لقد خانني قلمي في التوضيح أو ربما خانني حسن ظني بالقراء، عندما هممت بخط ذلك المقال الذي تكلمت فيه عن إسرائيل و العرب ، وها أنا الآن لا أتجرأ حتى على ذكر عنوانه ، فكانت النتيجة هي أن القارئ فهم ما لم أقصد فكتب تعليقات قاسية ومندفعة . و ألتمس للقارئ الكريم العذر في ذلك، ولو تمعن المقال بالشكل الكافي لوجدنا معا نعزف على نفس الوتر مع اختلاف في التحليل. من هذا المنطلق أرفع هذا القلم مرة أخرى لأتكلم في نفس الموضوع وأتمنى أن لا يخطئ قلمي العنوان في مقاصده كما حدث في المرة السابقة . قبل أن احلل و أفسر أقول: جميع المسلمين يكرهون إسرائيل و أنا أول الكارهين لها. عندما قلنا أن المواطن العربي يساند فلسطين بالفطرة كما هو تدينه بالفطرة ، فإننا بذلك نربط بين قضية لا شك أنها قضية كل المسلمين و بين طبيعة تدين هِؤلاء المسلمين ، فالإسلام دين عظيم و هو أعظم من أن يأخذ لباسا أو شكلا بل تطبيقا وفكرا ، و لو حدث ذلك لما وجدنا الفساد والانحلال يخدر الشعوب و ما وجدنا الحانات أكثر من المساجد في بلدان تدين بهذا الدين العظيم . إن قضية فلسطين مرتبطة بمدى تشبث المسلمين بدينهم، و متى تشبثنا بهذا الدين فإننا سنرفع راية الجهاد الحقيقي ضد الظلم والظالمين ولا شك أن إسرائيل ستكون أول المستهدفين. وعندما تحدثت عن ما يقع في الشعوب العربية والإسلامية من ظلم واستبداد فمرجعي في ذلك هو تبيان حالة التشرذم والضعف التي تعيشها هذه الشعوب في بيوتها فكيف بالله عليكم أن تنتظرون منها أن تدافع عن بيت فلسطين، إذ لا سبيل لنصرة الأقصى إن لم ننتصر على القهر و الاستبداد و لا سبيل للدفاع عن فلسطين إن لم نتجرد من أقنعة الجبن والفساد . ففي هذا الوطن السعيد يستطيع دركي أن يحتل قبيلة و يستبد بأهلها باسم الزي الرسمي والسلطة ، فكيف بالله عليكم أن تنتظروا من لم يدفع الظلم عن نفسه أن ينصر فلسطين . وعندما قلنا أن إسرائيل متقدمة في الشرق الأوسط ، رغم أن هذا القول ثقيل على القلب واللسان، إنما قصدنا هو أن قبيلة بني صهيون تتمتع بالحرية و الديمقراطية أكثر من المواطن العربي والذي لولا منابع البترول لكانت كارثته اكبر الكوارث في ظل حكم استبدادي يعلن حالة الطوارئ بدون طوارئ و يورث الشعوب كما تورث الحدائق. فماذا قدمت هذه الأنظمة منذ 1973 إلى الآن غير الخطب و الأناشيد والقصائد؟ و دعم مادي لا يستطيع أن يحيي الشهداء ولا أ ن يمسح الدمع على أعين الباكين أو يضمد جراح المجروحين. وكيف لهذه الأنظمة أن تقدم شيئا و قممها تبدأ بالزغاريد و تنتهي بتقديم مبادرة سلام لمن لا يحبون السلام من الصهاينة المغتصبين. ليبقى كل ما تم تقديمه هو بناء جدار فولاذي لتجويع أبطال غزة ، و دعوة( ليفني) لتستعرض سفالتها في طنجة . وإذا انتقدت المسيرات الداعمة لفلسطين فلأنني كنت أول المشاركين فيها فما وجدت فيها إلا شعارات و كلام فقط ، فإذا انقضت يذهب كل لحال سبيله بينما فلسطين تدك بالقنابل . إن الدعم الحقيقي لفلسطين لن يتم بالمسيرات لأن ذلك حال المقعدين و إنما يتم بالجهاد بحمل البنادق والمدافع. و قد ورد في مقالنا السابق عبارتي (يراهنون على الحصان الخاسر ) و (قضية خاسرة)، فليعلم القارئ الكريم انه ما قلنا ذلك إلا تحسرا و أسفا على الحالة التي وصل إليها البيت الفلسطيني من فرقة و خصام لن يخدم القضية بشكل أو بآخر ، إذ لا يمكن أن نراهن على من أعطاهم الشعب الفلسطيني الكلمة وقلدهم الأمانة، فما وضعوا الكلمة في خير موضعها و ما تقلدوا الأمانة بحقها ، فهم الذين جعلونا نتشاءم و لا نستبشر بغد أفضل . ففي الوقت الذي كانت تقذف غزة بالقنابل الفسفورية من طرف الصهيوني الغاشم فإن هؤلاء الناس كانوا يستمتعون في أرقى الفنادق بدمشق وبيروت. وفي الوقت الذي يوسع فيه الاستيطان و يذل فيه الفلسطيني و يهان، و جدنا رجال محمود عباس يستدرجون الموظفات والسكرتيرات للمضاجعة في الشقق و المنازل. وفي الوقت الذي نطالب فيه بالقدس كعاصمة أبدية لدولة فلسطين، ها نحن الآن نبحث عن دولة لهذه العاصمة، بسبب الأنانية و التفرقة التي تسيطر على من أسند لهم الأمر و النهي في فلسطين الحبيبة. بذلك نقول : حاشا لله أن نزايد على الدم الفلسطيني الطاهر حاشا لله أن تجف دموعنا أمام مشاهد الدم التي يقترفها الصهيوني الغاصب حاشا لله أن نحب بني صهيون وهم إما ظالم أو قاتل إن ما قلته في المقال السابق ليس إلا دعوة لقتل الجبن للتحرر من إسرائيل الداخل حتى نتقوى في مواجهة الصهاينة في الخارج . و الآن أعتقد أني وضحت بعض الأفكار، بينما اعترف أني لم أجد مبررا لأفكار أخرى ( خربشتها) في ذلك المقال. إذ خطتها يسراي بدون وعي ولا دراية ، فهاهي يدي اليمنى تخط للقارئ ألف اعتذار. [email protected]