مبروك بني، تمنى علي، فاليوم يوم عيد. هكذا خاطب السيد علي ابنه سعد وهو بحضنه يوم نجاحه في الباكالوريا. فكر سعد مليا ثم اجمع أمره وطلب من والده دراجة نارية. كانت فرحة السيد علي اكبر من أن يؤخر الاحتفال بها فاصطحبه مباشرة إلى الشارع الرئيسي بالبلدة. كانت قاعة العرض مليئة بالدراجات من شتى الأنواع و الأحجام و الألوان. استقبلهما البائع بالبشاشة المطلوبة وبادر بسؤال الوالد عن مدى رضى الآنسة هند، ابنته الكبرى، عن الدراجة التي اقتناها لها منذ عام. سارع اسعد بقطع هذا الحوار الذي يؤخر فرحته ووضع يده على إحدى الدراجات وسئل البائع عن توفرها في اللون الأحمر. أجاب البائع بالنفي واقترح عليه ثلاث ألوان مختلفة غير أن سعد لم يكن ليتميز عن أقرانه، كان اللون الأحمر يشد الانتباه إلى دراجاتهم. اقترح عليهما البائع الرجوع بعد يومين ليجهز لهما طلبهما. "" في الموعد عاد الأب و الابن، غير أن المحل لم يكن قد توصل بالبضاعة بعد، ولم يكن البائع ليضيع فرصة الربح وهو يعلم أن سعد ورث عن أباه عمى الألوان فباعهما دراجة خضراء. طلب البائع من سكرتيرة المبيعات أن تهيئ فاتورة لدراجة حمراء. لم تكن هذه الأخيرة لتدلس للسيد علي الذي درسها ثلاث سنوات، غير أنها أشفقت عليه وابنه من الإحباط، فهما على أي حال لن يلاحظا الفرق. أقنعت السكرتيرة البائع بان يهديهما تأمينا مجانيا على الدراجة ثم باركت لسعد النجاح وأخبرته أن أباه أعظم أستاذ عرفته. في اليوم الموالى لم يفطر سعد، سبق الجميع إلى ساحة البلدة. بعد وصول أصدقائه باركوا له الهدية فاخبرهم بافتخار كيف أن الدراجة أحضرت خصيصا لأجله. لاحظ الجميع أن الدراجة لم تكن حمراء لكنهم لم يكونوا ليجرحوا مشاعره، كانوا يعلمون انه مصاب بعمى الألوان. يومها شارك سعد لأول مرة في الطواف حول البلدة. لاحظ الناس اختلاف دراجته لكن الأمر لم يكن يهمهم، كان لكل شئن يغنيه. انقضى الصيف بسرعة، اصطحب سعد أخته هند إلى الجامعة فوق دراجته، أو هي التي اصطحبته إليها. كان طالبا جديدا. يومها التحق الأستاذ سمير بعمله الجديد، أصبح ثاني أستاذ لمادة الفلسفة بعد السيد علي. يوم الجمعة، دعاه السيد علي إلى بيته لتناول الكسكس التقليدي. حظر سمير قبل صلات الجمعة، لم يخطر بباله انه سيحرج زميله الذي عليه الذهاب للمسجد ولا يمكنه أن يترك هند مع رجل غريب. انتظر الأب قدوم سعد لانقاد الموقف ولكن سعد كان يدور كعادته. فاضطر لأن يطلب من ضيفه الانتظار على المقهى وهو محرج. في الواقع كان الاستاذ سمير اشد حرجا، فهو يعلم من موقعه أن اغلب الناس يربطون بين الالتزام الديني والأخلاق الحميدة وزاد الأمر سوءا دعاء زميله له بالهداية وهو يغادر مهرولا ليلحق ما بقي من خطبة الجمعة. بعد شهر، صادف السيد علي زميله في المسجد فاصطحبه للبيت و سمح للابنة "طاهية الكسكس الماهرة" أن تشاركهما الطعام. بعد الغداء وحول كأس من الشاي دار حوار حول الهوية الثقافية و القيم سيطرت عليه هند الطالبة في السنة الثالثة بيولوجيا و الناشطة المتمرسة في إحدى الفصائل الطلابية، كانت الآنسة هند طليقة اللسان، واسعة المعرفة، لا تهزم. كان سعد ينتظر بشغف نهاية النقاش ليطلب من والده ثمن البنزين. توالت زيارات الاستاذ سمير ومع كل زيارة يزداد إعجابه بهند. كان إعجابه بها يزيدها اعتزازا بنفسها. كانت تتهمه بالسلبية فيجيبها أنه تريث، تنعته بالتزمت فيرد انه محافظ. كانت تتلذذ بانتقاده و ينتشي بمجاراتها و التدلل لها. أحبته هند دون أن تدري متى بدا هذا الحب و أحبها هو دون أن يعرف أين سينتهي. حاولت هند أن تدفعه لدعوتها إلى بيته غير انه لم يفهم أو لم يشأ ذالك، ربما احتراما لها أو لوالدها، أو ربما احتراما لصورة الشريكة التي رسمها في خياله منذ سنوات. لاحظت هند أن محبوبها من معدن ناذر فقررت أن تدفعه لطلب يدها. لم تكن المهمة صعبة، فقط أخبرته عن الرجوع المرتقب لابن الجيران وصديق طفولتها من الدراسة في أمريكا. لم يتردد الاستاذ سمير كثيرا، وفي ساعة متأخرة من الليل هاتفها ليطلبها للزواج. كعادتها، أبت هند إلا أن تتلذذ بعذابه فطلبت منه أن يأتي تحت شرفة بيت العائلة ليطلب منها الارتباط مباشرة. فعل الاستاذ ووافقت سيدة الحسن. تمت الخطبة كما جرت التقاليد وضرب موعد للزواج في الصيف. قبل ثلاثة أيام من الزفاف و العائلة تنجز آخر الاستعدادات، كلف سعد بمهمة التوصية على الحلوى ذات الثلاث طوابق. عند خروجه من عند الحلواني لم يجد دراجته، اختفت. كان حينها الطبيب فهد ينتظر زوجته خارجا رفقة بنتيه. سأله سعد إن كان قد شاهد سارق دراجته الحمراء غير أن هذا الأخير أكد له أن الدراجة كانت خضراء. تحول الموقف إلى نقاش حاد بين سعد و الطبيب لم يحله إلا تدخل احد رفاق الطالب لذي اصطحب الطبيب جانبا ليشرح له قصة سعد مع دراجته. بعد قليل ظهرت الدراجة، كانت مزحة سخيفة من هند. يومها تناول الطبيب فهد مسكنا لينام، لا بد انه كان متوترا. في اليوم التالي، قصدت هند عيادة الطبيب فهد متأخرة كما اتفقا سالفا لإجراء عملية لترميم العذرية، انتظرت ذهاب المرضى في هدوء وكانت قد جلبت معها حلوى للأطفال، فكثيرا ما يبكون في انتظار دورهم. استقبلها الطبيب في مكتبه ثم أخبرها ببساطة انه لن يجري لها العملية. ثارت وهاجت ثم بكت، فالوقت لم يعد يكفي لتبحث عن طبيب آخر خصوصا وان الطبيب الثاني في البلدة هو عمها. تدخلت الممرضة لتهدئتها ثم حكا لها الطبيب قصة صاحب الدراجة وكيف أثرت فيه. كادت هند تنفجر في صمت، كانت هي من أشعل الفتنة. خرجت من العيادة لا تلوى على شيء، سلكت أطول طريق ممكن للبيت، فكرت كيف يمكنها أن تستر أمرها، كيف يمكنها أن توقف عقارب الساعة التي تأبى إلا أن تجري. أأخبر والدي، هو احن إنسان على ؟ لا سيقتلني، بل سيقتل نفسه. هكذا فكرت هند. هل اخبر سمير ؟ لكنه متزمت. بل عفيف محافظ. معقد... بعد تفكير طويل وتيه بين دروب البلدة وجدت هند نفسها قريبة من بيت الاستاذ سمير فقررت مواجهته بالحقيقة كلها. هند القوية الواثقة من نفسها أخذت زمام أمرها، ستخبره بما حصل مع الطبيب أيضا. دقت الباب بعصبية. تأخر خطيبها في فتح الباب وعندما فعل دخلت مسرعة إلى باحة البيت وقالت له "لا تقل اليوم شيئا، اليوم أنا التي ستتكلم فقط" فرد عليها مبتسما "منذ متى كنت أتكلم في حضرتك يا حبيبتي" همت هند بالكلام غير أن شيئا مألوفا فوق الطاولة لفت انتباهها. كانت أقراط أذن. التقطتها وسألته "ما هذا ؟" أجابها أن البيت كان تحت تصرف احد أصدقائه قبل ساعات. لم تكن لتنطلي عليها الخدعة وكانت قد خبرت هذا الموقف بضعة مرات فقدت على اثر أحداهن قرط والدتها لذي لا يقدر بثمن. اندفعت إلى عرفة النوم لتجد فيها امرأة، لم تكن امرأة، كانت إحدى تلميذاته، كانت قاصرة. ضحكت هند كالمجنونة أمام دهشة سمير وذله وغنت بصوت عذب "يا ورد مين يشتريك" ثم غادرت. ظن سمير أنها تعني بالورد نفسها ولكنها كانت تعني الحب وزواج الحمائم. بالعودة إلى بيت الأسرة، مسحت دموعها و رسمت فرحة على وجهها وفي الغد تهيأت ككل عروس وانتظرت العريس الذي تعلم انه لن يأتي. كان هذا آخر تدليس لها ثم أصرت أن تلتقط لها صور مع أبيها وأخيها وهي ترتدي لباس العروس. استمر سعد في الدوران حول البلدة واصطياد بناتها، ووجدت هند عملا في المدينة بينما تزوج السيد على من هدى مساعدة الصيدلي الجديدة بعدما سلبت لبه بتفننها في وضع الحجاب و الجلابيب المرصعة. كانت هدى قد خرجت منذ أشهر من السجن بعدما أدينت بتهمة الدعارة. أخ السيد علي، الطبيب، هو من اجري لها عملية ترميم البكارة ولم تكن قد عرفت انه أخ عريسها بعد. كان يعلم جيدا أن بيت أخيه يحتاج لربة بعد غياب هند وان السيد على يحتاج لمن ترافقه في ما تبقى من الطريق. http://belhad.blogspot.com/