في جلسة للأسئلة الشفوية داخل الغرفة الأولى بالبرلمان صعد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إلى منصة القاعة للرد على سؤالين آنيين طرحهما فريقا العدالة والتنمية والحركة الشعبية حول تقرير منظمة العفو الدولية الذي كان عبارة عن دراسة مسحية عالمية خاصة بحملة "أوقفوا التعذيب"، والتي خصت المغرب من ضمن بعض دول العالم، بتقرير قُطري يتناول الأوضاع في المملكة التي لم يعجب مسؤوليها ما جاء في وثيقة المنظمة الحقوقية من "تهم ثقيلة". قذائف الوزير وحوَّل الرميد منصة مجلس النواب إلى منصة صواريخ وجه من خلالها اتهامات صريحة بعبارات غير مجاملة، قال فيها إن منظمة العفو الدولية تكون من خلال تقريرها حول التعذيب قد انخرطت في حملة تشهير دولية، تقودها عدد من المنظمات الدولية ضد المغرب منذ سنتين. وزير العدل والحريات قال، من على منبر البرلمان، إن المزاعم التي جاءت بها "أمنيستي" تعتبر تسفيها لمجهودات المغرب ملكا وشعبا، حكومة ومعارضة، مؤسسات وطنية ومجتمعا مدنيا" وفق تعبيره. الرميد رأى في اختيار المغرب ليكون موضوع تقرير قطري دون دول قريبة تعيش "سنوات رصاص"، وفق تعبيره، تزكية لما يحدث في تلك الدول، متسائلا "إن كان المغرب مازال يعرف أساليب تعذيب من قبل وضع رؤوس المحتجزين في المراحيض واستعمال مواد مشربة البول، واغتصابهم باستعمال زجاجات. وزير العدل والحريات أكد أنه لم يتلق أي شكاية طيلة مسؤوليته كرئيس للنيابة العامة حول إدعاءات مرتبطة بأشكال تعذيب من هذا النوع، "والله على ما أقول شهيد.."، يختتم الوزير كلمته التي نقلت كاملة في جميع نشرات أخبار القنوات التابعة للقطب العمومي. كْوي وبُخْ تماما كما يقول المثل المغربي، الواصف لأساليب الطب التقليدي المعتمد على الكي وسيلة للعلاج، كعادة المنظمات الدولية اعتمدت منظمة العفو الدولية نوعا من التوازن في تقريرها حيث تحدثت عن عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت حالة حقوق الإنسان في المغرب بالتحسن، وبدرجة أقل في الصحراء. وقالت المنظمة إنه بحلول 1992، كانت السلطات المغربية قد أفرجت عن نحو 300 من المختفين الصحراويين، وما لا يقل عن 44 من المختفين المغاربة الذين كانوا محتجزين في مراكز اعتقال سرية لفترات بلغت 18 سنة لدى قوات الأمن، بما في ذلك في "مديرية مراقبة التراب الوطني"، وفي مرافق الدرك. وشملت أشد السجون السرية بشاعة، وسوء سمعة، من قبيل "تزمامارت" و "أكدز" و "قلعة مكّونة"، وكذلك "نقطة القيادة لفرقة التدخل المحمول" في العيون. منظمة العفو الدولية، بعودتها إلى بداية حكم محمد السادس، اعتبرت في تقريرها أن إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة كان قطيعة رمزية مع الماضي، سنة 2003، وأن الهيئة جاءت بهدف التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها أجهزة الأمن المغربية بين عامي 1956 و1999. وأقرت المنظمة بأن الهيئة كانت أول محاولة في المنطقة لتحقيق العدالة الانتقالية، وشمل ما حققته من إنجازات التأكيد على مسؤولية الدولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، ومنح التعويضات المالية، والتأمين الصحي وإعادة العديد من الناجين من التعذيب إلى وظائفهم. لكن مبادرة الملك لم ترق، يقول التقرير، إلى مستوى الإصرار على الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لضحايا التعذيب، وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان ولأفراد أسرهم، ولم تتضمن صلاحيات هذه المؤسسة صراحة تحديد هوية مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو تقديم توصيات بمحاكمتهم. ومع ذلك.. تقرير المنظمة أشار إلى المجهود التشريعي على مستوى الترسانة القانونية الذي لم يرافقه سلوك منضبط لمنفذي القانون، حيث استمر ورود تقارير عن التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، لا سيما أثناء الاحتجاز قبل توجيه الاتهام، وأثناء التحقيق الذي يلي إلقاء القبض على المحتجزين من قبل الشرطة أو الدرك. ويأتي الضحايا من مجموعة متنوعة من الخلفيات، بما في ذلك نشطاء من "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، من ذوي الاتجاهات اليسارية، ومن ذوي الانتماءات الإسلامية، وأنصار حق تقرير المصير للصحراء، والمتظاهرين المناهضين للفقر وعدم المساواة، والأفراد المحتجزين بشبهة الإرهاب أو بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأمن الوطني، فضلاً عن أعضاء الجماعات المهمشة الذين يعتقلون لارتكابهم جرائم عادية، يقول التقرير. الرميد اتهم منظمة العفو الدولية أمام النواب البرلمانيين بعدم اعتماد "أمنيستي" على تقارير دولية وازنة، من قبيل تقرير مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالتعذيب. غير أن الوزير لم يقرأ تقرير أمنيستي بتمعن، إذ اعتمدت وثيقة السكتاوي ومن معه على تقرير "خوان مانديز" بعد زيارة للمغرب في سبتمبر 2012، و أوردت في فقرة معنونة ب"عدم استئصال شأفة التعذيب" أن مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالتعذيب، أشار إلى أن: "المعاملة القاسية ما برحت تمارس في القضايا الجنائية العادية، وعندما ترتفع وتيرة الأحداث، كما هو الحال عندما يكون هناك تهديد متصور للأمن القومي أو بالإرهاب أو مظاهرات كبيرة، تتزايد، في المقابل، أعمال التعذيب وسوء المعاملة أثناء إجراءات الاحتجاز والقبض". أساليب التعذيب وثقت منظمة العفو الدولية، حسب تقريرها، عددا من أساليب التعذيب وأشكال إساءة المعاملة الأخرى الأكثر شيوعاً على مر السنين، وتحدثت عن استمرار ورود تقارير تشير إلى أن العديد منها لا يزال يستخدم في المغرب.. وتبعا للمصدر عينه، غالباً ما تمارس تلك الأساليب بينما تكون أيدي وأقدام المحتجزين موثوقة، وأعينهم معصوبة من قبيل الضرب المبرح، بما في ذلك الضرب على الرأس والأعضاء التناسلية وباطن القدمين، وغيرها من أجزاء الجسم الحساسة، وفي بعض الأحيان أثناء تعرية الأشخاص من ملابسهم، وكذلك ضرب المحتجزين من المعصمين أو أجزاء أخرى من الجسم وهم معلقون. وأيضا "إجبار المعتقلين على وضع رؤوسهم في المرحاض، أو حشر مواد مشربة بالبول في أفواههم، والحبس الانفرادي لفترات طويلة بما يرقى في بعض الظروف إلى حد المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة بالإضافة إلى الاغتصاب باستخدام الزجاجات، والتهديد بالاغتصاب، وأشكال أخرى من العنف الجنسي قامت منظمة العفو الدولية بتوثيقها في عدد من الحالات. منظمة العفو الدولي خصصت بابا لما أسمته بالتقاعس القضائي حيث أخفقت السلطات القضائية، يقول التقرير، في حالات وثقتها منظمة العفو الدولية في الآونة الأخيرة، في أن تتصرف عند مواجهتها بتقارير تتعلق بالتعذيب وبغيره من صنوف المعاملة السيئة على يد قوات الأمن والعاملين في السجون، فنادراً ما تم إصدار أوامر بفتح تحقيقات في الحوادث، أو بإجراء الفحوص الطبية اللازمة.. ونتيجة لذلك، يقول ملخص الدراسة المسحية، استمر تفشي ثقافة الإفلات من العقاب، بينما استمر الجناة في الإفلات من قبضة العدالة، يختتم التقرير. هذه بعض من الفقرات التي دفعت الرميد لاتهام منظمة العفو الدولية بالانخراط في "حملة تشهير ضد المغرب". فهل اتفقت المنظمات الدولية على تلطيخ السمعة الحقوقية للمغرب، أم أن الحكومة اختارت اللجوء لسياسة "النعامة" أمام عدد من التجاوزات التي سجلتها تقارير المنظمات الحقوقية بما فيها الوطنية.