1- الذي يلجأ إلى العنف أثناء مواجهة الآخر فكريا، سواء كان هذا العنف لفظيا أو حسيّا، هو بالضرورة جبان لديه نقص فظيع في الثقة بالنفس، ويعاني من عجز مزمن من فرض رأيه وإقناع الآخر بالأدلة والحجج، لذلك، وبسبب هذا العجز المزمن يلجأ إلى فرض نفسه بالقوة، وهذا بالضبط ما فعله جماعة من المسلمين خلال الأسبوع الماضي مع رسام الكاريكاتير السويدي "لارس فيلكس"، الذي نشر رسومات مسيئة إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام سنة 2007. 2- المشكل أن المسلمين ممثلين في تلك المجموعة (نحو 15 فردا)، كانوا في موقف قوة وليس في موقف ضعف، وكان بإمكانهم أن يهزموا ذلك الرسام شرّ هزيمة، لكنهم، بسبب الجهل والانفعال المفرط، وضعوا أنفسهم في موقف ضعف، وحوّلوا الانتصار إلى هزيمة، بعدما أبانوا للعالم مرة أخرى على أننا لا نستطيع أن نحلّ خلافاتنا مع الآخر إلا عن طريق العنف ولا شيء آخر غير العنف. فبعد أن كنا نواجه الغرب بالطائرات المقرصنة والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة ها نحن اليوم نبتكر نوعا جديدا من وسائل الدفاع التي لا تأتي سوى بالهزائم المدوية، ويتمثل في اللكمات العنيفة ونطحات الرأس، التي كسر بها أحدهم نظارات الرسام السويدي تحت صراخ زملائه الين كانوا يرددون عبارة "الله أكبر" في المملكة السويدية. 3- أيّ صورة سيرسمها عنا العالم وعن الدين الإسلامي ونحن لا نعرف حتى كيف نفكّ خلافاتنا الفكرية بطريقة أخرى غير طريقة العنف؟ أيّ صورة سيرسمها عنا العالم ونحن نتصرف بهذه الهمجية والوحشية التي لا تليق بمن ينتسب إلى هذا الدين الحنيف؟ صحيح أن الرسام السويدي الذي رسم تلك الرسوم المقززة ارتكب خطأ فظيعا. خطأ لا يغتفر. وأنا شخصيا أحس نحوه بالكراهية، ولكن الاعتداء عليه جسديا وتحطيم نظارتيه ونطحه بضربات رأس مدوية ليس هو الحل الأمثل لمواجهته. أولا، لأن العنف لا يولد إلا العنف، ثانيا، لأن المعركة هي معركة فكرية بالدرجة الأولى، أي أن الأفكار هي التي تتصارع وليس الأجساد. أفلم يكن من الأفضل إذن، لهذه الجماعة من المسلمين التي اعتدت على الرسام السويدي أثناء إلقاء محاضرة في جامعة "أوسولا" السويدية أن يواجهوه بالمثل، ويأتوا بدورهم بعالم مسلم متمكّن لإلقاء محاضرة يفنّد فيها كل مزاعم الرسام السويدي، ويعرّف من خلالها بشخصية الرسول الكريم الحقيقية التي لم يطلع عليها الغرب مع الأسف، بسبب تقاعس المسلمين وكسلهم، وليس لشيء آخر؟ 4- إن مشكلتنا الكبرى نحن المسلمين هي أننا عاطفيون أكثر من اللازم، ونعاني من نظرة ناقصة تمنعنا من رؤية أبعد من أرنبة أنوفنا. وأظن أن كثيرا من المسلمين الآن يشعرون بالفرح والسعادة وهم يرون مقطع الفيديو الذي يؤرخ ل"النصر" الذي حققوه على الرسام السويدي، والمتمثل في كسر زجاج نظارته. لكن هل ربحنا المعركة بسبب هذا التصرف الصبياني؟ قطعا لا. فلو كنت مكان تلك الجماعة لدخلت في نقاش مع ذلك الرسام، وسألته من أين استقى تلك الأفكار الخاطئة التي أوحت إليه برسم رسولنا على تلك الهيئة المستفزة. أوليس في العالم الإسلامي مثلا، من هو قادر على خوض مناظرة تلفزيونية مع هذا الرسام؟ أفلم يكن ذلك أفضل بمليون مرة من الاعتداء عليه؟ فلو أن أحد علماء المسلمين ناظر هذا الرسام تلفزيونيا، لكان بإمكانه أن يحسم المعركة للمسلمين أمام الرأي العام الغربي وليس السويدي فحسب، لكن مشكلتنا مع الأسف هي أننا نترك على الدوام طريق النصر جانبا، ونسلك طريق الهزائم. 5- نحن خسرنا هذه المعركة الجديدة إذن، في الوقت الذي كان بإمكاننا أن نكون نحن المنتصرين. لقد خسرنا المعكرة لأن الرسام السويدي سيحظى بمزيد من الدعم والتعاطف حتى مع الذين كانوا لا يشاطرونه الرأي في الغرب، في الوقت الذي ستزداد فيه صورة المسلمين هناك أكثر قتامة. أنا لا أفهم لماذا لا يريد المسلمون أن يستوعبوا بأن الصورة السيئة التي تكوّنت لدى الغرب عن الإسلام مصدرها تقاعس المسلمين. عندما زرت إسبانيا قال لي صديق يعمل صحافيا هناك بأن إسبانيا بأكملها لا توجد بها ولو جريدة أو مجلة ناطقة باسم العرب/المسلمين المقيمين هناك، في الوقت الذي تتوفر فيه جالية أمريكا اللاتينية والصينية وغيرهما على جرائد ومجلات ومواقع إلكترونية يتواصلون من خلالها مع الرأي العام الاسباني، رغم أن العرب المسلمين هم أكثر عددا. فكيف تريدون من الغرب إذن أن يفهمنا ونحن لا نتقن امتهان حرفة أخرى غير حرفة التقاعس والكسل وحبّ النوم في العسل؟ 6- المصيبة العظمى هي أن المسلمين ليسوا عنيفين مع معتنقي الديانات الأخرى، بل حتى مع بعضهم البعض. وما تعرض له المفكر الكندي (السوري الأصل)، خالص جلبي، عندما طالب أحد مشايخ المملكة السعودية بطرده من بلاد الحرمين خير دليل على ذلك. هذا الشيخ السعودي العاجز (فكريا وليس جسديا)، طالب بطرد المفكر خالص جلبي من السعودية بذريعة أن هذا الأخير يشكل خطرا على عقول الشباب السعودي، وهذا صحيح. فالسيد جلبي يشكل بالفعل خطرا حقيقيا ليس فقط عل عقول شباب السعودية بل على عقول أطفالها وكهولها وشيوخها، لأن الرجل يخوض "جهادا" لا يتوقف بقلمه المزعج من أجل تنوير عقول الناس، ويقدم الدين الإسلامي في كل كتاباته المؤثرة في العقول بطريقة منسجمة مع روح العصر الذي نعيش فيه، ويتحدث، كما قال في أحد حواراته التلفزيونية لغتين اثنتين، هما لغة التراث ولغة العصر، وكل هذا يعني أنه يشكل خطرا ليس على الإسلام بل على شيوخ التزمّت والانغلاق، وهذا ما جعل الرعب يغمر قلوب مشايخ الوهابية، خصوصا وأن السيد خالص جلبي كان من أتباع جماعة "الإخوان المسلمون"، قبل أن يطلق الفكر الإخواني الطلاق الثلاث. 7- الذي جعل الشيخ عبد الرحمان البراك، (الذي سبق له أن كفّر كل من يدعو إلى اختلاط الذكور مع الإناث في السعودية واعتباره مرتدّا يجب قتله إنْ لم يتب) هو أن المفكر خالص جلبي يشتغل مثل آلة عملاقة لا تعرف شيئا اسمه التوقف عن العمل، فعلى الرغم من أن تخصّصه العملي كان في مجال الطب (جراح الشرايين)، إلا أنه مع ذلك لديه ثقافة واسعة وشاملة، وما يجعله يرعب مشايخ الوهابية هو أنه لا يخزن أفكاره في دماغه كما يفعل كثير من هؤلاء الشيوخ، بل يتقاسمها مع مئات الآلاف من قرائه، سواء عبر الكتب أو البرامج التلفزيونية أو المقالات الصحفية التي يكتبها بغزارة منقطعة النظير لعدد من الصحف العربية والمواقع الالكترونية، لدرجة أنه يحرص على إيصال فكره وأفكاره حتى إلى المغرب الإسلامي عبر مقال يكتبه كل سبت في صحيفة "المساء". لذلك فمن الطبيعي أن يثير رجل بمثل هذه الديناميكية الرعب في أعماق قلوب شيوخ العجز والكسل. الذي أعجبني في هذه القضية هو الرد الذي ردّ به المفكر خالص جلبي على الشيخ الذي طالب بطرده من السعودية، حيث قال ، في تصريح لموقع "العربية" بأنه يسامح الشيخ على ما قال في حقه، وأضاف بأن التكفير والاتهام بالزندقة وكل هذه التعبيرات غير الصحية ليست من روح الإسلام، وذهب في تسامحه إلى حد أن قال بأنه "مستعد لتقبيل رأس الشيخ البراك ليس تملقا له، بل حرصا على عدم وقوعه في الزلل من فرط الحماس للدفاع عن الإسلام". فلماذا لا يأخذ الشيخ عبد الرحمان البراك قلمه ويواجه السيد خالص جلبي في معركة فكرية؟ عوض نعته ب"الشجرة الخبيثة" ووصفه ب"الناقص عقلا والمنحرف فكرا"، والمطالبة بطره من السعودية؟ إن الذي يؤدي إلى التفكير بهذا "المنطق" الخاطئ هو الضعف والعجز المزمن. فعندما يلتقي الضعف مع العجز يتولد العنف، وهذا هو حال كثير من المسلمين مع الأسف. 9- ولكي أبرهن على أن العصبية بلغت بكثير من المسلمين مبلغا عظيما، لا يسعني إلا أن أختم هذا المقال ب"دعاء" إحدى القارئات لهذا العبد الضعيف قالت فيه ما يلي: "أسأل الله جل في علاه أن يشل يديك ويعجز تفكيرك، يا عدو الله فإنك أجلك قريب إنه لقريب ، ما من أحد يحارب الله وشرعه ويؤيد أعداء الله إلا وأخذ أخد الفجأة، أسأل الله جل في علاه أن ينتقم منك وأن يحرق قلبك كما أحرقت قلوبنا، سأستعمل دعاء أمام الكعبة المشرفة، بأن يطهر الله الأرض منك، لأن قلوبنا لاتطيق أن ترى المزيد ممن يحارب دين الله بكل ماأوتي من قوة، يا الله يا رحمان ياجبار يامنتقم، أسألك مسألت من لاحول له ولاقوة إلا بك يا سميع يا كريم، اللهم إنتقم ممن يحارب دينك ́ ́آمين``، اللهم إنتقم لنا، اللهم إنتقم لنا، اللهم إنتقم لنا ́ ́آمين". ولا يسعني أن أقول لهذه الأخت الكريمة سوى أن دعاءها لم يخفني، لأن مثل هذه "الدعوات" بكل بساطة غير مستجابة، ما دامت موجهة إلى مسلم ملتزم بمبادئ وأركان دينه الإسلامي منذ أن كان طفلا صغيرا، وسيظل كذلك إلى أن يلتحق بالرفيق الأعلى، ولم يسبق له أن انتقد الدين الإسلامي الحنيف، ولكنه لا يتوانى في انتقاد التصرفات الخاطئة للمسلمين، ليس لكونه يحبّ أن تشيع الفاحشة فيهم، بل لأنهم، في أحيان كثيرة، يسيؤون على دينهم، سواء عن قصد أو عن غير قصد. [email protected]