقة المخزية، وضد تحويل مؤسسات الدولة، بما فيها جامعة كرة القدم إلى مزارع للدواجن يتصرف فيها المسؤولون كما لو أنها في ملكيتهم الخاصة. فقد كنا نشكو من ارتفاع تكلفة المدرب السابق روجي لومير، وقبله هنري ميشيل اللذين لم يكونا يتقاضيان سوى ما يقارب خمسين مليون سنتيم في الشهر، وها نحن اليوم نتفاجأ بمضاعفة هذا المبلغ لستّ مرات كاملة للمدرب المرتقب. المصيبة الكبرى أن الذي يحدث كلما ضاعفت الجامعة من خسائرها على مدربي المنتخب الوطني، هو أن مستوى هذا الأخير يتقهقر إلى الوراء بشكل رهيب، لدرجة أنه صار عاجزا حتى عن التأهل إلى كأس إفريقيا للأمم، أما التأهل إلى كأس العالم فقد صار من سابع المستحيلات! 4- ومن يتأمل لائحة أجور منتخبات بلدان العالم الغنية ويقارنها براتب المنتخب المغربي لا يمكنه إلا أن يشعر بالصدمة. مدرب منتخب سويسرا مثلا، لا يتعدى راتبه السنوي مليون وسبعمائة وخمسين ألف أورو، أي نصف راتب مدرب المنتخب المغربي تقريبا، علما أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة جدا على لائحة أغنى دول العالم، في الوقت الذي يحتل المغرب على نفس اللائحة مرتبة متقدمة جدا في مؤخرة الترتيب! مدرب منتخب فرنسا بدوره لا يتعدى راتبه السنوي 560000 أورو، علما أن فرنسا بدورها تصنف كخامس أغنى دولة في العالم، والحد الأدنى للأجور فيها يفوق نظيره في المغرب خمس مرات. أما مدرب منتخب الولاياتالمتحدةالأمريكية، أغنى دولة في العالم، فلا يتعدى راتبه 275000 أورو سنويا. وهو المبلغ الذي تستطيع جامعة كرة القدم الأمريكية توفيره بعرق لاعبي منتخبها، الذين سيحصلون على مبلغ ثمانية ملايين دولار من "الفيفا"، نظير تأهلهم إلى مونديال جنوب إفريقيا، هذا إذا توقفت مسيرتهم عند حدود دور ثمن النهاية، أما أجر مدرب المنتخب المغربي فلن يستخرج من عرق اللاعبين المغاربة، بل سيستخرج من جيوب مزاليط المغرب! 5- إن المصيبة العظمى، هي أن إيريك گيريتس ليس مكلفا فقط لجيوبنا، بل مكلف إلى أقصى الحدود، لدرجة أنه صار ثاني أغلى مدرب في العالم يقود منتخبا وطنيا بعد مدرب المنتخب الانجليزي، الايطالي فابيو كاپيلو. مع الأخذ بعين الاعتبار بطبيعة الحال أن مستوى عيش سكان المملكة المتحدة وقدرتهم الشرائية يفصل بينها ما يفصل بين السماء والأرض عن مستوى عيش سكان المملكة المغربية، إضافة إلى أن منتخب انجلترا يحقق نتائج جيدة، ويعود على بلاده بالخير، بينما منتخبنا الوطني لا يعود علينا سوى بالكوارث وأوجاع الدماغ. لذلك فإن استقدام مدرب بثلاثة ملايير سنتيم في السنة يعتبر جريمة في حق المال العام. 6- وإذا كان المثل يقول بأن الصمت دليل على الرضا، فإن صمت المغاربة عن هذه الجرائم والمجازر التي تُقترف في حق المال العام لا تدفع ب"المسؤولين" سوى إلى اقتراف مزيد من الجرائم. ففي الماضي، كان الحديث عن راتب المنتخب الوطني يدخل في إطار أسرار الدولة، أما اليوم، فحتى قبل أن يتولى إيريك گيريتس منصبه الجديد، كشف في حوار مع صحيفة بلجيكية عن قيمة المبلغ الذي ستدفعه له الجامعة، وهذا يعني أن "مسؤولي" هذه الجامعة صاروا اليوم مقتنعين بأن المغاربة لن يصرخوا ولن يحتجّوا حتى ولو جلبوا مدربا بمائة مليار في السنة. گيريتس لم يكتف فقط بكشف مبلغ راتبه الشهري، بل كشف أيضا عن كون الجامعة المغربية لكرة القدم هي التي ستدفع الشرط الجزائي مقابل فسخ العقد الذي يربطه بنادي الهلال السعودي، والذي يتراوح ما بين مليار ومليار ونصف المليار سنتيم. إيوا موتْ انت. 7- إننا ندرك جيدا أن السبب الذي يدفع بالمسؤولين المغاربة للتصرف بهذا الشكل الجنوني في حق المال العام من أجل العثور على مدرب كبير للمنتخب الوطني، هو أنهم يعتبرون كرة القدم بمثابة مخدّر فعال لتنويم الشعب المغربي حتى لا ينتبه إلى مشاكله الحقيقية. فقد رأينا قبل أيام كيف تحولت مدينة الدارالبيضاء إلى ساحات للحفلات تُذبح فيها رؤوس الأغنام والعجول بعد فوز فريق "الوداد البيضاوي" بلقب البطولة، ورأينا كيف خرج سكان الحسيمة للتعبير عن فرحهم بعد صعود الفريق المحلي إلى دوري الدرجة الأولى، وهم الذين ما يزال الكثير منهم لا يتوفر حتى على سكن يؤويه بعدما دمر الزلزال بيوتهم قبل ستّ سنوات. ويكفي أن يتأهل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس إفريقيا أو كأس العالم حتى ينسى المغاربة مشاكلهم المستعصية. ففي المغرب لم نصل بعد إلى مرحلة النضج الفكري، ولو كان الأمر كذلك لما اهتمّ أحد بكرة القدم، ولاعتبرناها ترفا، في انتظار أن يتمّ حل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية. ما يحزّ في النفس هو أن رسم الفرحة على وجوه المغاربة، ما داموا مصرّين على لعب دور الكراكيز التي يوجهها "المسؤولون" كما يريدون، يمكن أن يتحقق بأقل الخسائر، كما حدث عندما قاد المدرب بادو الزاكي المنتخب الوطني إلى نهاية كأس إفريقيا للأمم بتونس عام 2004. فلماذا تتركون مدربا وطنيا متمكنا وناجحا، ولا يكلف خزينة الدولة سوى أقل من 300 مليون سنتيم في السنة، وتجلبون مدربا نخسر عليه أكثر من ثلاثة ملايير؟؟؟ إن ما تقومون به أيها السادة في حق المال العام يعتبر جريمة بكل المواصفات، وآن الأوان لكي تتوقف هذه الجرائم. لكن من سيوقفها؟ هذا هو السؤال... [email protected]