أودّ، بمناسبة وفاة محمد عابد الجابري المؤرخة في 3 ماي، أن أبيّن بعض الملامح في مؤلفاته وسيرته الذاتية التي تجعل منه، في رأيي، ليس فقط مهما للمهتمين بالثقافة العربية وبالعالم الإسلامي، ولكن أيضا لكل مواطن يسعى إلى التزود بمعيار وتكوين رأي بشأن أحد الموضوعات المركزية في الأجندة السياسية والثقافية الراهنة، وأعني هنا مسألة العلاقة بين الإسلام والغرب. ويهمني على وجه الخصوص توضيح أهمية المشروع الفكري للجابري وإسهاماته في موضوع التراث / الحداثة والأصالة / الغيرية، وكل ذلك في سياق الاستقلال المغربي والمشروع السياسي والثقافي لتصفية الاستعمار بمعناه الأكثر عمقا. ولا أتطلع في بضعة سطور ودون أن أكون مستعربا إلى أن أعرض محتوى كتابه نقد العقل العربي، مؤلَّفه الأكثر جرأة وأهمية، والذي أخذ منه عشرين عاما. فما يهمني إبرازه هو اليقين والتشخيص اللذان في أساس مشروعه. وحسب رأيه، فإن الفكر، الفلسفة، كانت النقطة المركزية التي دار حولها نقاش المفكرين المسلمين منذ عصر النهضة. ويمكن القول إن علاقتي بالجابري مرتبطة بقدر كبير بشخصية ودلالة ابن رشد. وفي نص بعنوان ذي مغزى الإسلام والغرب: هل هو صراع حضارات ؟ مستقبل العلاقات يشير الجابري إلى موضوع محبب جدا لديّ والذي تدخلت في انطلاقه، لجنة ابن رشد. وكانت الفكرة هي تكوين مجموعة إسبانية مغربية من الخبراء للتقريب بين كلا المجتمعين وتنمية التعارف المتبادل وتبديد عدم الفهم وتجنيبهما الأزمات الدورية. ويقول: نقترح وضع بعض قواعد الحوار بين الثقافات. وهي كانت قائمة في وضع مشابه لحالنا في الوقت الراهن. وهو وضع يسوده علاقة معارضة وغيرية، علاقة الأنا العربية مع الآخر. وحسب الجابري ابن رشد العصر فإن قواعد الحوار بين الثقافات ثلاث: فهم الآخر في إطار نظام مرجعيته الخاص، والاعتراف بحق الاختلاف، والفهم، المأخوذ بمعنى التسامح والحلم. ويلخص الجابري تلك المبادئ بأن لها قيمة عالمية ويمكن تطبيقها على كل الجماعات الثقافية التي تكون فريسة لعلاقة التنافس والعداء مثل حالة العلاقة بين أوروبا والعالم العربي. وينتهي بمقولة لابن رشد: إن من العدل أن يأتي الرجل بالحجج للخصم بمثل ما يأتي به لنفسه. وتكمن أهمية الجابري بالنسبة إليّ في مساهمته في مسائل مثل المعرفة والعقل في الإسلام، والتطور التاريخي للإسلام وموقف مفكريه. كما أن سيرته أيضا هي موجز ومثال على أفكاره الخاصة. هو ابن عائلة وطنية، وشارك منذ شبابه في الحياة السياسية المغربية. وحياته كجزء من عمله الفكري، كانت محاولة لإعطاء محتوى وتكثيف لاستقلال وطنه، بداية في حزب الاستقلال، وبعد ذلك مع بن بركة، وفيما بعد مشاركا في الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية ( الحزب الاشتراكي المغربي) منذ تأسيسه حتى الثمانينيات. وأدت به رؤيته الفكرية، التي كانت تتقاطع وتتكامل مع التزامه السياسي والوطني، إلى السجن في إحدى المرات. وتعاظمت قامته الفكرية بصلابته الأخلاقية وتمسكه بقناعاته الفكرية، فحينما أعتقد أنه يجب أن يقول لا، قالها، مقدِّما بذلك المثال على التطابق مع رؤيته الخاصة كما فعل عندما رفض جائزة صدام حسين في عام 1989. كان الجابري خلال سني حياته الخمس والسبعين مثالا ليس فقط للمغاربة ولكن أيضا لكل المسلمين، وكذلك للإسبانيين والأوروبيين، ولجميع من يؤمنون بأن المعرفة والثقافة تحسن فهم الناس لبعضهم بعضاً، وأخيرا هو نموذج لكل مواطني العالم. فسيرته الذاتية والفكرية أمل للمستقبل كما يراها إسباني مثلي. *وزير الخارجية والتعاون الدولي الإسباني، وقد كتب هذا المقال في تأبين الراحل الجابري ونُشر في جريدة إل باييس بتاريخ 12 ماي 2010. ترجمة فخري الوصيف - القدس العربي