قال الدكتور عبد رب النبي كياس، الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، إن "الخيط الرفيع الذي يجمع بين مختلف الحكومات السياسية في تاريخ المغرب، كونها "جميعا حكومات سخرتها المؤسسة الملكية لخدمتها من أجل تجاوز أزمات سياسية واجتماعية معينة في البلاد". وتابع كياس، في دراسة بعنوان "نهاية السياسة بالمغرب"، أن الأحزاب التي قادت تلك الحكومات لم تستطع تحقيق إلا القليل من وعودها للمواطنين، ما يطرح إشكالية ثقة الشعب في الأحزاب وفي السياسة بنفسها"، موردا أن الحكومة الحالية ليست سوى "حكومة لتمرير مرحلة الربيع العربي، وهدر الزمن السياسي". وهذا نص دراسة عبد النبي كياس كما وصلت إلى هسبريس: نهاية السياسة بالمغرب بوصول حكومة الإسلاميين المتمثلة في حزب العدالة والتنمية إلى سدة تسيير الشأن العام بالمملكة المغربية في 03 يناير 2012، يكون التاريخ السياسي المغربي قد أكمل دورته، بحيث تداولت على تسيير مؤسسة الحكومة كل الأحزاب المغربية تقريبا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين بالنسبة للتيارات السياسية التي بدأت متشددة في خطاباتها وكانت ترفض المشاركة في تسيير الشأن العام تحت وصاية المؤسسة الملكية، لكنها قبلت في مرحلة معينة وتحت تبريرات مختلفة بركوب قطار اللعبة السياسية و الخضوع لجميع شروط السفر عبر هذا القطار، وتناولنا لهذا الموضوع هو ذو غايتين علميتين اثنتين وهما: أولا: محاولة اكتشاف الدواعي الحقيقية التي حملت بعض الأحزاب على المشاركة السياسية عن طريق تحمل مسؤولية قيادة الحكومة خاصة تلك التي لها تاريخ نضالي قوي في المعارضة، ومدى وجاهة التبريرات التي قدمتها للناخبين، مع عقد مقارنة مقتضبة بين أهم هذه التجارب. ثانيا: استشراف الآفاق المستقبلية لطبيعة المرحلة السياسية المقبلة بالمغرب، وطبيعة العلاقة المنتظرة للمواطن المغربي بالأحزاب السياسية وبالسياسة برمتها. أولا : تحمل مسؤولية تسيير الشأن العام بين البواعث الحقيقية وتبريرات الأحزاب السياسية لقد اخترنا لتحليل هذا العنصر ثلاث تجارب أساسية ومتباينة لمشاركة أحزاب سياسية عتيدة في تسيير دواليب الشأن العام بالمغرب، وذلك في مراحل متفرقة من التاريخ السياسي المغربي، والتي جسدت نماذج واضحة للإدماج السياسي من لدن المؤسسة الملكية التي كانت دائما موفقة في اختيار الزمن السياسي المناسب، أو بالأحرى اللحظة السياسية المناسبة لدعوة أحزاب سياسية بعينها إلى المشاركة السياسية وتحمل المسؤولية الحكومية، وسنفتتح هذه التجارب بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يرأسه عبد الله إبراهيم، والذي انفصل سنة 1959، مع مجموعة من رفاقه عن حزب الاستقلال، فأسس الحزب المذكور وترأسه حتى وفاته سنة 2005، وقد كان إشراك هذا الحزب اليساري في السلطة بهدف التأسيس لمؤسسات دولة ما بعد الاستقلال، وبناء أسس دولة ديمقراطية، بعد تحقيق الاستقلال التام للدولة المغربية. وقد كانت عبارة عن حكومة وطنية باختيارات وتوجهات اشتراكية لدولة ما قبل صناعة الدستور، والتي أنجزت مجموعة من المشاريع، ووضعت مقومات الدولة العصرية والاقتصاد المتحرر من التبعية وهي التي اتخذت قرار جريئا بإنشاء عملة الدرهم المغربي، وفك الارتباط عن منطقة الفرنك الفرنسي، كما أنها أنشأت المؤسسات البنكية الوطنية الكبرى، ك"البنك الوطني للإنماء الاقتصادي" و"البنك المغربي للتجارة الخارجية" و"صندوق الإيداع والتدبير"، وغيرها من المؤسسات الإستراتيجية التي ما زالت ليومنا هذا علامة قوة واستقرار الدولة والاقتصاد المغربيين ، ورغم كل ذلك فحكومة عبد الله ابراهيم لم تستمر سوى 16 شهرا، وقد كان الباعث الأساسي لمشاركة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في تسيير الشأن العام هو أساسا التأسيس لملكية مغربية شبه برلمانية، تبتعد عن الحكم الفردي المطلق وتعتمد الديمقراطية، والمشاركة السياسية عن طريق المؤسسات. وشهد التاريخ بذلك لهذه التجربة القصيرة جدا والتي تم التخلي عنها نظرا لتعارضها آنذاك مع توجهات المؤسسة الملكية التي كانت في فترة سياسية جد حساسة وتحاول تثبيت جذور حكمها القوي واستعادة كافة سلطاتها التي سلبها إياها المستعمر، وقد اشتد الصراع إبان تلك الفترة بين الملك محمد الخامس وولي العهد أنذاك الحسن الثاني من جهة، وأحزاب الحركة الوطنية وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من جهة أخرى. فانتهى الأمر لصالح المؤسسة الملكية التي أخذت زمام الحكم بيدها فيما بعد برئاسة الحسن الثاني للحكومة في26 فبراير 1961، ولكنه ترأسها قبل ذلك نيابة عن والده وبشكل فعلي منذ 27 ماي 1960. أما التجربة الثانية فهي تجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي ترأس حكومة التناوب التوافقي ، في شخص السيد عبد الرحمن يوسفي الكاتب الأول للاتحاد آنذاك، وهي الحكومة الرابعة والعشرون في التاريخ السياسي المغربي، وقد كانت في 14 ماي 1998، ورغم كونها حكومة سياسية فقد ضمت أربع وزراء تقنوقراط لم يتنازل عنهم الملك الراحل الحسن الثاني وهم: وزير الدولة للشؤون الخارجية والتعاون: السيد عبد اللطيف الفيلالي، وزير الدولة في الداخلية: السيد ادريس البصري، وزير العدل: السيد عمر عزيمان، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد عبد الكبير العلوي المدغري. لقد كان الدافع الأساسي لمشاركة الاتحاد الاشتراكي بقيادة السيد عبد الرحمن يوسفي في حكومة التناوب الممنوح هو إنقاذ المغرب من السكتة القلبية التي كانت تتهدده بسبب الاحتقان الاجتماعي الذي سببته الأزمة الاقتصادية والتوتر الاجتماعي اللذان كانا سيشكلان خطرا كبيرا على انتقال العرش من الحسن الثاني إلى ولي العهد آنذاك محمد السادس، وكذلك شعور الملك الحسن الثاني بقرب أجله بعد الزيارات المتعددة للمستشفيات الفرنسية التي أكد له أطباؤها أن حالته الصحية في تدهور مستمر، وبالتالي استغل ذكاءه ودهاءه السياسي في إقناع المعارضة بالمشاركة في الحكم من أجل تمرير هذه المرحلة الحرجة على المغرب بسلام، وبالفعل كان له ما أراد. وأهم إنجازات حكومة التناوب الحكومة، تجلت في محاولة تخليق الحياة العامة، وشن قوانين انتخابية تساعد على تحقيق النزاهة، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك توطيد مؤسسات حقوق الإنسان بإحداث ديوان المظالم، ومراجعة مدونة الأحوال الشخصية، وإصلاح التعليم، لكن يبقى أهم إنجاز لحكومة عبد الرحمن يوسفي هو التأسيس لجو الانفتاح السياسي وثقافة حقوق الإنسان والمصالحة مع الماضي، ومحاولة مأسسة التناوب السياسي لكن نهاية مهمة هذه الحكومة ستكون بتحقيق الانتقال السلس للسلطة من الملك الراحل الحسن الثاني إلى ولي عهده محمد السادس، ليتم التخلي عن مبدأ التناوب في أول استحقاقات انتخابية بتعيين التقنوقراطي إدريس جطو وزيرا أولا في 7 نونبر 2002. وبالنسبة للتجربة الثالثة التي تستحق المقارنة بالتجارب السابقة فهي حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والتي تختلف عن كل التجارب السابقة بكونها جاءت في إطار تناوب دستوري غير ممنوح، بل تجسيدا للفصل 47 من دستور 2011، الذي أعطى الحق للحزب المتصدر للانتخابات الخاصة بمجلس النواب، في رئاسة الحكومة.، لقد كان هدف الحزب الإسلامي الذي ضل لسنوات خارج اللعبة السياسية، بل معارضا ومنتقدا لها بشدة، حسب دعايته الانتخابية التي نادت بمحاربة الفساد والاستبداد والريع ومواصلة بناء دولة المؤسسات، وبناء اقتصاد قوي، ومجتمع متماسك ومزدهر مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، لكن بمجرد وصوله إلى سدة تسيير الشأن العام أدرك بنكيران وإخوانه أن المهمة ليست بالسهلة، فاكتفت حكومته بالتأقلم مع الوضع الجديد والإعلان عن مخطط الإصلاح التدريجي والمرن. كما خلقت قواميس سياسية جديدة تعبر عن صعوبة المرحلة، ومع انفراط عقد التحالف الحكومي الأول بخروج حزب الاستقلال من التجربة الحكومية، أصبحت مهمة حكومة بنكيران إنقاذية أكثر منها طموحية، فوجدت كل الملفات شائكة، وبالتالي لم تحقق إلى حدود الساعة سوى القليل من السقف المرتفع لوعودها، مما يجعلها كذلك حكومة تمرير مرحلة الربيع العربي، وهي بالتالي حكومة تفويت الأزمة وهدر الزمن السياسي. إذن من خلال سرد هذه التجارب الثلاث لأبرز الحكومات السياسية التي شاركت في تسيير الشأن العام إلى جانب الملكية في التاريخ السياسي المغربي، بعد أن كانت في جناح المعارضة يتضح أن الخيط الرفيع الذي يجمعها هو كونها كلها حكومات سخرتها المؤسسة الملكية لخدمتها من أجل تجاوز أزمات سياسية واجتماعية معينة، ولم تستطع الأحزاب السياسية التي قادتها تحقيق سوى الجزء اليسير من الوعود التي قدمت للمواطنين وخاصة الناخبين الذين ساندوها في الوصول إلى كرسي المسؤولية بمنحها أصواتهم و ثقتهم.وهو ما يطرح عدة إشكاليات مستقبلية لعل أهمها، إشكالية ثقة الشعب في الأحزاب السياسية و في السياسة بما رحبت. ثانيا: مستقبل السياسية بالمغرب، وطبيعة العلاقة المنتظرة للمواطن المغربي بالأحزاب السياسية لمناقشة هذا العنصر بكل موضوعية لا بد من اعتماد أربع خلاصات أساسية يفرزها تحليل العنصر الأول وهي: 1- استمرار الدور الأساسي والمحوري للمؤسسة الملكية، رغم كل التعديلات الدستورية، مما يعني أن الملك لا يزال فوق المقتضيات الدستورية، وذلك ليس بمعنى عدم احترامه لها، ولكن نظرا لطبيعة المؤسسة نفسها ومكانتها الرمزية في النظام السياسي المغربي وفي المخيال الشعبي، و يزيد من توطيد هذه المسالة ضخامة إنجازات الملك مقارنة بإنجازات وزراء الحكومة برمتهم، وهذا ما يزيد من شعبيتة، ويجعل الحكومة تظهر ضعيفة في أدائها مقارنة بالمشاريع والأوراش الملكية، وتطرح هذه القضية إشكالية كبرى للنقاش تتعلق بالبرنامج الحكومي، هل هو نفسه برنامج الملك أم أن هناك برنامجين متوازيين؟ وهل هناك حكومة واحدة أم حكومتين...؟ 2- عدم قدرة جميع الأحزاب السياسية التي تداولت على السلطة على الوفاء بوعودها، وخاصة تلك التي كانت تمارس معارضة قوية ولم يتم تدجينها إلا بعد مسار سياسي طويل و مفاوضات عسيرة. 3- أبرز التجارب الحكومية التي طبعت التاريخ السياسي المغربي تبنت ازدواجية واضحة بين الخطاب السياسي والممارسة، تمثلت في محاربة الفساد والاستبداد من جهة، ومسؤولية إنقاذ الدولة من جهة أخرى مع العلم بأن مفهوم الدولة في المغرب يتماهى تقريبا مع مفهوم المؤسسة الملكية. 4- الفرق الصارخ بين الوعود المعسولة التي تقدمها الاحزاب السياسية للظفر بأصوات المواطنين والتي تعد برغد العيش وحل جميع المشاكل الكبرى، و مستوى الانجازات الضعيفة على أرض الواقع، مع تقديم حجج غير مقنعة عن فشل مبين وتحول الخطاب السياسي من النقد إلى التبرير. من خلال هذه الخلاصات الأربع يتضح أن مستقبل السياسة بالمغرب لن يكون واعد، وأن طبيعة العلاق المنتظرة للمواطن المغربي بالأحزاب السياسية لن تكون جيدة، بحيث يصعب إن لم نقل يستحيل على التنظيمات الحزبية بالمغرب في شكلها الراهن إعادة بناء الثقة المفقودة بينها وبين المواطن "اشعيبة" الذي فطن إلى كل عيوب الأحزاب السياسية التي لم تستطع الإجابة عن أبسط مطالبه في الصحة والتعليم والخبز وبالتالي يطرح التساؤل عريضا حول أي الأحزاب القادمة التي ستنتزع ثقة المواطن الصعبة. إن مجمل هذه الإشكاليات التي طرحناها في شكل خلاصات تجعل الباحث في الحقل السياسي المغربي يحتار في إعطاء التوصيفات العلمية الحقيقية و الدقيقة لطبيعة النظام السياسي المغربي، وكذلك طبيعة الفاعلين فيه، وكيف يتحول خطاب الفاعل السياسي بمجرد دخوله دهاليز الشأن العام من لغة المعارضة النقدية الشرسة في معظم الأحيان إلى لغة التبرير والعجز التي تغير منطق الحديث عن أشياء لم يتغير فيها أي شيء. لقد كانت كل التبريرات التي أدت إلى دخول أحزاب سياسية بعينها إلى دهاليز تسيير الشأن العام وإكراهاته تؤكد على أن الدافع الأساسي هو خدمة الدولة أو إنقاذها، وتحقيق الإصلاحات الطموحة، لكن الحديث من خارج المعمعة لا يكون هو نفسه الحديث من داخلها، فبقدرة قادر يتحول لسان المعارضة المنتقدة الخشن للسان الأغلبية الرطب الذي يوجد لكل عثرة سببا، ولكل فشل تبريرا، وينسب ذلك إلى قوى خفية وكائنات فضائية فتذهب كل أحلام الشعب وآمالهم سدى. وإذا كانت هناك أحزاب سياسية عاشت المحنة في فترة كانت فيها البنيات الدستورية شبه منعدمة، وأساليب المخزن قوية، ولقيت معارضة أقوى من إرادتها في بناء دولة ديمقراطية كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإن الوضع اليوم قد تغير كثيرا ولم تعد كل التبريرات والمسوغات مقبولة، خاصة بالنسبة للحكومة في ظل الدستور الجديد ل2011، التي أصبح رئيسها يتمتع بالعديد من الصلاحيات والاختصاصات التي قد تمكنه من مباشرة إصلاحات عميقة وعدم تفويت الفرصة للتأسيس لديمقراطية حقيقية، وعيش كريم للمواطن الذي وضع كل ثقته في هذا الحزب الإسلامي الذي لم يكن له أي ماض في تدبير الشأن العام. من خلا كل ماسلف لابد من البوح بالغرض الأساسي والجوهري من هذه الدراسة التي تهدف إلى إعطاء استشرافات وحلول مستقبلية لواقع السياسة ببلادنا، والتي يمكن إجمالها فيما يلي: أولا: لابد من التأكيد أولا على أن السياسة في المغرب ستعيش موتا حقيقيا خلال كل الاستحقاقات الانتخابية القادمة بل ماتت في ذاكرة المغاربة، وذلك راجع بطبيعة الحال إلى الوهن العام الذي تسرب إلى نفسية المواطن المغربي جراء خيبة أمله في جميع التنظيمات السياسية التي لم تقدم له أي شيء يذكر، ولم ترتفع بحياته قيد أنملة عن رغيف الخبز الحافي، أما الطبقات الوسطى في المغرب فتراجعها في استمرار نتيجة غلاء المعيشة، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها كرافعة اقتصادية مستقبلية، وبالنسبة لمحاربة الفساد الموعود بها فلم تتعدى ألسنة الواعدين به، أما التبريرات فهي بالجملة وما كان بالأمس حراما في السياسة أصبح اليوم حلالا. ثانيا: لا بد من تغيير شامل لطريقة عمل الأحزاب السياسية ببلادنا، التي يعتبر شرط الديمقراطية الداخلية مدخلا أساسيا لها، فنسبة تغيير قيادات الأحزاب لا تزال ضعيفة، وتكون غالبا من نفس المربعات التي كانت تسير إلى جانب الأمناء العامين الذين لا يبعدهم عن قمم الأحزاب سوى المرض أو الشيخوخة المفرطة أو الموت الإلهي، كما أن رئاسة الأحزاب يجب أن لا تتجاوز10سنوات على أبعد تقدير، أي ولايتين من خمس سنوات يجب أن تكون متطابقة مع الانتخابات التشريعية و الفترة النيابية لكي تنتظم الحياة السياسية ببلادنا. ثالثا: الاستمرارية في معالجة الأولويات،إذا كانت حكومة العدالة والتنمية والحكومات التي قبلها قد حددت أولويات مصيرية بالنسبة للمغرب، فلا يمكن أن نقبل غدا من أحزاب سياسية أن تأتينا بأولويات أخرى لا علاقة لها بما هو متداول بشأنه اليوم، فإصلاح التعليم والصحة وصناديق التقاعد و صندوق المقاصة ومحاربة الفساد والريع بكل ألوانه و أشكاله الاقتصادية والسياسية، كلها ملفات تم فتحها ويجب الاستمرار في معالجتها، بتتمتها وابتكار حلول أنجع لحل لإشكالياتها، لا أن تتم الاستعاضة عنها بقضايا ثانوية أخرى، وإلا ستتحول السياسة إلى عبث. رابعا: لابد للأحزاب السياسية من إعادة تنظيم نفسها بطريقة مقاولاتية تعتمد منطق الإنتاجية أكثر من الديماغوجية، وأن تشغل خبراء أكفاء في شكل أقطاب كل منها يبحث ويهتم بموضوع معين من أجل ابتكار الحلول، فعلى سبيل المثال قطب التعليم، وقطب الصحة، وقطب التشريع، والقطب الاجتماعي، وهكذا بحيث يكون الاشتغال طيلة السنة وبالتالي لن تكون برامج تلك الأحزاب سطحية وعمومية و ظرفية مرتبطة فقط بفترة الانتخابات، وإنما ستكون عميقة ومتينة وذات مصداقية. خامسا: توطيد التواصل الحزبي مع القواعد بشكل مستمر، وتشجيع الشباب على العمل السياسي بمكافأته من خلال تبويئه مراكز القرار، والتخلي عن النظرة العائلية أو المصلحية الضيقة، فالقاعدة التي يجب اعتمادها هي مكانتك في الحزب هي بقدر مجهودك وعملك، لا درجة قرابتك من الأمين العام أو المصالح التي تربطك معه. وأخيرا إن العمل السياسي بالمغرب يحتاج اليوم إلى إعادة ثقة المواطن الذي نعى السياسة نتيجة الإحباط المجتمعي الكبير، الذي خلفته حكومة الربيع العربي التي يقودها حزب العدالة والتنمية، الذي تحولت استراتيجيته من الهجوم إلى الدفاع، والذي تعتبر مؤشرات أدائه غير كافية بالنظر إلى حجم الوعود التي قدمها ونال بها المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية لما بعد دستور 2011. وهذا سيؤثر بدون أدنى شك على نسبة المشاركة السياسية التي قد تكون خلال الاستحقاقات القادمة أضعف نسبة في التاريخ السياسي المغربي، مع أننا لا نتمنى ذلك، فكل الرهان يبقى على الفاعلين السياسيين في محاولة إعادة الاعتبار للمشهد السياسي منذ الآن.