وصف محللون سياسيون فلسطينيون التصريحات المتباينة التي تصدر بين الحين والآخر، على لسان قادة ومتحدثي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وخوض غمارها ب"المناورة السياسية". واتفق المحللون، في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، أن حركة "حماس" تهدف من وراء التلويح بورقة الانتخابات الرئاسية جني "ثمن سياسي"، تخطط لحصاده من وراء تلك المناورة. ويتمثل هذا الثمن، وفق ما يرى المحللون في بقاء حركة "حماس" في المشهد السياسي الفلسطيني، كأن تتولى قيادة الأمن في قطاع غزة، أو أن تدير البلديات، وبعض المؤسسات الخدماتية، أو تلقيها لوعود بإنهاء عزلتها ال"سياسية". وبتكليف من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقّع وفد فصائلي من منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقاً مع حركة "حماس" في غزة، يوم 23 أبريل/ نيسان الماضي، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافقية في غضون 5 أسابيع، يتبعها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن. ونفت حركة "حماس" عبر موقعها الرسمي أن تكون قد قررت بشكل رسمي، المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقالت إنّها تدرس المشاركة في تلك الانتخابات فقط. وخلال لقاء عقده موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، مع صحفيين، السبت الماضي، في مدينة غزة، قال إن حركته لم تتخذ قرارًا بعد بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أنّه ألمح إلى إمكانية عدم اعتذارها عن المشاركة في أي انتخابات قادمة. ولكن القيادي البارز في حركة "حماس" خليل الحية قال في تصريح صحفي، إن حركته اتخذت قراراً بالمشاركة في انتخابات الرئاسة الفلسطينية المقبلة من خلال ترشيح أحد أعضائها، أو دعم "مرشح وطني". ورأى "طلال عوكل"، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية الصادرة في رام الله، أن تلويح حركة "حماس" بورقة الانتخابات الرئاسية، والتضارب في الحديث عن قرار المشاركة من عدمه، هو نوع من أنواع "المناورة السياسية". وأضاف: "قد تبدو تصريحات الحركة، ضبابية، ومتضاربة، غير أن ما يصدر من ناطقي وقادة الحركة حول المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة يأتي في إطار خطة سياسية مدروسة". وأشار عوكل إلى أنّ "حركة حماس تترك قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية للظروف المحيطة بها، وللعوامل الخارجية، فإن سارت الأمور خلال الأشهر القادمة وفق ما تريد فقد تقرر خوض هذه الانتخابات، وبقوة". وتابع: "الآن نحن أمام مناورة سياسية، ورهان على الزمن، وما تسفره الظروف الدولية والمتغيرات في المنطقة، وما سيحدد وجود حركة "حماس" في مربع الانتخابات الرئاسية هو ما تجنيه من ربح سياسي". وذهب عوكل إلى أن "احتفاظ حركة حماس بثمن سياسي لا يقل عن ثمن خوض الانتخابات الرئاسية هو ما يحدد طبيعة المرحلة القادمة". وعن طبيعة هذا الثمن السياسي، وما قد تربحه الحركة من "مناورتها" بورقة الانتخاب، توقع عوكل أن تتلقى "حماس" وعدا بإنهاء عزلتها الدولية والسياسية. وتعاني حركة حماس التي تتولى إدارة الحكم في قطاع غزة، من عزلة فرضتها متغيرات الوضع العربي والإقليمي، حيث فقدت مؤخرا حليفا قويا بعد عزل الجيش المصري بمشاركة قوى وشخصيات سياسية ودينية الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي. وتتهم السلطات المصرية، حركة "حماس"، بالتدخل في الشأن الداخلي المصري، والمشاركة في تنفيذ "عمليات إرهابية وتفجيرات" في مصر، وهو ما تنفيه الحركة بشكل مستمر. وأصدرت محكمة "الأمور المستعجلة"، بالقاهرة، في 4 مارس/ آذار الماضي، حكما قابلا للطعن، بوقف نشاط حركة "حماس"، داخل مصر، وحظر أنشطتها بالكامل، والتحفظ علي مقراتها داخل بمصر. واتفق هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية بغزة، على أن حركة حماس تهدف إلى المناورة السياسية من خلال تلويحها بورقة "الانتخابات الرئاسية". وقال البسوس، إنّ "حركة حماس في الوقت الراهن لا يمكن لها بأي حال أن تخوض غمار الانتخابات الرئاسية". وتابع: "من المحتمل أن ترشح شخصية وطنية، أو أن تدعم مرشحا ما، لكن حركة حماس تعي جيدا استحقاقات الانتخابات الرئاسية، وأن خوض غمار هذه التجربة سيكلفها الكثير، وهي لا يمكن أن تعترف بإسرائيل، أو بشروط الرباعية الدولية (الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)". ولا تعترف حركة حماس، ذات التوجه الإسلامي، بأحقية وجود دولة إسرائيل، وتدعو إلى إزالتها بالكامل، وإقامة دولة على كامل أرض فلسطين التاريخية. لكن حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اعترفت عام 1993 (في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو للسلام) بأحقية وجود إسرائيل، وتطالب بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشرق مدينة القدس. ولا تقبل حركة "حماس" بشروط اللجنة الرباعية الدولية، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل. وأضاف البسوس أن "ما يجري هو نوع من المناورة السياسية، ومحاولة من حركة حماس لإيصال رسالة لأطراف فلسطينية، وعربية، ودولية، بأنها حركة تتمتع بقوتها ونفوذها وقادرة على المنافسة والنجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة". ورأى البسوس أن "حركة حماس، وفي حال قررت بشكل فعلي المشاركة، قد تتراجع في "اللحظات الأخيرة"، في سبيل تقديم بعض الأطراف وفي مقدمتها السلطة ثمنا سياسيا لها يدعم وجودها في النظام السياسي الفلسطيني"، متابعا "أو أن يتم تقديم ضمانات برفع الحصار عنها". وتوقع البسوس أن يكون الثمن الذي تتلقاه حركة حماس في مقابل تراجعها عن المشاركة في الانتخابات هو تواجدها في الخارطة السياسة الفلسطينية. وتابع: " كأن تتولى إدارة القطاع من ناحية أمنية، أو أن تدير البلديات، وبعض المؤسسات الخدماتية، ما هو حتمي أن حركة "حماس" تخطط لجني بعض الثمار السياسية، وهي تناور من أجل ذلك". وكانت حركة حماس قد شاركت في الانتخابات التشريعية عام 2006 وهي أول انتخابات تشارك فيها، وحققت آنذاك مفاجأة بحصدها لأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (البرلمان). ومنذ فوز حركة "حماس" في ذات الانتخابات، يخضع قطاع غزة لحصار خانق فرضته إسرائيل، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في صيف العام 2007. وفي السياق ذاته، رأى عبد الستار قاسم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن "حركة حماس تحاول أن تناور سياسيا ب"ورقة" الانتخابات الرئاسية". وأضاف قاسم أنّ "حديث حركة حماس عن الانتخابات الرئاسية هو محاولة لكسب نقاط سياسية لصالحها، كتوليها على سبيل المثال وزارات ذات أهمية، ووزن سياسي". واستبعد أن "تخوض حركة حماس أي انتخابات رئاسية قادمة"، مرجحا أن "تدعم أحد المرشحين". *وكالة أنباء الأناضول