لم يكن الكثير ممن خاضوا إضراب حاملي الشهادات ينتظرون هذه النهاية الحزينة والمؤلمة التي آل إليها ملفهم ، فحتى في حالة رجوعهم من الرباط بدون الترقية المباشرة المنشودة؛ فأقصى ما كانوا ينتظرونه أن تطال رواتبهم اقتطاعات كبيرة ،ستتفاوت حسب درجة و مدة إضراب كل مضرب طوال 111 يوم من الإضراب المفتوح ، لكن الصدمة كانت في تفعيل وزارة التربية الوطنية لآلية الأمر بإيقاف الأجرة مباشرة بعد رفع الإضراب ، و رجوع الأساتذة المضربين إلى أقسامهم؛ بعد أن أخذوا وعودا بتعليق كافة العقوبات الزجرية ؛ ليأخذ ملفهم إذاً منعرجا آخر ، وتمتد فصوله إلى مآلات ما زال مبهما استشرافها و توقعها ، فمن ناحية ما يتعرضون له حاليا يجعلنا نقف وِقفة استغراب و حيرة ، فالوزارة لحد الساعة أوقفت أجور أكثر من 700 أستاذ و أستاذة ، و من ناحية أخرى فهناك كم كبير منهم يعرضون على المجالس التأديبية و لنا أن نستغرب أن بعض الأكاديميات عرضت مئات الأساتذة على هذا المجلس في أيام معدودة ، دون تقصي ما إن كان المعني بالأمر يستحق أن تحاط به هذه الهالة ، أو لربما حدث خطأ تقني يستدعي العدول عن أي قرار سرعان ما سيتم إبطاله في المحاكم الإدارية . لا يمكن لنا أن ننكر أن تنسيقية حاملي الشهادات سقطت في زلات جعلتها تتجرع مرارتها الآن ، من بينها السقوط في الفجوات القانونية التي اقتنصتها الوزارة ، و عدم الانتباه إلى انعدام رغبتها في حل هذا الملف للمعطيات الكثيرة التي تتوفر لديها ، بالإضافة إلى ارتماء التنسيقية في أحضان التسييس دون إدراك أغلب مناضليها لذلك، فقد جعلت الكثير من الجهات ملفهم مطية لتمرير شعاراتها و إيديولوجياتها و أهدافها التي اتخذت في بعض الأحيان حملات انتخابية سابقة لأوانها على حساب نضال التنسيقية و هدفها الجلي الذي ما كان إلا الترقية بالشهادة الجامعية إسوة بالأفواج السابقة و اللاحقة . الكل يتذكر يوم 05 دجنبر 2013 ، يوم محاصرة مناضلي التنسيقية لمديرية الموارد البشرية بالرباط منذ بدء الشكل النضالي ، إلى حوالي الخامسة مساءً ، وقت التدخل البشع لقوات الأمن العمومي . فبعيدا عن الحماس ، و العاطفة ، يمكن اعتبار هذا الخطأ الاستراتيجي الذي بدأ يتبدى لكثير من المناضلين سببا في رد الوزارة العنيف على المضربين ، فبعد أسبوع من هذه الحادثة أعلنت الوزارة أنها ستطبق مسطرة الانقطاع عن العمل في حقهم ، و ستجعلها تسري إلى آخر مراحلها و هي العزل ، فواصلت التنسيقية أخطاءها الاستراتيجية الفادحة بتوصية المناضلين بعدم تسلم أي إشعار بالعودة تحت حجة أن كل من تعذر عليه التبليغ فله الحق في ستين يوما فإذا لم يستأنف ، فستتوقف أجرته ، و انتظار ستين يوما أخرى حتى إذا لم يستأنف من جديد فسيعزل من أسلاك الوظيفة العمومية . و الواقع أنه من ناحية القوانين المنظمة للوظيفة العمومية فالفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة ينص أنه إذا تعذر التبليغ على المنقطع فمن حق الإدارة أن توقف أجرته فورا ، و احتساب أجل ستين يوما لإلزامه بتوقيع استئناف جديد في هذا الأجل ، و هذه هي الكارت بلانش التي استعملتها الوزارة الآن ، و جعلت رسائلها لوزارة المالية معللة ما دامت قد استندت إلى تعذر التبليغ ، رغم استنكار الجميع لتأخرها في تفعيل هذه المسطرة في وقتها القانوني و هو ما يعكس على كل حال نيتها المبيتة . لا يمكن إنكار أن التنسيقية أيضا لم تستغل بشكل ذكي حوارات الوزارة مع النقابات في شهر يناير و فبراير ، فالكل كان يعلم أن ملفها كان الأكثر إثارة في هذه الحوارات ، بمعنى أن الملف كان في حاجة إلى مناورة سياسية ذكية تحاور بها في قلب هذه الاجتماعات ، و أخذ وعد مكتوب من الوزارة في شكل اتفاق بالتراضي يُخرج الطرفين من هذا النفق المظلم ، و الواقع أن التشبث بالترقية الفورية الذي أصبح يأخذ شكلا متنطعا في بعض الأحيان هو ما جعل نتائج هذه الحوارات سلبية بالنسبة إلى المضربين . النقطة التي أفاضت الكأس كانت في مباراة فبراير ، فلا شك أن التنسيقية لم تكن تدري أن هذه المباراة قد تكتب لها الشرعنة ، و قد تجتازها المئات ، في حين ظلت تنادي بأن أمواجا كثيرة ممن أودعت ملفاتها ستقاطع المباراة ، و أن ضِعفهم سيقاطعونها ، رغم عدم تسليمنا أنها نجحت نسبيا في وعدها ، لكنها لم تدر أن بعض المئات التي وصل تعدادها إلى أكثر من ألف ، و التي اجتازت المباراة ، و نجحت فيها ، هي من سيجعل بريق التنسيقية يخفت ، فهي لم تكن تتوقع ما بعد المباراة ؟ أي ما بعد اجتياز هذه المئات لها ، و قد كان الجواب الحتمي عن ذلك أن خارت قوى الكثير من الأساتذة ، خاصة المعنوية منها ، و بالأخص يوم إعلان نتائج هذه المباراة التي أسفرت عن نجاح أغلب من اجتازها . الحديث الآن كل الحديث عن توقيفات الأجرة التي تطال المناضلين ، و عن المجالس التأديبية ، و أيضا عن المباراة الثانية التي وعدت الوزارة بإصدارها في أواخر أبريل ، و هي رهانات تحتاج إلى مزيد من التبصر ، و دراسة أي خطوة قبل تنفيذها ، و الاستفادة – و هذا هو الأهم – من الأخطاء السابقة . نعم نتفق من حيث المبدأ أن نضالنا مشروع ، و له ما يبرره ، و هو غير عبثي بالمرة ، أو له خاصية طوباوية ، لكن يجب التفكير بواقعية ، و دراسة الظرفية التي نعيش فيها ، التي تحسب لأي خطوة عواقبها و مآلاتها حتى لا نسقط في مزيد من الأخطاء .