غزا الوقود الجزائري المهرب مناطق الشرق والريف المغربي على مدى سنوات مضت، قبل أن يختفي قبل عام تقريبا.. الوقود الذي طبع معه المغاربة وتحولت قنينات الوقود المهرب مشهدا يوميا يؤثث نواصي الطرق في هذه الجهات، بدأ في العودة تدريجيا للأسواق المغربية. ورغم الانتقادات التي وجهها الكثيرون لغزو "بوتفليقة" وإغراقه السوق المغربية، لدرجة أغلقت معها جل محطات الوقود أبوابها، في ظل عجزها التام عن منافسة الأسعار المنخفضة جدا للوقود القادم من الجارة الشرقية، إلا أن سكان هذه المناطق يعتبرون الوقود الجزائري بمثابة "المنقذ" من الزيادات المتوالية للوقود في محطات البنزين المغربية، ويستمر هؤلاء في البحث عنه مثل قصة الكنز المفقود عند حركة "البناءون الأحرار". سوق سوداء "مشروعة" "شحال واصل بوتفليقة؟" السؤال هنا لا يتعلق بعدد ولايات عبد العزيز بوتفليقة داخل قصر المرادية، ولا بعمره، وإنما بسعر المحروقات الجزائرية التي بدأت في العودة إلى الأسواق المغربية جهة الشرق والريف.. سؤال يتكرر بشكل يومي في الريف منذ أسابيع. غير بعيد عن بلدة إمزورن إقليمالحسيمة، وبعد عبور قنطرة متهالكة تابعة للنطاق الترابي لقبيلة تمسامان المحسوبة على إقليم الدريوش، توجد أكثر نقاط البيع نشاطا، "محطات" لبيع البنزين الجزائري المهرب. "محطات" عشوائية علنية على ناصية الطريق المؤدي إلى "كرونة" و"بن طيب"، عبارة عن "بيوت" من القصب والخشب تصطف أمامها عشرات القنينات من فئة 30 لتر، "محطات" يقصدها أرباب السيارات الباحثين عن وقود رخيص ينقذهم من الارتفاع الصاروخي في أسعار المحروقات بمحطات الوقود المغربية، يأتون من كل مناطق الريف. بعد انقطاع دام لما يقارب السنة، بدأ "بوتفليقة"، وهو الاسم الذي يطلق على المحروقات الجزائرية المهربة، في العودة إلى الأسواق، غير أن "الكنز المفقود" لا يقل كثيرا في هذه الفترة، عن البنزين المغرب، حيث يصل ثمن قنينة 30 لترا من "المازوط" الجزائري 260 درهما (8,66 درهم للتر الواحد) أقل بدرهم تقريبا من نظيره المغربي الذي وصل إلى 9,43 درهم للتر الواحد، غير أن باب الأمل يبقى مفتوحا بعودة "بوتفليقة". "بوتفليقة المنقذ" من لهيب المحروقات أرباب السيارات في الريف يعتبرون "بوتفليقة" البوابة الوحيدة للهروب من لهيب المحروقات في المغرب، خاصة أرباب سيارات الأجرة. سائق سيارة أجرة قال لهسبريس إن سيارات الأجرة الكبيرة تتنقل في الغالب بين الحسيمة ومدن أخرى كتطوان، طنجة، الناظور، وتازة، حيث يتحدد سعر الرحلة بالنسبة لشخص واحد من الحسيمة إلى تازة في 75 درهما، بينما تستهلك السيارة أزيد من 30 لترا ذهابا وإيابا.. ويضيف المتحدث "غالبا ماكانرجعو خاويين أو نتسناو نهار ولا يومين باش نعمرو"، ويستطرد السائق "ما كايبقالنا والو... يلا رجعت خاوي كاتبقالي 150 درهم، حيد منها النهار ديالي، ولكرا ديال الرخصة ومصاريف السيارة... ويلا تسنيت نعمر خاصني مصروف الأكل والشرب وكانضطر نبات داخل السيارة"، هكذا يصف أرباب سيارات الجرة معاناتهم مع ارتفاع أسعار المحروقات وقلة الحركة خاصة أن الطرق التي تربط بين الحسيمة وباقي المدن في حالة سيئة، خاصة بين تازةوالحسيمة. أرباب سيارات الأجرة يشتكون من حدة المنافسة بعد أن وصل عدد رخص سيارات الأجرة في مدينة الحسيمة لأزيد من 800، أضف إليها سيارات الأجرة بكل من إمزورن، بني بوعياش، تارجيست وباقي القرى المنتشرة على طول إقليمالحسيمة، وضعية تجعل الكثيرين ينتظرون أياما ليصلهم الدور. عبد القادر صاحب سيارة أجرة بمدينة الحسيمة قال لهسبريس إن "بوتفليقة" هو المخرج الوحيد لهذه الأزمة "كنا كانعمرو 30 لتر ب 120 درهم وملي كايغلا بزاف كايوصل 170 درهم، كنا كانشيطو شوية ديال لفضل"، غير أن من يدفع ثمن غلاء المحروقات هو المواطن بالدرجة الأولى، حيث ارتفعت تسعيرة النقل في كل الاتجاهات، فزادت بدرهمين مثلا بين بني بوعياش والحسيمة (12 درهما) وبعشرة دراهم بين تازةوالحسيمة (من 65 إلى 75 درهم)... في انتظار "الكنز المفقود" أرباب السيارات الخاصة بدورهم يحنون لأيام بنزين الجزائر، خاصة فئة الموظفين، في جلساتهم بمقاهي بني بوعياش وإمزورن يتكرر السؤال مرات عديدة، وتتحرك الهواتف للسؤال عن ثمن "بوتفليقة"، واقع يبرره هؤلاء بكون غالبية إن لم يكن كل الموظفين لا يمكنهم اقتناء سيارة دون اللجوء إلى القروض، ما يعني اقتطاعات شهرية. ويزيد من الطين تكلفة الإيجار، والمصاريف اليومية، ما يجعل التحرك على متن السيارة أمرا محسوبا بدقة يزيد من تعقيده سعر المحروقات الباهظة وتجمد الراتب، "ليس لنا من حل غير اللجوء لمحروقات الجزائر المهربة في ظل الارتفاع المهول للأسعار في محطات الوقود المغربية" يقول هؤلاء، ولا يخفون امتعاضهم من اختفاء "بوتفليقة"، كما أنهم ينتظرون عودته في القريب بعد نجاح بوتفليقة في العودة إلى كرسي الرئاسة بالجارة الجزائر، وانشغال سلطاتها مع الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي وعد بها ساكن قصر المرادية. على الطريق بين تازةوالحسيمة وبالضبط منطقة "قاسيطا" تنتشر على ناصية الطريق قنينات المحروقات الجزائرية، غير أن القليلين يتوقفون عندها بسبب ارتفاع الأسعار، ويعتقد مستهلكو الوقود الجزائري أن دخوله المغرب لا يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، بل إنه يعفي الدولة من ثقل اقتصادي واجتماعي، خاصة بعد رفع الدعم عن المحروقات وربط أسعارها بأسعار السوق العالمية، ليبقى باب الأمل مفتوحا في انتظار عودة "الكنز المفقود".